أين شبابنا من شبابهم؟ حقائق مؤلمة !


أخذ شبابنا في هذه الحقبة الأخيرة يتأنقون في الزينة واللباس في جميع أشكالهما، حتى أصبح هذا الأمر يشغل أكبر قسم من وقتهم وفراغهم - وكل وقتهم فراغ والحمد لله - ويشغل كل تفكيرهم فتراهم يعتنون بإطالة الثوب وتعريضه وتضييقه وتخصيره متبعين في ذلك آخر طراز يأتيهم من بلاد الغرب؛ وإنك لترى هذا الفريق أكثر الناس جهلاً، وأقلهم عملاً، وأضيقهم تفكيراً، وأدناهم خلقاً، وأفرغهم ذهناً من علم وثقافة، من أي طبقة من الناس كانوا. فإن كانوا من العمال فمن أصحاب البطالة، وإن كانوا ممن ينتمون إلى الشباب المتعلم فهم ممن أوصدت أبواب العلم دونهم لقلة بضاعتهم وضعف عقولهم، ويكاد يكون هذا الحكم عاماً وإن كان هو الصورة الغالبة.

ويحسب الناس أن هذا الفريق من شبابنا إنما يقتدي بالجمهرة من شبان الغرب في هذه الناحية، وإن شباب الغرب قد بلغوا من هذا الأمر غايته ومنتهاه، وما علموا أن شباب الغرب عن مثل ذلك في شغل شاغل، وأنهم على ما هم عليه لم يبلغوا هذا المبلغ في إضاعة الوقت في توافه الأمور وسفاسفها، بل برؤوا بأنفسهم عن مثل هذه السخافات واهتموا بما هو أصلح لحالهم، وأقوم لشأنهم، وأجدى عليهم من ذلك، فهم إن صرفوا في اللهو والتزين وقتاً، فقد صرفوا في الدراسة والجد أوقاتاً، وهم في أوقات جدهم إلى البساطة أميل وبالسذاجة أشد وأقرب، فترى جمهرة الطلاب منهم يعيشون عيشة منظمة مرتبة فيها كثير من الجد والنشاط، بعيدين عن الزينة والزخرف الذي ليس له من جدوى غير إضاعة الوقت وصرف المال، تراهم يرتدون من الثياب أبسطها وأرخصها، إذ ليست هي معيار قيمة الواحد منهم، وإن أحدنا ليستحي أن يلبس الثوب أو الحذاء يلبسه أحدهم من غير أن يعاب في ذلك أو يكون له فيه سبة أو عار.

مقياس قيمة الرجل عندهم ما يحسنه من علم أو عمل، وما يخرجه للناس من تفكير يفيدون منه علماً، أو عرض ينتفعون به، وسواء عليه بعد ذلك أطال ثوبه أم قصر، أكان رفيعاً جديداً أم خلقاً مرقوعاً، فتلك ناحية لا تهم الناس كثيراً من أمر الرجل، إذ لا علاقة لها بما يفيدون منه من علم أو مال، ولا بما يعاملهم به من لطف أو غلظته، وكرم أو دناءة، فكم من جميل المنظر حسن البزة سيء الخلق غليظ الطبع.

لا حرج علينا بعد هذا إذا قلنا إننا أخذنا عن الغرب أقبح نواحيه فشوهناها ووسعناها وجسمناها حتى تكونت من ذلك صورة يتبرأ الغرب منها والشرق معاً، فيا ليت أنا لم نقتد بالغرب في هذه الناحية بل يا ليتنا تابعناه في نواحٍ أخرى كانت أعود علينا بالنفع، ويا ليت أننا إذا اقتدينا اكتفينا بما عنده ولم نزد.


اذا أعجبك الموضوع
 شاركه