الثقافة التاريخية في العصر الجاهلي

تمهيد: قبل دراسة نماذج عن العصر الجاهلي شعرا و نثرا نتعرف أولا على مظاهر الحياة في ذلك العصر لأن الأدب صورة حية عن الحياة النفسية  و السياسية و الفكرية..،حددت هذه الفترة في تاريخ الأدب 130 سنة ق.ه، و كلمة الجاهلية تعني: السفه و الطيش و الغضب.



شبه الجزيرة العربية موطن العرب: تقع ش.ج.ع في قارة أسيا تحيط بها سلسلة من الجبال بصحاريها و رمالها و تضاريسها الصعبة، و تنقسم إلى 5 أقسام: تهامة،نجد،الحجاز،اليمن،العروض.

النظام القبلي: عرف العرب في الجاهلية بنظامهم القبلي،و القبيلة أسرة كبيرة يحكمها شيخ حكيم هو سيدها من وظائفه الفصل بين المتخاصمين و الإصلاح بين القبائل،و لكل قبيلة شاعر يرفع ذكرها و يتغنى بمفاخرها و يرد على أعدائها،في المقابل تدافع القبيلة عنه و تثأر له،كما غلبت على القبائل العصبية القبلية و الحمية .

حياة العرب السياسية: تاريخ العرب في الجاهلية كان غامضا لكونه لم يدون بسبب الأمية و لكن عرفنا حضارة كبيرة في اليمن(سبأ)،كما عرفت قريش حضارة بسبب استقبالها للحجاج و تجارتها التي استفادت منها في رحلتي الشتاء و الصيف.مع ذلك اشتهر العرب في الجاهلية بكثرة الحروب و لأتفه الأسباب(منها حرب البسوس، الداحس و الغبراء بين عبس و ذبيان) و (حرب الأوس و الخزرج-40سنة-حتى أنقذها الإسلام).

الحياة الاجتماعية عند العرب في الجاهلية: انقسموا إلى قسمين:سكان البدو، وهم اغلب سكان الجزيرة العربية عرفوا بتنقلهم المستمر بحثا عن الماء والكلأ وأكثر الشعراء في وصف صيدهم وفروسيتهم والأطلال.سكان الحضر، من استقروا في المدن واتخذوا الديار من طين وحجر عوض الخيمة.

حياة العرب العقلية: لم يكن للعرب علوم مكتسبة بل كانوا أميين بسبب عدم استقرارهم، لكن الطبيعة المفتوحة بين أيديهم أهدت إليهم العقل الفطري، فعرفوا النجوم و مواقعها والأنواء و مواقيتها، و بعض الطب البسيط…كذلك الكهانة والأنساب،كما كانوا يتميزون بالذكاء و حضور البديهة الإضافة إلى فصاحة اللغة.

حياة العرب الدينية: تعددت الديانات في العصر الجاهلي من:عبادة للأصنام والجماد،والحيوان و انتشرت اليهودية والنصرانية و طائفة منهم اعتنقت الحنفية،مع ذلك عرف العرب الجاهليون بأخلاق منها الذميمة مثل:لعب الميسر، شرب الخمر، وأد البنات،و التناحر…و منها ما استحسنها الإسلام و مهدتهم لاعتناقه مثل،المروءة،الأمانة،إعانة الملهوف،الجود و الكرم..و لقد تسابقوا فيلك خاصة في الشهامة وقد قد خلدوا ذلك في قصائدهم.


وأساطير العرب منوعة تنوعاً كبيراً فمنها أسطورة شقائق النعمان, وهي تروي أن النعمان بن المنذر كان ملكاً على الحيرة , وخرج ذات يوم من أيام الربيع الى البرية , فرأى زهوراً حمراء متفتحة , فأمر جنده أن يحيطوا بها ليحموها من أيدي العابثين , فسميت تلك الورود شقائق النعمان أي أخوات النعمان , والنعمان أيضاً هو الدم, ويبدو أنها سميت شقائق النعمان بسبب لونها الأحمر المشابه للدم, وقد وضعت هذه الأسطورة لتفسير تسمية ذلك الزهر , فهي أسطورة ذات باعث لغوي محض .‏

ويروى أيضاً أن النعمان نفسه قد أمر أحد المهندسين ببناء قصر عظيم , أسماه الخورنق , ولما أتم بناءه , أخبره المهندس أن في القصر حجرة لو رفعت من موضعها لهدم القصر كله , فسأله النعمان إن كان أحد غيره يعرف موضعه فأجابه : لا فدفعه من أعلى القصر فمات, وكان ذلك المهندس يدعى سنمّار , لذلك قيل في المثل جزاه جزاء سنمّار, وهذه الأسطورة تدل على اعتقاد الناس أن الإبداع يتعلق بنقطة واحدة, وأن السر كله يكمن في جزء من كل , وهذه هي طبيعة التفكير الأسطوري الذي لايرد الإبداع الى عوامل وأسباب مختلفة.‏

ومن أساطير العرب أنهم كانوا يتخيلون وادياً تسكنه الجن, يسمى وادي عبقر , ولذلك ينسب كل مبدع الى ذلك الوادي فيقال عنه عبقري , كما كانوا يتخيلون أن لكل شاعر شيطاناً من الجن يلقي إليه بالشعر, ويسمى ذلك الشيطان الرئي , بتشديد الياء, وهذه الأسطورة محاولة لتفسير الإبداع الذي يصعب تفسيره, إذ يفسر تارة بالموهبة, وأخرى بالتعلم وثالثة بالخبرة والتدريب, وإذا الأسطورة تفسره بالجن لأن الناس يظنون أن لدى الجن قوى خارقة.‏

وكان العرب يتخيلون الروح في شكل طائر , فإذا قتل القتيل حامت روحه في الحي على شكل طائر يدعى الهامة, ويظل هذا الطائر يزقو أي يصيح, ولايستقر حتى يتم الأخذ بالثأر للقتيل, ويسمى ذلك الطائر الصدى أيضاً , وتشبيه الروح بطائر قديم في التاريخ الإنساني إذ تصور المصريون الروح في عهد الفراعنة على شكل طائر يغادر الجسد.‏

ومن أساطير الطير أنهم تخيلوا وجود طائر هو العنقاء وكان يبني عشه في رأس نخلة , كل مئة عام مرة, ثم يحترق في عشه , ومن رماده ينبعث طائر جديد , وهو رمز لقدرة الأمة العربية على التجدد والانبعاث .‏

ومن أساطيرهم أيضاً قصة لقمان وهو غير لقمان الحكيم الذي ورد ذكره في القرآن الكريم , ويروى أن لقمان في الأسطورة قد عاش عمر سبعة نسور, وكل نسر كان يعيش ثمانين عاماً, وكان آخر هذه النسور يدعى " لبد" وقد مات لقمان في الأسطورة مع موت هذا النسر, ويبدو أن العرب رأوا في النسر القوة فظنوا أنه يعيش ثمانياً عاماً أو مئة , وقد عبدوا النسر في العصر الجاهلي, وصنعوا له تمثالاً على شكله, كما تدل الأسطورة على اعتقادهم بخلود الفكر وطول عمره بخلاف الجسد الذي يموت ويفنى..‏
ومن أساطيرهم في العصر الجاهلي أنهم كانوا يأتون بثور, ويربطون أغصان الشجر اليابسة في ذيله, ثم يرقون به الى جبل, ويوقدون النار في الأغصان اليابسة, يطلبون بذلك المطر, وهم يمثلون بذلك الطبيعة , إذ يرمزون بالثور الى القمر وبالدخان الى الغيم وبالنار الى البرق ويتوهمون أن السماء لابد أن تعطف على القمر المتمثل في الثور يغطيه الدخان أو الغيم فينزل المطر , وينجلي الغيم ويظهر القمر.‏

اهتمام العرب بأنسابهم

إن من يطلع على تاريخ العرب قبل الإسلام يدرك مدى اهتمامهم بحفظ أنسابهم واعراقهم، وانهم تميزوا بذلك عن غيرهم من الأمم الاخرى، ولا يعزى ذلك كله إلى جاهليتهم، كما لا يعزى عدم اهتمام غيرهم كالفرس والروم إلى تحضرهم، وسيتضح لنا ذلك من خلال ما سنعرض له من جوان