كيف تجد نفسك الحقيقة وطريقك وسط الضجيج الإعلامي الكبير

تصِلني العديد من الرسائل لأشخاصٍ يسألون عن كيفية تنظيم وقتي، وكيف أوفق بين مجالات حياتي خاصة في خِضَم الضجيج الإعلامي والإخباري، وكيف أجد وقتا للكتابة والقراءة بشكلٍ يومي وعدم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على التزامي وخاصة الفيسبوك.

كيف تجد نفسك الحقيقة وطريقك وسط الضجيج الإعلامي الكبير



العديد من الناس يشتَكون من غزوِ وسائل الإعلام لكافةِ أوقاتهم، حتى لا يكادُون يجدُون وقتا لانجازِ المهام، أوالاهتمام بالعائلة ومُمارسَة الهوايات وغير ذلك.

أصبَحَت وسائِل الإعلام والتكنولوجيا والضوضاء الإجمالية في العالم قويَّة بشكلٍ لا يصدَّق. إذا لم تكن واعيًا، فسوف يمتصُّك هذا الضجيج. سوف يربِكُك ويمنعك من عيشِ اللّحظة الحالية.

هذا المساء، كنت في صالة الألعاب الرياضية ولاحظتُ أن نِصف الأشخاص يحدِّقون في هواتِفِهم لفترةٍ طويلة من الوقت.!

- هل أنت في الصالة الرياضية؟
- هل تعمل؟
- هل أنت في البيت مع عائلتك؟
أو هل تشتِّت انتباهك التكنولوجيا الخاصة بك؟

نظرًا لمُناخ وسائل الإعلام الصّعب، بالإضافة إلى التَّسويق المستهجف المُتاح من خلالِ وسائل التواصل الاجتماعي، والإدمان الشبيه بالكوكايين لدينا نحو هواتفنا الذكية - قد يكون من الصَّعب للغاية أن تكون هادفًا ومركّزًا وسعيدًا في حياتِك.

إذا لم تقم بإنشاء بيئتك الخاصّة والتحكُّم فيها، فسوف تشتِّت انتباهك في أفضل الأحوال. على الأرجح، ستكون ضعيفًا ومُنهزمًا. ستصبح متشائمًا. سوف يُظلِم الأمل جرّاءَ الضجيج والارتباك من حولك.

ومن المُثير للاهتمام أنَّ كلّ هذا يحدث في نفس الوقت الذي أصبحت فيه "الفُرصُ" متوفّرة أكثر من أيّ وقت مضى. 

فقد أصبحت القُدرة على أداء عملٍ عميق نادرة بشكلٍ متزايد في نفسِ الوقت الذي أصبحت فيه ذات قيمة متزايدة في عالمِنا. ونتيجةً لذلك، سيزدهرُ عدد قليل من الذين يستطيعون غَرسَ هذه المهارة، ثم يجعلونها جوهر حياتِهم العملية.

العمل العميق يحرِّكه الغَرَض. ولا يحدث عن طريقِ الصُّدفة.

وفي ما يلي بعض نتائِج استخدام الهواتف الذَّكية (والتكنولوجيا) غير الصحيَّة:

- زيادة الاكتئاب والقلق
- انخفاض جودة النوم
- انخفاض الرَّفاهية النفسية والعاطفية
- انخفاض الذكاء العاطفي 
- زيادة الضَّغط والتوتر(الذي يقلّل من الرضا عن الحياة).

سأعرضُ في الجزء المتبقِّي من هذه المقالة المبادئ الرئيسية للتعامل مع الوضع الإعلامي الذي أصبح عالمنا الحالي. ولكي أكون واضحًا تمامًا، فإنَّ هذه المقالة ليست مُعادية للتكنولوجيا.

إنَّ ما يحتَاجُهُ الإنسانُ في الواقع ليس حالة توتر، بل بالأَحرى يحتاجُ السَّعي والكفاح من أجل هدفٍ جدير، ومهمَّة يتمُّ اختيارها بحُرِّيَة. 

دون أن يكون لديك إحساسٌ واضح "بالهدف" لحياتك، فإنَّ واقِعك الحالي سيكون مشتِّتًا ومربكًا. ومع ذلك، مع تشابُك الظًُّروف، تصبح الحاجة إلى "غرضٍ" أكثر أهمية من قبل.

ففي اللَّحظة التي يفقدُ فيها الإنسانُ الأملَ بمستقبلِه، يُصبح الحاضِر بلا معنى بالنّسبة له ولا يُطاق.

تكمُن المشكلة بالنِّسبة لمعظم الناس في أنهم غير واضِحين بشأن "أهدافهم وأغراضِهم".

"غرضك" ببساطة هو الكفاح والنضال من أجل هدفٍ ذو قيمة، مهمَّة يتم اختيارها بحرية. "غرضك" ليسَ غامضًا، بل إنَّه مشروعٌ ملمُوس ومهمَّة مختارة.
مثلا، الحُصُول على شهادة جامعية يمكن أن يكون هدفا قويا، بدء نشاطِك التجاري، أن تكون والدًا جيدًّ، تأليف كتاب، خوض ماراثون...

- ما هي مهمتك المُختارة بحرَّيَة اليوم؟

- ما هو المشروع الذي تركّز عليه بنشاط لإعطاء معنى لحياتك وهدفك هنا والآن؟

إذا لم تكن تعمل بنشاط على إنشاء مستقبلٍ معيّن، فإنَّ حاضرك سيكون بلا معنى وسيكون مشتَّتا تماماً. أنت بحاجة إلى "نفسٍ مستقبلية" واضح لاتخاذ قرارات جيدة هنا والآن. أنت بحاجة إلى "نفسٍ مستقبلية" واضح للانخراط في ممارسة متعمَّدة بعيداً عن تأثيرِ الإعلام. وتحتاج إلى "نفسٍ مستقبلية" واضحَة لتحفيزك.

أنت بحاجةٍ إلى الأمل. الأملُ حاجة إنسانية أساسية. تظهر الأبحاث أنه بدون أمل، فإنَّ فرصك للتغلب على التحديات ستكُون ضئيلة. الأشخاصُ الجريئون هم الذين يدفعون أنفُسهُم من خلال التحدّيات والمصاعب لخلق نتائج إيجابية في حياتهم وفي حياة الآخرين.

- هل أنت شجاع؟
- هل لديك لأمل؟
- ما هو غرضك؟

ما لم يكن لديك هدفٌ واضح، فلن تكون قادرًا على التعامل مع الهجوم الإعلامي بشكلٍ صحيح.

إنَّ تركيز عقلك على الأشياء الخَاطئة أمرٌ مكلف للغاية، فنحنُ نفترض أنَّ المزيد من الخيارات يعني خياراتٍ أفضل ورضا أكبر.

 ومع ذلك، فإنّ الخيارات الزَّائدة تجعلُك تتساءلُ عن القرارات التي تتَّخذها حتى قبل أن تتخذها. تتركك الخياراتُ الزائدة الكثيرة في حالة دائمة من الخوف والتَّشكيك في القراراتِ التي اتخذتها.

هذا يضعُك في حالة من التوتر المستمرّ، ويشعرُك دائمًا بالتقصير، وتتساءل دائمًا عما كان يمكن أن يكون. إذا كنت جادًا بشأن تحقيق الأهداف والمضي قصدًا في حياتك ، فيجب أن تخلق بيئة تحميك من معظم أنحاء العالم.

إنَّ وسائل الإعلام اليوم عبارة عن مخدِّر، والأخبار السّلبية هي المخدّر الرئيسي.

عليك خلق بيئةٍ لحماية نفسك من الإلهاءات وسلبية وسائل الإعلام الإخبارية، مع البقاء على اطلاعٍ على الموضوعات التي تهتمُّ بها من خلال البحثِ الدقيق والمتعمَّد.

يتطلب أن تكون شخصًا مبدعًا وناجحًا "جهلاً انتقائيًا".

فمثلا، لقد توقَّفتُ عن قراءةِ التعليقات حول كتبي لأني بشكل انتقائي أركّز عل ما يقوله المتصيدون، وأنا أفضل حالًا نتيجةً لذلك. أنت لا تحتاج إلى كل الهُراء الذي يُربك هويتك وهدفك.

الجهل الانتقائي ليس تجنُّب التعلم. ليس تجنّب الحصول على ملاحظات. إنه ببساطة ذكاء، أن تعرف ما يجبُ تجنُّبه.

    "إذا لم نقم بإنشاء بيئتنا والتحكم فيها، فإن بيئتنا تخلقنا وتتحكم فيها." - مارشال جولدسميث

من أجل الحُصُول على الوضوح ، تحتاج إلى وقتٍ كل يوم للتأمل والتفكير. 

أنت بحاجة إلى "بيئة مقدسة" خالية من الضوضاء والارتباك حيث يمكنك التواصل مع نفسك.

بالنسبة لي، "بيئتي المقدَّسة" هي بيتِي وقرآني وكتُبي. منزلي مكانٌ عظيم حيث يمكنني التواصل مع أكثر ما يهمُّني. فأنا في بعض الأحيانِ أحتاج إلى مكان هادئ للتفكير واتخاذ القرارات. لذلك، أفضّل الخلوة في بيتي أو الخُروج إلى الطبيعة إلى مكانٍ هادئ قُرب بيتي. مع تركِ هاتفي بعيداً عني أو جعله في وضع الطائرة.

الهدف هو التفكير في ما يجري. الحقيقة هي أنَّنا نمرُّ بالكثير في العالم الآن. تتيحُ لك الكتابة حول ما تمر به معالجة مشاعرك وتنظيمِها بشكلٍ أفضل.

أنت بحاجة إلى بيئة مقدَّسة للحصول على الوضوح واتخاذِ القرارات. إذا كنت ستعيش حياةً فعَّالة، فأنت بحاجةٍ إلى اتخاذ قراراتٍ فعَّالة. 

البيئة مقدَّسة تتيحُ لك الحصول على الوُضُوح وراحة البال أثناء مُعالجة الحياة واتخاذ القرارات.

إنَّ تصفّح وسائل التواصل الإجتماعي السلبية قبل النوم مباشرة سيؤثِّر سلبًا على نومِك. إن النظر إلى بريدك الإلكتروني أوّل شيء في الصباح سوف يمنعُك من الدخول في حالة التدفق الإيجابي.

وبعبارةٍ أخرى، عندما تتعامل مع مَسائل إعلامية معيّنة دائماً، فتلك المسائل سيكُون لها تأثيرٌ دائم على عقليتك.

إذا كنت تريد أن تكون حاضرًا وواعياً في ما تفعله، فكن على درايةٍ بما تفعله قبل الأداء مهما كان هذا الأداء. مثلا، قبل العودة إلى المنزل من العمل مُباشرةً، لا تفتح وسائل التواصُل الاجتماعي لأنّك إذا فعلت ذلك، ستُكافح من أجل أن تكون حاضراً ومركِّزاً على زوجتِك وأطفالك عندما تَصل إلى المنزل.

إذا اخترت التعامل مع مسائل معينة، فقم بذلك عن عمد. افعل ذلك في الوقت المناسب حتى لا تحطم الأداء الرئيسي في المجالات المهمَّة من حياتك.