لماذا نتألم في هذه الحياة ؟

جميع الناس يتألّمون في هذه الحياة و لا أظن أنه يوجد هناك إنسان لا يتألم ولا يعاني من مواقف مؤلمة ، و لكن بدرجات مختلفة على حسب الابتلاء و الحكمة الإلهية .. و الكثير يسأل لماذا يحدث هذا لنا ؟ و لم أصابنا هذا ؟ ...و هناك من يموت من الألم ...
و سنجد في هذا الموضوع بإذن الله الإجابة عن العديد من الأسئلة التي تحيرنا بخصوص هذا الموضوع و سنبدأ بهذه القصة الرائعة ...

لماذا نتألم في هذه الحياة

جمع الملك الشاب حكماء بلاطه ، و طلب منهم أن يكتبوا له تاريخ البشرية كي يطلع عليه و يستفيد منه ... 

ذهب الحكماء و عادوا إليه بعد سنوات و هم يحملون مجلَّدات ضخمة ، لكن الملك طلب منهم أن يختصروها أكثر بسبب مشاغله الكثيرة ، كي يتسنى له قراءتها كاملة ، فرجع الحكماء مرة ثانية و عادوا إليه بعد سنوات و معهم مجلدات أقل من سابقتها ، لكن الملك ضَجِرَ من كِبرها ، و أمرهم بإعادة الاختصار.

هنا اقترب منه كبير الحكماء و قال له : سيدي ، تاريخ البشر مكرر بشكل لا يمكن لعقل تصوره ، و لو شئت أن ألخص لك تاريخ البشرية في عبارة واحدة ، فإن ذلك بمقدوري !
فقال له الملك متلهفا: هات ما عندك.

فقال الحكيم : يا مولاي تاريخ البشرية يتلخص في عبارة واحدة
 "يولد الناس ، ثم يتألمون ، ثم يموتون" !

هكذا رأى الفيلسوف الفرنسي أناتول فرانس تاريخ البشرية من خلال قصته الرمزية السابقة ، لكننا بقليل من التأمل و التدبر ، سنرى أنها رؤية عميقة لمعنى و جودنا في الحياة.

فالألم هو القاسم المشترك بين جميع البشر ، هو الذي يطهرهم في كثير من الأحيان من حظوظ أنفسهم ، و هو الذي يعيدهم إلى حقيقة إنسانيتهم .

قديما قال أحد الحكماء: "قلب يتألم .. قلب يتعلم"
الألم هو الضريبة التي ندفعها نظير التعلم ، هو الشاهد على أن "مجانية التعليم" لم تطُل دروس الحياة و تعاليمها.

و لو كان ثمة استثناء لهذه الضريبة ، لكان الأنبياء و الرسل أولى الناس بهذا الإعفاء و تلك المحنة ، لكنهم – قبل غيرهم – دفعوا كامل التكاليف ، تألموا كثيرا ، عانوا كما لم يعان أحد ، لكن عظَمَتُهم تجَّلت في صلابتهم و تحملهم في دفع ضرائب الحياة ، و ثمن العيش الشريف الكريم فيها ، ثمن الحياة بمبدأ و كرامة و شرف.

ليؤكدوا لنا أن "الألم" الذي نتعرض له هو الدليل الوحيد على كوننا أحياء ، و أننا يجب أن نستفيد من ذلك الألم في تعلم الدرس ،والعودة إلى ذواتنا ، و الدخول في دهاليزها ، ومكاشفة النفس ، و الانعزال عن ضوضاء الحياة لبعض الوقت ، لنعود بعدها أشَّد قوة ، و أكثر و عيا و ثباتاً.

لماذا نتألم في هذه الحياة

وواهم ثم واهم من يظُّن بأن هذا القانون له استثناء..

سئِل الإمام الشافعي رحمه الله يوما:
أيهما خير للمرء ، أن يبتلى (أي يبتليه الله و يختبره) ، أم يمكِّن (أي يحقق له الله غايته و مراده )؟ فردَّ الإمام الفقيه قائلا: و هل يكون تمكين إلا بعد ابتلاء؟ !

ما أروع فهم الإمام و فقهه !
نعم ، أيُّ تمكين و انتصار يمكن أن نحققهم ، مالم نُمتحَن و نختبر و نبتلى و نتألم؟
إنه الثمن الذي يجب أن نستعد لدفعه دائما .. ثمن النصر و الشرف و الحياة الكريمة .

إذن : لا تقلق فعندما تتألم فإنك تدفع ثمن تعلمك دروسا في هذه الحياة ، و كي تتذكر دائما أنك ضعيف و بحاجة إلى خالقك ..


المصدر: كتاب كم حياة ستعيش - كريم الشاذلي