أكبر واقعة احتيال إثارة للصّدمة في التاريخ !

إنها من أكبر وقائع الاحتيال إثارة للصّدمة في التاريخ .. قامت فكرة احتيال غريغور، بعد أن تصاعدت موجة هجرة الأوروبيين إلى الأمريكتين عقب اكتشافهما، وتصاعد حلم الأرض الجديدة، وأملاك يعيش عليها البشر لأول مرة، فيستفيدوا من نقائها، ويستغلوا ثرواتها، ويؤسسوا جذوراً جديدة لهم.

أكبر واقعة احتيال إثارة للصّدمة في التاريخ

في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1822، نشر غريغور ماكغريغور، وهو مواطن من اسكتلندا، إعلانا مدهشا، وقال فيه إنه ابن أحد الصرافين المحليين، وإنه أمير أرض "بويايز" على طول النهر الأسود في هندوراس.

وصوّر ماكغريغور منطقة "بويايز" بأنها أكبر من ويلز بقليل، وخصبة جدا ويمكن أن تنتج ثلاثة محاصيل من الذرة سنويا، وأن المياه فيها نقية ومنعشة يمكنها أن تطفئ أي قدر من الظمأ، وأن فيها كتلا من الذهب تمتد بطول مجاري الأنهار. وكانت الأشجار فيها تعج بالفاكهة، وتكتظ الغابات بالطرائد.

وقد رسم ماكغريغور لوحة لحياة جديدة تشبه جنات عدن، وكانت الصورة التي رسمها نقيضا تماما لاسكتلندا المظلمة الماطرة ذات التربة الصخرية.

وقال إن ما تفتقر له أرض "بويايز" هم المستوطنون والمستثمرون الراغبون في تطوير مواردها والاستفادة منها على أكمل وجه. في ذلك الوقت، كانت الاستثمارات في أمريكا الوسطى والجنوبية تكتسب شعبية، وبدت بويايز عرضا جذابا بشكل خاص.

أكبر واقعة احتيال إثارة للصّدمة في التاريخ

لم يكن لاسكتلندا يوما أي مستعمرات خاصة بها. ألا يمكن أن تكون "بويايز" ركنا جديدا في ذلك العالم يمكن أن تستغله اسكتلندا بشكل خاص؟

هل كنت ستقع في فخ عملية الاحتيال هذه التي ابتكرها ماكغريغور؟ لقد كان الرجل خبير مبيعات، وعندما تفكر في الأسس النفسية وراء البراعة التي استخدمها في الخداع، فلا عجب أن العديد من الناس خدع فعلا بتلك الأرض الوهمية.

أدرك المحتالون منذ زمن بعيد أن الإقناع يجب أن يجذب جانبين معينين من الحوافز البشرية، المحرك الذي يدفع الناس لفعل شيء ما، والجمود الذي يمنعهم من الإقدام على فعل ذلك الشيء.

كيف تمكّن ماكغريغُور من تنفيذِ حيلته ؟

أكبر واقعة احتيال إثارة للصّدمة في التاريخ

حسب قول توري هيغنز، عالم النفس في جامعة كولومبيا، فإن الناس عادة ينجرفون إلى أحد طريقين تحفيزيين على الأرجح: فبعضهم ينصب تركيزه على التقدم (عندما يفكر في المكاسب الإيجابية المحتملة)، والبعض ينصب تركيزه على الوقاية ( عندما يركز على الخسائر وتجنب الأخطاء).

ومع ذلك، فإن نهجا يوحد بين طريقتي "الألفا" و"الأوميغا" يجتذب العقليتين، ويعطيه جاذبية عالمية، ومن السهل معرفة كيف قدم عرض ماكغريغور هذه التوليفة القوية.
على سبيل المثال، نشر ماكغريغور مقابلات في الصحف الوطنية روج فيها للامتيازات التي ستأتي من الاستثمار أو الاستيطان في بويايز. وسلط الضوء على الشجاعة والثبات الذين ستظهرهما هذه البادرة: لن تكون ذكيا وحسب؛ بل ستكون رجلا حقيقيا.

وكان سكان المرتفعات في اسكتلندا معروفين بجرأتهم وتمتعهم بروح المغامرة، وكتب يقول إن بويايز ستكون أرض الاختبار المطلقة، والتحديات، والهبات، وإنها ستكون كل ذلك معا. ووجه أولئك الذين كانوا بحاجة إلى إقناع أكثر لقراءة كتاب عن فضائل "الأمة-الجزيرة" الصغيرة من تأليف المجهول توماس سترينجويز (ماكغريغور نفسه هو المؤلف في الواقع).

وقد أغرت نشراته الجمهور من خلال وعودها البارعة، وما تتضمنه من إغراء بالفرص، والندرة، والتحذير من مغبة السماح بإضاعة هذه اللحظة المثالية.

وهذا المزيج من أسلوبي "ألفا" و"أوميغا" يمكن أن يفسر وحده بالفعل جاذبية فكرة ماكغريغور، ولكن هذا النهج المثالي يتضمن أيضا أساليب أخرى من المؤكد أنها ضاعفت من جاذبيته.

أكبر واقعة احتيال إثارة للصّدمة في التاريخ

وتأكيداً لقصته، امتد خيال غريغور الواسع إلى طبع عملات ورقية عليها شعار مدينة "بويايز"، كي يقنع الناس بأن هناك بلداً ولها عملتها الخاصة.

نجحَت تلك الأساليب تماما كما كان متوقعا. بل كانَت أكثرَ من ناجحة. فلم يجمع ماكريغور 200 ألف جنيه إسترليني مباشرة فحسب، فقد بلغت القيمة السوقية لسنداته 1.3 مليون أو 3.6 بليون هذه الأيام، بل أنه أقنع ما يوزاي سبع سفن محملة بالمستوطنين التواقين لشق طريقهم عبر المحيط الأطلسي.

وفي سبتمبر/أيلول عام 1822، ويناير/كانون الثاني عام 1823، توجهت أول سفينتين إلى الأرض الأسطورية تحملان حوالي 250 راكبا. وكان الناس عليهما سعداء، ففن البيع لدى ماكريغور لم يكن له مثيل.

ولكن بعد أقل من شهرين على وصول المستوطنين، وجدوا أن الواقع كان مغايرا بشكل صارخ للإغراءات التي احتوتها كتيبات ماكغريغور. لا موانئ، ولا تطوير، ولا أي شيء. كانت هناك فقط أرض قفر. بويايز لم تكن موجودة على الإطلاق. لقد كانت من نسج خيال ماكغريغور الخصب. كان قد جر المستثمرين والمستوطنين إلى منطقة مقفرة في هندوراس، وسرعان ما بدأ سر ذلك الاسكتلندي القوي يتكشف.

وبسبب سوء الحالة النفسية والأوضاع المعيشية في أرض بويايز مات ثلثا المسافرين بعد شهرين من وصولهم "أرض الجنة"، أما الثلث المتبقي أنقذته البحرية البريطانية على سبيل الصدفة، ففضح أمر غريغور وهرب على الفور إلى فرنسا ليستكمل الدعاية لأرضه الجديدة.

والمفاجأة أن أعداداً كبيرة من الفرنسيين اقتنعت بالفكرة وبدأوا في المطالبة بالهجرة إلى بويايز، الأمر الذي دفع المسؤولين الفرنسيين بفتح التحقيق لمعرفة البلد التي لم يسمع عنها أحد من قبل، وتم سجن غريغور على خلفية دعاية كاذبة.

وعقب خروج غريغور من السجن سافر إلى كاراكاس، ومات هناك عام 1845، وظلّت بويايز أرضاً قاحلة لم يقطنها أحد ولكنها أغلى أرض على الإطلاق.

المصدر: هنـــا