ملخص سريع لكتاب "فقه السيرة" للشيخ محمد الغزالي

الوثنية تسود الحضارات القديمة

ملخص سريع لكتاب "فقه السيرة" للشيخ محمد الغزالي

بعد أن طغت الوثنية على العالم، ونسيان معظم البشرية رسالة المسيح عليه السلام، ابتعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم. وتمتاز بعثة محمد بأنها عامة ودائمة.

لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم إمامًا لقبيل من الناس صلحوا بصلاحه، فلما انتهى ذهبوا معه في خبر كان، بل كان قوة من الخير، لها في عالم المعاني ما لاكتشاف البخار والكهرباء في عالم المادة. 

إن الله عزوجل لم يبعث محمد ليجمع حول اسمه أناسا – قلوا أو كثروا- إنما بعث صلة بين الخلق والحق الذي يصح به وجودهم والنور الذي يبصرون به غايتهم.

العرب حين البعثة

فقد كان اهل مكة ضعاف التفكير أقوياء الشهوات:

إن عرام الشهوات الذي نسمع عنه في "باريس" و"هوليوود" لا يزيد كثيرا عما وعته القرون الخالية من مفاسد الإنسان على ظهر الأرض.

وتقدم الحضارة لا أثر له من هذه الناحية إلا في زيادة وسائل الإغراء فحسب. أما الشهوات فهي نفسها من قبل الطفان ومن بعده الأثرة والجشع والرياء والتهارش والحقد، وغير ذلك من ذميم الخصال، ملأت الدنيا من قديم، وإن تغيرت الأزياء التي ظهرت بها على مر العصور. 

إن الإسلام من الناحية العقلية معرفة للحقيقة، ومن الناحية العاطفية حب لها وإعزاز، وكراهية للباطل وعداء صريح.

إن هناك أناسا في مشاعرهم برودة يلقون بها الرأي وضده ! وقد يتصور هذا في بعض المسائل التافهة.

إن الله علم رسوله الكتاب والإيمان، فكان من عرفان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الفضل الإلهي أن غالى بإيمانه واعتز بقرآنه، فعاش بهما وعاش لهما، وخاصم وسالم فيهما وطالما تمنى عداته أن يركن غليهم شيئا قليلا، ولكن هيهات !.

والأمة الجديرة بالانتماء إليه هي الأمة التي تناضل على الحق فلا تسمح بانتقاص له ولا حيف عليه، ومن خصائصها أنها أمة فكرة ومنهاج، يقوم كيانها المادي والأدبي على ما تبذل في ذلك من جهد وتثمر من نتاج.

والمطالع لسيرة محمد بن عبد الله يرى من طبيعة حياته الخاصة صلابة المعدن الذي صيغ منه بدنه صياغة أعجزت العمالقة، وأمكنت صاحبه من ان يحمل أعباء الحياة ومشاق الجهاد، ولأواء العيش وهو منتصب مقدام.

وقد كان محمد عليه الصلاة والسلام من هذه الناحية –بشرا كاملا-، وكانت حياته متسقة مع سنن الله الكونية. أما حياته العامة، رسولا يبلغ عن الله ويربي المؤمنين، ويقاوم الكافرين، ويدأب على نشر دعوته حتى تؤتى ثمارها في الآفاق – فلا شك في أن القرآن العزيز هو مهادها وبناؤها.

ومع أن القرآن كتاب معجز، إلا أنه يقوم على إيقاظ المواهب العليا في الإنسان، فهو أشبه بالأحداث الجليلة التي تعض لك فتحملك على التفكير بأصالة وبصر، ومن ثم فهو كتاب إنساني يعين الوعي العام على النضج والسداد.. (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)).

ومن المحققين من يرى أن القرآن هو المعجزة الفريدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يلحظون في هذا الحكم التعريف اللفظي للمعجزة من أنها خارق للعادة مقرون بالتحدي، ولم يعرف هذا التحدي إلا بالقرآن.

ما كان محمد عليه الصلاة والسلام رجل خيال يتيه في مذاهبه ثم يبني حياته ودعوته على الخرافة. بل كان رجل حقائق يبصر بعيدها كما يبصر قريبها. فإن أراد شيئا هيأ له أسبابه وبذل في تهيئتها – على ضوء الواقع المر- أقصى ما في طافته من حذر وجهد.

إن محمدا وصحبه تعلموا وعلموا، وخاصموا وسالموا، وانتصروا وانهزموا، ومدوا شعاع دعوتهم إلى الآفاق، وهم على كل شبر من الأرض يكافحون. لم ينخرم لهم قانون من قوانين الأرض، ولم تلن لهم سنة من سنن الحياة، بل إنهم تعبوا أكثر مما تعب أعداؤهم، وحملوا المغارم الباهظة في سبيل ربهم، فكانوا في ميدان تنازع البقاء أولى بالرسوخ والتمكين.

وقد لقنهم الله عزوجل هذه الدروس الحازمة حتى لا يتوقعوا محاباة من القدر في أي صدام، وإن كانوا أحصف رايا من ان يتوقعوا هذا.

وكان محمد صلى الله عليه وسلم خبيرا بالنفوس ومعادنها، والدنيا وأطوارها، والزمان وتقلبه، والأديان الأولى وما عانت وعانى رجالها وهم يشقون طريقهم في الحياة وعقول الأنبياء من ورائها فطرة مجلوة، وإلهام لماح، وأسلوبها يقوم على ترقية الفطر وتفتيق الالباب؟ !

إن هذا يجعله أشد الناس تقديرا للواقع وانتظارا لما يفد به، لذلك كثر كلام الرسول عن الفتن، وليس القصد الإخبار عنها، بل التحذير منها: 

تحدث عن الفتن التي تلحق الأشخاص من اختلاف أفكارهم وتنافر أمزجتهم، وتحدث عن الفتن التي تصيب القلوب من إقبال الدنيا والتحاسد عليها .. وتحدث عن الفتن التي تصيب الأمة بعد أن يثوب الكفر من هو الهزائم التي مني بها. ويتماسك مرة أخرى بعد أن انحلت عراه. فكان أن خوف أصحابه من ذلك كله في أحاديث يطول سردها.

إلامَ يدعو الناس؟

شرع محمد صلى الله عليه وسلم يكلم الناس في الإسلام ويعرض عليهم الأخذ بهذا الدين الذي أرسله الله به.

وسور القرآن الذي نزل بمكة تبين العقائد والأعمال التي كلف الله بها عباده وأوصى رسوله أن يتعهد قيامها ونماءها في:

- الوحدانية المطلقة

- الدار الآخرة

- تزكية النفس

- حفظ كيان الجماعة المسلمة

وقد مضى المسلمون في نشر الدعوة داخل الجزيرة العربية على أساس العدل. ومنذ أمضوا عهد الحديبية، وهم دائمون على البلاغ والتبصرة، ولذلك نجحوا نجاحا ملحوظا، فدخلت قبائل كثيرة في عهدهم، على حين انصرفت جموع الأعراب عن قريش، فلم يدخل في عهدهم أحد. وسير الأمور في هذا الاتجاه كان التمهيد الفعال لغلبة الإسلام، ثم لفتح مكة نفسها فيما بعد.

والدعوة إلى الإسلام داخل الجزيرة لم تشغل النبي عن حق آخر من حقوق الله عليه، وهو إعلام الناس كافة، بما آتاه الله من بينات.

فليرفع السراج إلى أعلى لتصل أشعته الهادية إلى مواطن أبعد، مواطن غرقت في الظلام دهرا.

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (19))