مُتلازمة العربيّ .. لماذا لا يعترف العربيّ بأخطائه ؟

يجهل الكثير من الناس قيمة وفضل الاعتراف بالخطأ، بحجة أن الاعتراف قد يسبب مشاكل وخلافات  أكبر من الخطأ نفسه..عدا أن المجتمع لا يتفهم هذا التصرف ولا يملكُ ثقافة التسامح رغم أن ديننا يرتكز أساسا على هذه المعاني والأخلاق .. ومن هنا نجد صعوبة لدى المذنبين في الاعتراف بأخطائهم، مفضلين الصمت والتجاهل.

لماذا لا يعترف العربيّ بأخطائه

فكلنا بشر وكلنا يخطئ فالخطأ جزء من طبيعتنا، ولكن لماذا نكرر أخطاءنا؟ لأننا ببساطة لا ندركها وحتى إذا أدركناها لا نعترف بها، ولماذا لا نعترف بها؟

لأن من يعترف بخطئه عليه أن يتحمل مسؤولية التصحيح بما يتطلبه من صدق، وعقلانية، وشجاعة، وجهد، وتضحيات، وتنازلات، وهو ما لا يحتمله ويمتلكه كثير منا.

نظرية المؤامرة والتبرير

عدم الإقرار بالخطأ وراء أغلب مشكلاتنا ومآسينا على الصعيد الفردي أو الجماعي، ومن يقرأ تاريخنا يجده مليئا بالمبررات والتفسيرات المغلوطة، فنظرية المؤامرة بكل ألوانها تحتل جزءا كبيرا من مبررات عثراتنا وهزائمنا، لأننا بمجرد الإدعاء بالمؤامرة نعفي أنفسنا من المسؤوليات بأسهل الطرق ونرتاح، وإذا لم تكن هناك مؤامرة يجري البحث عن أسباب وعوامل غير موضوعية تهدف فقط إلى تعطيل الفكر، وإلجام الأفواه.

البيئة المحيطة بنا

عندما نأتي إلى موضوع الاعتراف بالخطأ على المستوى الشخصي نجد وجهات نظر مختلفة، فمنهم من يرى أنه ليس من السهل أن يقرر شخص ما هو الخطأ الذي ارتكبه الآخر أو ما يمثل جانبا من شخصيته أو نمط تفكيره، فقد تكون لدى البعض حساسية أو مفاهيم مختلفة حيال أشخاص أو تصرفات أو آراء ليست بالضرورة أخطاء أو عيوبا.

ومع ذلك يجدر بالشخص أن يأخذها بالاعتبار عند التعامل معهم، وهناك من يرى أن شعور البعض بالنَّصر والزهو أمام من يقر بخطئه يؤذيه وربما يجعله يتردد بالاعتراف، وقد يقر به سرًّا ويجدُ حرجا في العلن، أو يعترف به من حين لآخر.

ما أن الكبرياء والشعور بالأنا أو الخوف من العواقب وإفساد العلاقات تمنع الإنسان من أن يقر بالخطأ.

لذلك فإن النضج والقدرة على تحليل الأمور وتقييم الذات بواقعية تجعل الإنسان أكثر تقبلا لخطئه، وميلا إلى تصحيحه، وهذا يجعلنا نربط بين التربية والبيئة التي تتشكل فيها الشخصية، وبين موضوعنا، فالبيئة التي يتوفر فيها الأمان النفسي والتعليم والثقافة والقيم الأخلاقية والقدوة الصالحة تنتج أبناء متوازنين واثقين من أنفسهم، لديهم الشجاعة والقدرة على قول الحق والاعتذارعن الخطأ، لأن الإنسان بحسه الفطري يعرف الصح من الخطأ، وتأثير البيئة الإيجابي أو السلبي يدعم أو يقلل من هذا الحس.

"يستحيلُ أن ينجح مدير لا يملك الجرأة ليعترف أنّ أي خطأ يقع ضمن حدود صلاحياته هو خطؤه بالدرجة الأولى"

ثمَّ إن هناك مجتمعات متحضرة لديها إحساس عال بالمسؤولية تجاه الأخطاء لذلك تسود فيها ثقافة الاعتذار، بينما نجد مجتمعات أخرى أقرب إلى الاستهتار بالأخطاء والتهرب منها كحال مجتمعاتنا العربية رغم كثرة الآيات الكريمة والأحاديث التي تتحدث عن التوبة والتراجع عن الخطأ!

وحده العربيّ ملكاً كان، رئيساً، وزيراً، زوجاً، في الجامعة، والمدرسة، والمستشفى، والشركة، والمصنع، والورشة، يبحث عن سبب المشاكل في كلّ مكان إلا في نفسه! دوماً يبحثُ عن مشجب يُعلّق عليه فشله، فإذا نجح اختال كالطاوس فهذا النجاح نجاحه، وإذا فشل فحتماً هو خطأ الذين يعملون تحت إمرته!

منذ سنواتٍ نظّمتْ إحدى جامعات بلجيكا، إن لم تخني الذاكرة، رحلةً لطلابها، وأثناء الرّحلة قام أحد الطلاب بقتل بطّة، فاستقال وزير التعليم! وعندما سألوه عن علاقته بمقتل البطة حتى يستقيل، قال: "أنا مسؤول عن نظام تعليمي أحد أهدافه أن ينتج مواطنين يحترمون حقّ الحياة لكلّ المخلوقات، وبما أنّ هذا الهدف لم يتحقق فأنا المسؤول!" 

لو حدثتْ هذه القصة في بلادنا، سيُوبّخ وزير التعليم مدير الجامعة، وسيوبّخ مدير الجامعة المعلم، وسيوبخ المعلم التلميذ، وسيوبخ التلميذ البطّة! هذه هي عقليتنا الإدارية باختصار : تحميل أسباب الفشل لمن هم تحت إمرتنا ، فلا أحد يجرؤ أن يعترف أن نصيبه من الفشل هو بمقدار نصيبه من المسؤولية!

من المسؤول؟

يستحيلُ أن ينجح مدير لا يملك الجرأة ليعترف أنّ أي خطأ يقع ضمن حدود صلاحياته هو خطؤه بالدرجة الأولى ! أحد أسباب نجاح عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إدارة أمة كاملة هو امتلاكه لجرأة أن يلوم نفسه قبل أن يلوم عمّاله على أي خطأ يقع! وهو القائل: لو أنّ دابة عثرتْ عند شاطئ الفرات، لخشيتُ أن يسألني الله لِمَ لَمْ تُصلح لها الطريق يا عمر؟! هو في المدينة وهي دابة في العراق، ولو تعثرتْ فهذه مسؤوليته قبل أن تكون مسؤولية عامله على العراق! 

هزيمة جيش ما هي فشل الجنرالات قبل أن تكون فشل الجنود، وسوء شبكة الطرق هي فشل وزير المواصلات قبل أن تكون فشل البلدية، وسوء أحوال المستشفيات هي فشل وزير الصحة قبل أن يكون فشل الأطباء والممرضين، والفشل الأكبر طبعاً هو فشل من جعلهم وزراء!

وعلى صعيد أصغر هذه كتلك ! فإذا تردتْ أحوال البيت على الزوج أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب زوجته وأولاده، وعندما تتردى أحوال مدرسة على المدير أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب معلميه وطلابه، وعندما يتردى حال مصنع على مديره أن يحاسب نفسه قبل أن يُحاسب عماله ، وعندما تتردى حال ورشة على مديرها أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب مستخدميه ، لأنّ المؤسسات أجساد والمدراء رؤوس، وإنه لا يستقيم جسد ما لم يستقِمْ رأسه.

من هنا يمكن أن نفهم ما وراء نكساتنا عبر التاريخ، حيث الخوف والجبن من مواجهة الحقيقة وتحمل المسؤولية، والبحث عن مشاجب لتعليق الأخطاء والخطايا عليها.

المصادر: الرياض / مقال لأدهم شرقاوي بعنوان "متلازمة المدير العربي" / الإصلاح الإخباري