عقدة سندريلا .. لماذا لا تُبدع المرأة ؟

تدّعي المرأة دوما أن فشلها متعلق بالرجل، وأن ذكورية المجتمع هي التي لم تترك لها مجالا لتنجح.

عقدة سندريلا

إذا سلمنا بهذا فقد يكون هذا أحد أسباب نقص إنتاجيتها وانطوائها، غير أن هنالك أسبابا أخرى تعيقها متعلقة بها، كعجزها الداخلي عن رفع مستوى التحدي وعدم الاعتماد على نفسها وانتظارها الدائم لدعم الرجل لها، وأنها لا تستنفذ جميع الطرق للوصول إلى ما تريد.

اشتهرت المرأة بكثرة الكلام وافتعال المشكلات، وكثرة التسوق، وحبها للتزين الزائد عن الحد، وبعدها عن القراءة والمطالعة، وأنها كائن مستهلك صغير العقل مهامه الأساسية هي الحفاظ على النسل، وهذا ما وضعت شريحة كبيرة من النساء نفسها فيه، لأنها بالفعل تهتم بقضايا تؤكد المقولات الشائعة عنها، في حين أن عقلها يسمح لها بأن تهتم بقضايا مهمة، وأن تخوض التفكير فيها لأبعد الحدود.

تختلف طبيعة المرأة من واحدة إلى أخرى، فلكل ميولاتها وما ترغب في تحقيقه أو العيش فيه. هذا الاختلاف له عوامل عديدة: فمنها ما هو راجع إلى أعراف المجتمع أو اختلاف طريقة التربية باختلاف الأسر التي نشأت فيها، وقد نجد الاختلاف في الأسرة الواحدة.. فلكل واحدة تفكيرها والعوامل التي أثرت فيها، ومدى تجاوبها بإيجابية أو سلبية مع هذه العوامل.

بعض علماء النفس يذهبون إلى أبعد من ذلك، إذ يرون بأن هنالك معوقات نفسية قد تكونت فيها ترافقها دوما وتنقص من إنتاجيتها. ومن أبرز هذه المعوقات النفسية هي دور "سندريلا" التي تضع نفسها فيه.

عقدة سندريلا

عقدة سندريلا

عقدة سندريلا هي عقدة حديثة يُعتقد أنها تنتشر بين نساء هذا العصر، وُصِفت لأول مرة عام 1981 من قِبَل الكاتبة والمعاجلة النفسية الأمريكية كوليت داولينغ في كتابها (عقدة سندريلا: خوف النساء الخفي من من الاستقلال- The Cinderella Complex: Women's Hidden Fear of Independence) وهي بشكلٍ عام رغبة لاشعورية لدى الفتاة المصابة في أن تكون موضع الرِّعاية لدى الآخرين، ويُقال أن هذه العقدة تصبح أكثر وضوحًا كلَّما تقدَّمت المصابة في السن.

تتحدث هذه العقدة بشكلٍ أساسي عن الرغبة اللاشعورية التي تَنْتُج لدى المصابات في أن يكُنَّ موضع رعاية الآخرين، تبدأ هذه العقدة لديهن منذ الصغر، حيث تُبَرمج الفتاة على أنها دائمًا بحاجة لشخصٍ قوي يساعدها ويحميها، تُرَسَّخ هذه الفكرة بعدة عوامل، أبرزها (طريقة التربية)، تنشأ الفتاة بين والدين يلبيان كلَّ احتياجاتها مع تشجيعٍ منهما لفكرة أنها تحتاج دائمًا إلى واصٍ أو مسؤول عنها وأنَّ زوجها سيُلبِّي احتياجاتها من بعدهما،

آثارها

الآثار التي تحدَّثت عنها الكاتبة كوليت في كتاب عقدة سندريلا هي الأبرز، ومنها ما يلي:

- فقدان القدرة على الإبداع: حيث تشعر المصابات براحة حين يكنَّ مرؤوسات، أو حين يعرفن ما يجب القيام به بالضبط، ويظهرن توترًا وخوفًا من التصرف بشكل غير صحيح حين يكون المجال مفتوحًا أو حين يكنَّ الرئيسات.

- الافتقار إلى الثقة بالنفس وعدم الاعتراف بالقدرات: مثلًا حين تحلُّ المصابة مسألة رياضية معقدة فإنها غالبًا ستنسب ذلك إلى الحظ أو حتى الصدفة، أو تقول أن المسألة احتاجت جهدًا كبيرًا حتى وإن كانت قد حلَّتها بسهولة تقليلًا من قدرتها.

- عدم الثقة في قدرات بنات جنسهن: مثالًا على ذلك دراساتٌ أظهرت أنَّ المصابات يرفضن الاعتراف بالنساء كقائدات، فنجد بعضهنَّ يرينَ أن قيادة الرجل أفضل حتى وإن كانت على مجموعة كلها نساء.

- الخوف من النجاح: تُظهِر المصابة خوفًا من أن تكون مرفوضة من الناحية الاجتماعية، أو أن تفقد فرصة أن يتقدم لها من يخطبها أو يتزوجها ويكوّن معها أسرة نتيجةً لنجاحها.

إن أكبر معارك المرأة هي معركة الانفكاك من الوعي الزائف وعقدة سندريلا والشعور بالاكتفاء، ولا يكون هذا إلا بدخولها ساحة الحياة بخصوصياتها الأنثوية وتطلعاتها الخاصة لا التي رسمها لها دعاة التحرر الزائف أو المجتمع الذكوري". 

على المرأة أن تتعرف على ذاتها وتواجه نفسها أولا قبل أن تواجه العوامل الخارجية حتى لا تسمح لنفسها أن تنسب أخطاءها لغيرها.

الرسام الإسباني بيردل بوريل في لوحته "الهروب من الإطار" ينبهنا إلى أنه عندما نخرج من الإطار الذي صنعوه لنا سنندهش، وسنندم على كل لحظة عشناها فُرضتْ علينا بمُسمّى "الأُطر والتقاليد". "الهروب من الإطار" يبدأ بغربلة الأفكار التي تعلمناها وترسخت فينا، وكذا التقاليد الخاطئة التي ورثناها، الهروب من الإطار ليس معناه بأن تنعزل عن الحياة الاجتماعية أو ننعزل عن الفعل الاجتماعي المنظم، ولا أن تقف كالعدو وتشيطن كل ما هو حسن في أعرافنا وتربيتنا. 

يجب أن لا نقع في الفخ الذي ابتلي به أدعياء مدرسة الحداثة كأدونيس، فالمقصد هو عدم التقوقع داخل هذه الأطر إلى درجة رفعها إلى التعاليم المقدسة.. بل وجب إخضاعها إلى مقياس الواقع وتغيراته وما كان صالحا في السابق وفي ظروف معينة لا يجب أن يكون مرجعا علينا السير فيه وتطبيقه في الحاضر فلكل معطياته.

هل يجب أن تتساوى المرأة مع الرجل لتُبدع ؟

عقدة سندريلا

المرأة ليست كالرجل ولن تكون مثله. كلما تكلمنا عن المرأة العربية وعن حالها نجد أن الكل ينافح على رفع لافتة المساواة بينها وبين الرجل بدون أي تفكير في الاختلافات الواضحة جدا: سواء في الجسم كالقدرة على التحمل أو في أسلوب التفكير، وحتى في مستوى الاهتمامات. إن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة فكرة خاطئة تماما لأنها تضع الرجل هو المرجع وتضطر المرأة أن تكون "رجلا"، حتى تحقق انتصارها على المجتمع الذي أنهكها بظلمه وتبرهن لنفسها أنها تستطيع أن تجعل لنفسها قدسية كالرجل، وهذا خطأ وقعت فيه كثيرات. 

إن الأصل هو أن تعرف المرأة حقوقها وواجباتها كامرأة وليس كرجل، وأن تنزع من تفكيرها منافسة الرجل، عليها أن تنافس نفسها بوصولها إلى نجاحها كامرأة في مجال تتقنه هي وليس في مجال يتقنه هو، لكي لا تفقد خصوصيتها وأنوثتها، كما أن هنالك مجالا مشتركا بينهما... المبحث الذي يجب أن ندعو إليه لنرسخه في تربيتنا ومجتمعاتنا هو التكامل بين عمل المرأة والرجل. فمعادلة التكامل بين الرجل والمرأة لا غنى لنا عنها، وخاصة في عالم تعددت فيه مجالات العمل والتأثير.

على المرأة أن تدرك حجمها وأن تعرف أن بإمكانها أن تنجز الكثير، وأن هنالك ما ينتظرها لأنها وببساطة لم تخلق فقط من أجل التنظيف، والطبخ، وتربية الأولاد بجهل.. بل خلقت أيضاً لتتعلم وتعمل وتنتج، ولتربي أولادها تربية حضارية تتوافق مع ديننا. على المرأة أن تتعرف على ذاتها وتواجه نفسها أولا قبل أن تواجه العوامل الخارجية حتى لا تسمح لنفسها أن تنسب أخطاءها لغيرها، وأن تعطي لكل عائق حجمه الحقيقي، فلا تصنع منه جبلا يحول بينها وبين الوصول إلى أهدافها.

هنالك شريحة من النساء لديهن فرص وظروف سانحة للنجاح وللإنتاج، وفي المقابل هنالك من تتمنى نصف فرصة لكي تخرج للعالم قائلة ها أنا ذا انظروا ماذا سأحقق! فيا من تملكين الفرصة إلى متى أنت راكدة؟

المصادر: مقال للكاتبة حسناء بولطباق / wikipedia