هذا هو أسهل طريق للنجاح !

كلّنا نريد النّجاح، ولكن لو سألت أيّ شخصٍ حول أسهلِ طريقٍ للنّجاح، لتعدّدت الإجاباتُ، مثل الجدِّية في العمل وبذل الجهد، والمثابرة، والالتزام بمتابعة الأهداف.. وغير ذلك.

أسهل طريق للنجاح



في الحَقيقة هي إجاباتٌ صحيحَة نوعاً ما، ولكن بالنّسبة لي هذه كلّها إجاباتٌ غير دقيقة، أو بالأحرى منبعُها شيءٌ واحد فقط، وهو الخُروج من منطقة الرّاحة الخاصة بك. باختصار منطِقة الراحة هي المنطقة التي تشعُر فيها بالرَّاحة فعلا، بعيدًا عن التوتر، والضَّغط النفسي، والنَّقد، أي أن تعيش مرتاح البال بشكلٍ روتيني، ولا تزعج نفسك بفعل شيء يعكّر صفو حياتك الجامِدة الخامِلة.

فقط.. أزعِج نفسك

إنَّ تعلّم مهارة جديدة، أو كسر عادة ما، أو تجربةِ شيءٍ جديد، أو المُخاطرة في مشروعٍ معيّن، أو إجراء علاقاتٍ جديدة، أو وضع نفسك في موقفٍ جديد تمامًا، لن يكون أمرًا سهلاً، لكنّه يستحقُّ التجربة. إنّه مرهق ولكنه مجْزٍ. فالرَّاحة يمكن أن تؤدِّي إلى امتصاص الذات، والملَل، والسّخط. وإذا كان كلّ شيء جيدًا جدًا في حياتك، فمن المُحتمل أن تكون عالقًا حلقة مُفرغة، وأنّك لا تفعلُ شيئًا ذو قيمة.

إنَّ كسر القالب الخاص بك يمكنُ أن يجعلَكَ أقوى وأكثر ثِقة للوُصُول إلى مستويات أعلَى في حياتك المِهنية والشخصية. ولفعلِ ذلك، عليك أن تُعانق الانزعاج. سيكون الانتقال من حالة إلى حالةٍ أخرى غير مُريح وربما مُخيف، لكنّ هذه الخطوة وحدها يُمكن أن تدفَعك إلى أبعد ممَّا تتخيل بكثير. الانزعاج اليومي (وأنا أقصد بالانزعاج هنا عدم الراحة خاصّة عندما تتذكّر أهدافك) هو عاملٌ مُساعد للنمو، حيثُ يجعلُك تتُوق لشيءٍ أكبر. كما أنّه يفرض عليكَ التّغيير والتكيُّف. إذاً، هنا يكمُن سرّ النّجاح، فقط ابحث عن الانزعاج. تعمّد القيام بأشياء تدفعك خارج حُدُودك. فالصُّعوبة تساعدُك على النُّمو.

توقف عن تجنّب ما هو صعب

إذا كنت تدفع نفسك حقًا إلى التحسُّن - بأي صفة كانت - فأنت غير مُرتاح. توقّف عن تجنّب الصُّعوبات والتعلم السّهل (كالتسجيل في الدورات التعليمية والاعتماد عليها وحدها دون تطبيق، أو التركيز على الأشياء التي ليس من شأنِها أن تجعلك تغيِّر برنامج يومِك، أو تضحّي بأشياء من روتينك اليومي..)، لأنّها لن يأخذك إلى أيّ مكان. صحيح ربما تنجز ما ينجزه الآخرون بالفعل، يعني يمكنك أن تكون ناجِحا عاديًا، بينما التركيز على العملِ خارج منطقة راحتك تماما يفتح لك عوالم أخرى لم تتخيلها أبدا.

ولو تأملنا في أكثر الأشخاص عبقرية في التاريخ، نجد أنهم لم يفعلوا شيئا خارقاً غير أنَّهم حرصوا على البقاء خارج منطقة الراحة قدرَ المستطاع، وما يدعمُ طَرحي هذا ربما مقولة أينشتاين الشهيرة: "لا يتعلَّق الأمر بكوني ذكياً، أنا فقط أتوقف عند المشاكل لفترة أطول"، يعني مشاكل لفترة أطول تُساوي عدم الراحة أكثر. وهذا توماس إديسون يقول لنا: "العبقرية عبارة عن واحد بالمِئة إلهام و99 بالمئة بذل مجهود"، وكأنه يريد أن يقول لنا، إذا أراد شخصٌ ما أن يكون عبقريا أو منجِزا عظيما، فيجب أن تكون 99 بالمائة من حياته في حالة بذل مجهود /عدم الراحة/ انزعاج. 

الخروج من منطقة الراحة الخاصة بك من وقتٍ لآخر يتحدَّى مهاراتك العقلية. يعمل الأشخاص النَّشطين عقلياً باستمرار على بناء شبكاتٍ كثيفة من الرَّوابط بين خلايا الدِّماغ. يسمِّي العلماء ذلك "الاحتياطي المعرفي". إنَّ الاستمرار في تعلُّم أشياء جديدة يبني هذه الروابط ويحافظ عليها. المهام الصَّعبة عقليا لها تأثيرٌ أكبر على صحَّة دماغك. كن منفتحًا على التجارب الجديدة التي تجعلُك ترى العالم وتفعل الأشياء بطريقةٍ مختلفة.

يمكن أن يكون عدم الرّاحة هو المفتاح المُمتع الذي يفتح كلّ شيء لك. والذي يمكِّنُك من التغلُّب على المماطلة، وبدء عادة جديدة، وتعلّم لغة جديدة، واستكشاف أشياء جديدة، والتحدث أمام الجمهُور بكلّ بثِقة. إذا مارسْتَ عدم الرّاحة بما يكفي، مع أنشطةٍ مُختلفة، فسوف تتوسَّع منطقة الراحة الخاصّة بك لتشمُل عدم الراحة. وبعد ذلك يُمكنك السيطرة على قالبِك الشّخصي.

فكِّر في الأمر. كم من الأشياء كانت غير مريحة بالنِّسبة لك والتي تقبَّلها الآن دون صُعوبة؟ لسُوء الحظّ، يتجنَّب الكثير من الناس عدم الرّاحة رغم أنّ من أهدافهم تغيير أنفسهم للأفضل والسّعي نحو حياة أكثر إنجازا وتقديراً. إنّهم يفعلون كلّ ما في وِسعهم لتجنُّب ذلك. فهم مرتاحون للغاية بحيث لا يتمّ إزعاجهم لإحداثِ تغيير أو تحسِين حياتهم. ربما يكون هذا أكبر عامل مقيد لمُعظم الناس، ولهذا السَّبب لا يُمكنك تغيير نفسك أو عاداتك أو أيّ شيءٍ آخر. تعامل مع الخوف الذي منعك من عيش حياةٍ أفضل. يقول روجر كروفورد: "إنَّ التحدي في الحياة أمرٌ لا مفرّ منه، ولكن الهزيمة أمرٌ اختياري".

وهنا أودّ أن أُشارككم بعض النَّصائح البسيطة التي يمكن الاستعانة بها للخروج من منطقة، وهي عبارة عن نصائِح شخصية، توصّلت إليها من خلال تجربتي البسيطة في إنشاء مؤسَّستي الخاصَّة التحفيزية حيثُ يرى الجميع من حولي النتيجة، ولكن لا يرون ما سبق ذلك من انزعاج وعيشٍ خارج منطقة الراحة:

1- آمن فيما تفعله بشدّة
في الماضي القديم كنت مهووسا بكلام المتحدثين العالميين حول النجاح، أمثال ديل كارنيجي، وستيفن كوفي، أنتوني روبنز.. وغيرهم، ولكن في الحقيقة من عجيب ما قرأت للإمام حسن البنا رحمة الله عليه حينما قال: "إنما تنجح الفكرة إذا قوي الايمان بها، وتوفّر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها". فقد وجدتها عبارة لخّصت العديد من الأقوال والمحاضرات الغربية.

2- لا تقل لوحدي أو كيف السبيل
في الحقيقة، لم أتخيل يوما أني سأصل إلى ما وصلت إليه بفضل الله، ولا يزال الطريق طويلاً فعلا، ولكن ما أتذكّره هو أنه بدأت في مشاريعي عندما كنت طالبا في الجامعة، ولا أملك رأس مالٍ كبير، أو علاقات رفيعة، ولكن كل ما كان متاحا لي هو الخروج من منطقة الراحة والانزعاج اليومي لتحقيق (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ).

3- اتّخذ كلّ الأسباب
وهذه النقطة تابعة للنقطة السابقة، فأنت مهمتك ليست خلقَ النتائج، بل في خلقِ الأسباب، وخلقُ الأسباب يكون بعدم الرّاحة، فالنتائج ليست من شأنِك (على الأقل في البداية)، فقط ابذل كلّ ما تستطيع، وصدقني عندما أقول لك، كنت أسهر الليالي الطوال في التعلم (البرمجة، التسويق، المعاملات البنكية، المونتاج، التصميم..)، وعملت على مؤسستي لمدة تقريبا عامين بدون نتائج، وكم من مرّة شارفتُ على التوقف، كما أذكُر أنّي عرضت أفكاري لما يقارب 100 شخص، وربما استجاب 4 أو 5 فقط وقدَّموا لي المساعدة. 

4- لا تتحجّج بالظُّروف
أخي القارئ، صدقني، كلّ شخص لديه ظروفه الخاصَّة، ولو اطّلعت على ظروف غيرك لربما شكرت الله على ظروفك، فالكل معرّض لاختبارات العطاء، والمنع ولكن بنسبٍ متفاوتة، ويمكنني القول أنّ العظماء والمشاهير الذين تعرفهم هم أكثر الناس تغلبا على ظروفهم حتى نالوا ما يريدون. (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى? رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ).

5- لا يوجد نجاح بين عشية وضحاها
فالكثير منا يقع في فخّ الرغبة في الإنجاز بشكل سريع وينسى أنه لا يوجد شيءٌ عظيمٌ جاء فجأة من العدم، فكلّ إنجاز سبقته مراحل كثيرة من الانزعاج، وعدم الراحة، والتعب، والإعداد، فعليك بالصبر، ثم الصبر ثم الصبر.

وأخيرا إذا كنت جادًا في تحسِين نفسك مستقبلاً، اعتد على أن تكون غير مرتاح. فالراحة يمكن أن تدمِّر حياتك. فقط في حالةٍ من عدم الراحة يمكنك النُّمو باستمرار وتحقيق أكبرِ إمكاناتك. يمكنُك إما أن تكون مرتاحا وراكدًا - أو تتصبح غير مرتاحٍ وتنمو. الاختيار لك.

هذا المقال نشرته لأول مرة على الجزيرة، للاطلاع عليه هنــــا