10علمني إياها شيخي .. "قواعد السعادة في الدنيا"

يا صاحبي ، اسمع مني و انتبه ، و اعلم أن السعيد من اتعظ بغيره ، و الشقي من اتعظ بنفسه ، فخذ من صروف الأيام عبرتها ، و من تدابير القدر حكمته ، و من تقلب الناس آية و اعلم أن الغر الساذج في هذه الحياة من اغتر برأيه ، و غلبه سلطان هواه .. 

قواعد السعادة في الدنيا

و لك مني عشر احفظها ، و أعمل فيها عقلك و فكرك ، و لا تتجاوزها لغيرها.. 

أما الأولى :

فإن للعظمة طريقا واحدا ، مبدؤه التجرد و الإخلاص ، و منتهاه التواضع ، و بين هذا و ذاك يأتي الجد و العمل و العرق و الكدح ، و ليس للرقي مسلك آخر ، فإن حدت عن الطريق في أوله و لم تخلص ، غلبك شيطان هواك ، و حاد بك عن جادة الإستقامة ، و إن حدت آخره ،و غرك عظيم فضله الله عليك ، كنت كمن نقضت غزلها بعدما سهرت تغزله ليالي طوالا ، أما العرق و الكد و الكدح ، فهما ثمن النجاح ، لا يتم إلا بهما ، و لا ينال إلا بدفعهما .

أما الثانية :

فإنك لن تسلم من ألسنة الناس و لمزهم ، خاصة من رأوك صغيرا فكبرت على أعينهم ، أو بسيطا فحزت العزة و الشرف و هم شهود ، و أول من سينال منك من كبرت على عينيه ، لذا قال العرب قديما : " لا كرامة لنبي في وطنه " ، فلا تحزن عندما يستصغر القوم شأنك ، و كان جديرا بهم أن يعلوا بك ، و اعلم أن هذا من طبائع النفس التي جبل الله الناس عليها .

والثالثة :

لا تحزن لكثرة أعدائك ، فما دامت عداوتهم في الحق فهم شهود لك أمام الله لا عليك و أن كان الأصدقاء يمدوننا بالدعم الوجداني ، فإن الأعداء يوقظون لدينا الحافز لنكون أفضل ، إنهم يجعلونك أكثر يقظة و أكثر انتباها لما يدور حولك ، لا تنزعج من كثرتهم ، أو قوتهم ، فإنهم دليل آخر من دلائل عبقريتك و عظمتك ! 

و الرابعة :

احفظ لسانك ما استطعت فإن المرء مخبوء تحت لسانه ، فإذا تكلمت ظهر للناس حقيقة شخصيتك ،فحاول ألا يسبق لسانك عقلك ، فكر قبل أن تنطق ، و زن الأمور قبل طرحها على مستمعك ، و لا تستخف بالكلمة ، فلكم أحيت الكلمة نفوسا ، و أماتت غيرها ، و الحذر كل الحذر أن تغضب فيطيح لسانك بهذا أو ذاك ، فاللسان عند الغضب أحدّ من سيف ابن الوليد و أشد إيلاما ، و ليكن لك في الإعتذار مخرج إذا ما زللت و أخطأت ، فالإعتذار على حرقته أهون كثيرا من أن ينتقصك الناس لضعفك أمام شيطان غضبك و فوزه عليك .

أما الخامسة :

فاحذر أن تحارب من ليس لديه ما يخسره ، فإنه أرعن مجنون ، ضرباته حينذاك تكون هي الخطر بعينه ، و تحركاته لا يمكن توقعها ، فليس بمستبعد منه أن يخرق السفينة ليغرقها و هو على متنها ليؤذيك ، و خطورة مثل هذا أن تدابير العقل لا تصلح معه هي اليقظة التامة و الحذر الكامل ، و تجنب لقائه ما استطعت ، فهذا هو الأسلم و الأحوط.

و السادسة :

لا تحرق خلفك كل الجسور ، فمهما حاربت ، و عاديت ، و بغضت ، فإن الحكمة و الفطنة تقتضي أن تترك خلفك انفراجة ، فإنك لا تدري عندما تهدأ النفس ما الذي قد يظهر و يستجدّ ، و قد تحتاج في لحظة ما إلى التحالف مع عدو الأمس ، أو المرور من طريق قد اشعلت فيه النار ، فحاول في كل معاركك أن تترك هنا أو هناك شيئا و لو بسيطا يشفع لك إذا ما أحببت العودة ثانيا .

السابعة :

لا تشغل بالك بأمر ليس لك يد في تغييره ، احتفظ بقوتك ، و تدبيرك ، و عقلك لما يقع في دائرة سيطرتك ، فإن البكاء على اللبن المسكوب حماقة ، و مناطحة الدهر ديدن من لا عقل له.

و الثامنة :

تأكد أن اللون الأسود هو الذي جعلنا ندرك نقاء البياض و الظلم نبّه عقولنا لعظمة العدل و المساواة ، و الجبابرة هم من جعلونا نشتاق إلى نسائم الحرية ..
بالتضاد تعرف الأشياء ، فلا تحزن حينما ينالك شيء من سواد أو ظلم أو بغي الحياة و اجعل السيئ الذي تتعرض له نبراسك يهديك إلى طريق الخير و الحق و الصلاح.

التاسعة :

لا تكره أحد ، هؤلاء الذين خدعوك ، و قاتلوك ، ووقفوا في طريق طموحك لا يستحقون أن تكرههم ، لا تحمل لهم بداخلك أي مشاعر ، فكرههم دليل على أنهم قد فازوا بجزء منك ، جزء من قلبك و روحك ووجدانك ، و الأجدر أن تلقيهم خلف ظهرك غير مأسوف عليهم ، كن بخيلا في مشاعرك السلبية ، فلديك ما يستحق أن توليه اهتمامك و انشغالك و روحك.

و العاشرة : 

تعلّم الندم ، و الاعتذار إلى الله ، فإنك بشر و للبشر زلّات و سقطات ،و عند الخطيئة إياك أن تكابر ، و إياك أيضا أن تنهزم و تغلق باب الرجاء ،  فالاستهتار بالذنب لا يفوقه إثم سوى القنوط من رحمة الله ، و ما يجب أن تفعله آنذاك هو الاستغفار ، و التوبة ، و الإعتذار و الالتجاء إلى الله حزينا منكسرا طالبا للعفو و المغفرة ، فهذا من تمام عبوديتك له .