ما لا تعرفه عن رحلة الفضاء التي قام بها سكوت كيلي Scott Kelly

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته .. يعود رائد الفضاء الأميركي سكوت كيلي إلى الأرض اليوم الثلاثاء 01 مارس 2016 بعد أن قضى نحو عام على متن المحطة الفضائية الدولية، وهي الفترة التي جعلت منه أول أميركي يقضى أطول مدة على مركبة فضائية.

سكوت كيلي Scott Kelly

ومنذ وصوله إلى المحطة في 27 آذار/مارس 2015 بمرافقة رائد الفضاء الروسي ميخائيل كورنينكو، خدم كيلي مع ثمانية أفراد مختلفين من طاقم المحطة، وقام بتفريغ شحنات من مركبات وشهد محاولتين فاشلتين للإمداد وشارك في العشرات من التجارب العلمية.
وقام كيلي أيضا بثلاث مهام للسير في الفضاء خارج المحطة التي تكلف إنشاؤها 100 مليار دولار، وتحلق على ارتفاع 400 كيلومتر من الأرض.


أولا: إنها أشبه ببعثة لمدة 3 سنوات

ربما أقام كل من رائد الفضاء الأميركي سكوت كيلي وزميله الروسي ميخيائيل كورنينكو لمدة سنة واحدة في محطة الفضاء الدولية، إلا أن العمليات العلمية المترافقة مع رحلتهما إلى المحطة ستستمر لمدة 3 سنوات على الأقل. فقبل مغادرتهما الأرض بسنة واحدة، خضع رائدا الفضاء لمجموعة من الاختبارات الهادفة للوصول إلى فهم أفضل لكيفية استجابة الجسم البشري لرحلات الفضاء طويلة الأمد.

وشمل هذا الأمر أخذ عينات من دمهما وبولهما ولعابهما وغير ذلك، بهدف تشكيل قاعدة بيانات سيدرسها العلماء. وبالطبع، استمرت عملية أخذ العينات أثناء وجودهما على متن محطة الفضاء الدولية، وستستمر أيضاً لمدة سنة أخرى بعد وصولهما إلى الأرض.

 ثانيا: ما نتعلمه هنا سيساعدنا في الوصول إلى المريخ

إحدى أهم العقبات للقيام برحلة إلى المريخ هو ضمان أن يكون البشر "قادرين" على الذهاب في رحلات طويلة الأمد، بالإضافة طبعاً إلى ضمان محافظة أفراد الطاقم على صحتهم وقدراتهم كاملة طوال مدة الرحلة إلى المريخ والعودة إلى الأرض. يمتلك العلماء بيانات موثوقة حول الكيفية التي تستجيب بها الأجسام للعيش في بيئات الجاذبية الصغرى لمدة 6 أشهر، ولكنه لم يتم الحصول على أي بيانات مهمة خارج هذا الإطار الزمني إلا منذ زمن قريب جداً.

من المحتمل أن تستغرق الرحلة إلى المريخ 3 سنوات، حيث ستسغرق رحلة الذهاب والإياب حوالي سنة ونصف تقريباً، كما سيمكث رواد الفضاء على سطحه سنة ونصف أخرى. لذا نحن بحاجة ماسة إلى فهم كيفية تأثر الأنظمة البشرية كالرؤية وصحة العظام بالبقاء على متن المركبة الفضائية لمدة تتراوح بين 12 إلى 16 شهراً ضمن بيئات الجاذبية الصغرى.

كما أننا بحاجة إلى فهم ماهية الإجراءات التي يجب اتباعها للحد أو التخفيف من المخاطر التي قد يتعرض لها أفراد الطاقم أثناء الرحلة من وإلى المريخ. وبناءً على ماسبق يمكن القول بأن فهم جميع هذه التحديات هو أحد الأوجه التي تساعد فيها الأبحاث على متن محطة الفضاء الدولية في رحلتنا المقبلة إلى المريخ.

ثالثا: إجراء الأبحاث العلمية قد يستغرق بعض الوقت

في حين سيسارع العلماء إلى تحليل بيانات الاختبارات التي خضع لها كيلي وكورنينكو عند عودتهما إلى الأرض، فإن المدة الذي ستستغرقها نتائج الأبحاث كي ترى النور تتراوح بين 6 أشهر إلى 6 سنوات. وبالطبع، ستحتاج الأبحاث العلمية إلى بعض الوقت، حيث لن يكون من السهل معالجة البيانات المستقاة من جميع عمليات الفحص والاختبار المتعلقة بالمهمة التي استمرت لسنة واحدة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض عينات الدم واللعاب والبول العائدة لكيلي وكورنينكو ستخزن في أجهزة التجميد على متن محطة الفضاء، وذلك بانتظار أن يتمكن العلماء من إعادتها إلى الأرض على متن المركبة الفضائية SpaceX Dragon. وربما سيستطيع العلماء خلال فترة مبكرة من عملية تحليل البيانات رؤية مؤشرات على ما يمكن توقعه، إلا أنهم لن يتوصلوا إلى النتائج النهائية إلى بعد فترة طويلة من عودة رائدي الفضاء.?

رابعا: ليست المرة الأولى التي يمضي فيها شخص ما سنة من حياته في الفضاء!

سكوت كيلي Scott Kelly

هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إجراء أبحاث واسعة النطاق على افراد طاقم في بعثة طويلة الأمد باستخدام تقنيات مثيرة وجديدة مثل الدراسات الجينية. هذا ويعتبر كيلي أول رائد فضاء أميركي يكمل مهمة في الفضاء استمرت لسنة واحدة، كما أنه أكثر أميركي أمضى وقتاً في الفضاء (المقصود مجموع رحلاته إلى متن المحطة)، ولكنه بطبيعة الحال ليس أول من يصل إلى هذه الغاية من بين البشر. ففي وقت سابق، أمضى أربعة رواد فضاء سنة كاملة أو أكثر خلال مهمة واحدة على متن محطة الفضاء الروسية مير.

وقد شارك الرواد الأربعة في بحث هام يثبت أن البشر قادرون على العيش والعمل في الفضاء لمدة سنة واحدة أو أكثر. وفي هذا الصدد، أمضى رائد الفضاء الروسي فاليري .ف. يولياكوف 438 يوماً على متن محطة مير، وذلك خلال الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني من سنة 1994 وبين مارس/آذار من سنة 1995، وبذلك يحمل الرقم القياسي الخاص بعدد الأيام المتواصلة التي أمضاها شخص ما في الفضاء.

ومن جهة أخرى، أمضى رائد الفضاء سيرجي أفدييف Sergei Avdeyev 380 يوماً على متن محطة مير وذلك في الفترة الممتدة بين أغسطس/آب من سنة 1998 وبين أغسطس/آب من سنة 1999، بينما أمضى رائدا الفضاء فلاديمير تيتوف Vladimir Titov وموسا ماناروفا Musa Manarov 366 يوماً على متن المحطة من شهر ديسمبر/كانون الأول من سنة 1987 وحتى ديسمبر/كانون الأول من سنة 1988.?

خامسا: التعاون الدولي هو مفتاح النجاح

ليس من قبيل المبالغة تسمية محطة الفضاء الدولية بـ "الدولية"، فهذه البعثة التي استغرقت سنة كاملة تجسد روح التعاون بين مختلف بلدن العالم، حيث انصبت جهودهم جميعاً حول إيجاد وسائل للتخفيف بقدر الإمكان من المخاطر التي قد يتعرض لها البشر أنثاء الرحلات طويلة الأمد.

وعليه، فإن البيانات العائدة لكل من كيلي وكورنينكو سيتم مشاركتها بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وغيرهم من الشركاء الدوليين. وبالطبع، سيساعد هذا النوع من التعاون في عدة نواحٍ: كزيادة المعلومات الطبية الضرورية في رحلات الاستكشاف البشري، والحد من التكاليف، وتحسين العمليات والإجراءات المتبعة، بالإضافة طبعاً إلى تحسين الكفاءة في بعثات محطة الفضاء المستقبلية.?

سادسا: الكثير من المهام العلمية

لم تكن مساهمة كيلي أثناء مدة وجوده على متن المختبر المداري (المحطة) والتي استغرقت سنة واحدة مقتصرة على الاختبارات الخاصة بالمهمة الموكلة إليه. فهو عمل في قسم من الدراسات العلمية المستمرة على متن المحطة والتي بلغ عددها 400، ليساهم بذلك في مساعدة وكالة ناسا على تحقيق إنجازات كبيرة تكتشف ما هو مجهول لدينا، وتعود فائدتها على البشرية جمعاء.

أمضى كيلي إقامته على متن محطة الفضاء الدولية في إجراء فحوص دوران الدم وجمع عينات البول واللعاب، وقراءة المجلات وإجراء الاختبارات الحاسوبية. كما عمل أيضاً على رعاية المحصولات الزراعية في منشأة Veggie المخصصة لهذا الغرض، وعمل أيضاً على إجراء مسح بصري وفحص الموجات فوق الصوتية.

يضاف إلى ما سبق، استخدام كوب الفضاء وتشغيل مجالات الأقمار الصناعية الآلية، وقياس الصوت والمساعدة في ظبط مركبة CubeSat كي يتم نشرها في الفضاء. ولا تتوقف مساهمات كيلي عند هذا الحد فهو يشارك في قياس الإشعاعات واختبارات تحول السوائل في البدلات الشبيهة بالمعطف الروسي، وتسجيل موعد نومه وغيره الكثير من الأعمال الأخرى. والمذهل بالأمر أنه ساهم في هذا كله جنباً إلى جنب مع تنفيذ واجباته الاعتيادية في صيانة محطة الفضاء، بما في ذلك السير في الفضاء لـ 3 مرات!.

سابعا: لا مزيد من الطعام المعلب أو الموضوع في أكياس!

سيكون بمقدور كيلي وكورنينكو بعدة عدة أشهر من تناول الطعام المعلب والشرب بواسطة الشلمونة، الاحتفال بعودتهم إلى الأرض عبر تناول الطعام الذي يرغبون فيه. ففي أثناء وجودهم في الفضاء، كان الطعام الذي يأكلونه مراقباً بعناية فائقة، كما كان مصمماً خصيصاً كي يمنحهم المواد المغذية.

وبطبيعة الحال، يحق لرواد الفضاء إبداء الرأي بخصوص لوائح الطعام المخصصة لهم في الفضاء، إلا أنه بالطبع سيفتقدون الوجبات المفضلة لديهم. وعليه، لن يعاني رائدا الفضاء بعد عودتهما إلى الأرض من الاختيارات المحدودة في لوائح طعامهم كما في الفضاء.

وكما جرت العادة سابقاً، ففي اللحظة التي يهبطون فيها على الأرض ويغادرون الكبسولة الفضائية، ستقدم لهما بعض الفاكهة أو الخِيار ليتناولاه، ولتبدأ بعدها عملية الفحص الأولي لصحتهما. ومما لا شك فيه أن كيلي بعد عودته إلى منزله في هيوستن، سيقبل بشهية مفتوحة على تناول أولى وجبات الطعام على سطح الأرض.?

ثامنا: بعد العودة تبدأ عملية التأهيل

لعلك ربما سمعت بالمثل القائل: العضو الذي لا يعمل يضمر. حسناً، هذا المثل ينطبق على جسم رواد الفضاء كالعظام والعضلات، حيث إنها قد تتعرض للضمور في بيئات الجاذبية الصغرى. لذا يتوجب على رائدي الفضاء أثناء وجودهما في المحطة اتباع نظام قاس من التمارين لمحاربة هذا التأثيرات، كما سيستمران في التدريب وعمليات إعادة التأهيل عند عودتهما إلى الأرض.

كما سيشاركان أيضاً في اختبارات ميدانية تجري مباشرة بعد هبوطهما. وعند وصولهما إلى مركز جونسون لرحلات الفضاء، ستعمل اختبارات المهام الوظيفية الأساسية على تقييم استجابة الجسم البشري للعيش في بيئات الجاذبية الصغرى لمدة طويلة من الزمن. كما أن فهم طريقة تعافي رواد الفضاء بعد الرحلات الطويلة يعتبر جزءاً أساسياً في التخطيط للبعثات المستقبلية إلى أعماق الفضاء السحيقة.?

تاسعا: دراسات التوأم تمنح الباحثين قوة مضاعفة

سكوت كيلي Scott Kelly

لعل أحد الأوجه الفريدة من نوعها في مشاركة كيلي في هذه المهمة هو وجود أخ توأم له يدعى مارك وهو رائد فضاء سابق. هذا وشارك الأخوان كيلي في مجموعة من الدراسات التي تجعل من مارك أداة تحكم بشرية على الأرض بينما كان أخوه سكوت يقيم في محطة الفضاء الدولية لمدة سنة.

تتألف دراسات التوأم من 10 أبحاث مختلفة مترابطة ومتناسقة مع بعضها البعض، بحيث تتم مشاركة وتحليل البيانات كما لو أن فريق أبحاث موحداً وكبيراً يتولى ذلك. ستركز هذه الأبحاث على الفيسيولوجيا البشرية والصحة السلوكية وعلى علم الأحياء المجهرية/والجراثيم المسببة للامراض وعلى الدراسات الخاصة بالجزيئات. ومن الجدير ذكره هنا هو أن دراسات التوأم عبارة عن تعاون دولي متعدد المظاهر، تشارك فيه عدة جامعات وشركات ومختبرات حكومية.

عاشرا: ستساعد البعثة في تحديد ماهية الخطوة المستقبلية 

سكوت كيلي Scott Kelly

سيكون الانتهاء من هذه البعثة التي استغرقت سنة كاملة وحميع الدراسات المتعلقة بها بمثابة الدليل الذي سيرشدنا نحو الخطوات التالية في عملية التخطيط للبعثات الفضائية طويلة الأمد إلى أعماق الفضاء السحيقة، والتي تعتبر أمراً ضرورياً خصوصاً مع نجاح البشر في المضي قدماً في استكشاف النظام الشمسي. ستحدد مهمة كورنينكو وكيلي شكل القرارات المستقبلية وعمليات التخطيط بخصوص البعثات الاخرى طويلة الأمد، سواء كانت إلى محطة الفضاء الدولية أو إلى أعماق الفاضء أو حتى إلى المريخ. 

مصدر:  ناسا