لماذا تظن أنك محق حتى ولو كنت مخطئا ؟

المنظور هو كل شيء، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر باختبار معتقداتك. هل أنت جندي، وعرضة للدفاع عن وجهة النظر الخاصة بك مهما كلفك الأمر؟ أو كشّافاً مملوءاً بالفضول؟ ..

لماذا تظن أنك محق حتى ولو كنت مخطئا

أريدك أن تتخيل للحظة، أنك جندي في قلب المعركة، ربما جندي مشاة روماني أو رامي سهام في القرون الوسطى، أو ربما محارب زولو، بغض النظر عن الوقت والمكان..

جندي

هناك بعض الأشياء تبقى ثابتة.. نسبة الأدرينالين مرتفعة ،وأفعالك نابعة من ردود أفعال عميقة الجذور، ردود أفعال متجذرة في حاجتك لحماية نفسك وحماية الجانب الخاص بك، وتغلبك على العدو.

الكشاف

حسنا الآن، أريدك أن تتخيل لعب دور مختلف كليا، دور الكشاف .. عمل الكشاف ليس الهجوم أو الدفاع. عمل الكشاف هو الفهم، الكشاف هو الشخص الذي يخرج ، يرسم خرائط المنطقة، يحدد العقبات المحتملة، والكشاف يأمل أن يتعلم ، لنقل هناك جسر في مكان مناسب عبر النهر. لكن قبل هذا ، الكشاف يريد أن يعرف ماذا يوجد هناك، بدقة كبيرة قدر المستطاع، وفي جيش حقيقي ، كل من الجندي والكشاف ضروريان ،لكن يمكننا أيضا النظر إلى هذه الأدوار على أساس أنها عقليات.. كناية عن كيف أن كل واحد منا يتعامل مع المعلومات والأفكار في حياتنا اليومية.

الذي سوف أتحدث عنه اليوم هو كيف أن التمتع بحكم جيد، توقع تنبؤات دقيقة، اتخاذ قرارات جيدة، متعلق أساسا بعقليتك.

في الواقع ، هناك حالة يطلق عليها العلماء "الاستدلال المدفوع"، إنها حالة حيث تكون دوافعنا اللاإرادية، شهواتنا ومخاوفنا، تحدد الطريقة التي نحلل بها المعلومات.
بعض المعلومات، بعض الأفكار، نشعر وكأنها حليفتنا.. نريدها أن تنجح، نريد أن ندافع عنها..
وبعض المعلومات والأفكار الأخرى وكأنها أعداء لنا، ونريد إسقاطها أيضاً. ولهذا أطلق على الاستدلال المدفوع "عقلية الجندي".

إذا تتبعتم الرياضة أو السياسة، ربما قد لاحظتم أنه إذا أعلن الحكم أن فريقك ارتكب خطأ، على سبيل المثال ،فسوف تندفع للبحث عن سبب لتبين أن الحكم قد أخطأ. لكن إذا أعلن أن الفريق الآخر ارتكب خطأ .. رائع! تحكيم رائع، دعونا لا ندقق في الحكم كثيرا.
أو ربما قرأتم مقالا أو دراسة قامت بتحليل موضوع مثير للجدل، مثل عقوبة الإعدام، وكنت أنت من المؤيدين لعقوبة الإعدام، وأظهرت الدراسة أن الإعدام غير مجدِ، فسوف تكون جد متحمس للبحث عن كل الأسباب: لماذا هذه الدراسة لم تكن جيدة بما فيه الكفاية، لكن إذا أظهرت أن عقوبة الإعدام مُجدية، فإذن هي دراسة جيدة.

وهكذا: إذا لم تؤيد عقوبة الإعدام ،فنفس الشيء .. إن أحكامنا متأثرة جدا بدرجة كبيرة بغير وعي منا بأي طرف نريده أن يفوز. وهذا في كل شخص منا.. هذا يحدد كيف نفكر حول صحتنا، حول علاقاتنا، كيف نحدد كيفية التصويت، ما الذي نعتبره عدلْا أو أخلاقاً. والشيء الذي يخيفني كثيرا حول "الاستدلال المدفوع" أو عقلية الجندي، هو كيف أنه خارج عن شعورنا يمكننا أن نظن أننا موضوعيون ومحايدون، مع كل هذا ندمر حياة شخص بريء.

الآن عقلية الكشاف: إنها إرادة عدم جعل فكرة تفوز والأخرى تخسر، لكن لمعرفة ماذا يحدث حقا بأمانة وصدق قدر المستطاع، حتى ولو لم تكن جيدة أو مناسبة أو مثيرة لإعجابه. شخصيا هذه العقلية تثير شغفي والسؤال المطروح هو ما الذي يسبب عقلية الكشاف؟ لماذا بعض الأشخاص، على الأقل أحيانا، قادرون على تجاهل أحكامهم المسبقة وتحيزهم واندفاعهم ،ومحاولة رؤية الحقائق والأدلة، بأكبر قدر من الموضوعية..

والإجابة هي العاطفة.. فمثلما أن عقلية الجندي متجذرة في عاطفتنا ،كالغرائز الدفاعية أو القبائلية، فكذلك عقلية الكشاف، إنها متجذرة في عواطفنا، على سبيل المثال ، الكشافة فضوليون، إنهم أكثر ميلا للقول بأنهم يشعرون بالمتعة عند تعلم معارف جديدة، أو إذا توجب عليهم حل مشكلة. هم أكثر مسلا للشعور بالافتتان إذا صادفوا شيئا مخالفا لتوقعاتهم.

للكشافة أيضا قيم مختلفة، إنهم يذهبون للقول بأنه من الجيد أن تختبر معتقداتك الخاصة ،وأقل ميلاً لوصف شخص غيًّر من تفكيره بأنه شخص ضعيف.

وفوق هذا، الكشافة أصوليون، ما يعني أن قيمتهم كأشخاص ليست متعلقة بموقفهم حيال موضوع معين فيمكنهم تغيير تفكيرهم حيال شيء بدون أن يظن السوء او الغباء تجاه نفسه ، بل تجده يقول أنه ربما مخطئ حيال الأمر ..

فالأمر ليس متعلقا بدرجة ذكائك، أو حول مقدار معرفتك، في الحقيقة، ليست تتناسب مُطلقاً مع درجة الذكاء.. بل هي حول ما تشعر به.

يقول الكاتب "ساينت إكسبيري": "إذا أردت بناء سفينة، لا تحشد الرجال لجمع الخشب وإعطاء الأوامر ،وتوزيع المهام، لكن علمهم أن يحنوا إلى البحر الواسع اللامتناهي".
بتعبير آخر .. إذا أردنا حقا تحسين أحكامنا كأفراد وكمجتمعات ، مانحتاجه بشدة، ليس المزيد من الدروس في المنطق أو الخطابة أو الاحتمالات أو الاقتصاد، بالرغم أن كل هذه الأشياء قيمة جدا. وكن ما نحتاجه فعلا هو عقلية الكشاف.

علينا أن نغير كيفية شعورنا ، علينا أن نتعلم كيف نحس بالفخر لا بالعار، عندما نلاحظ أننا ربما كنا مخطئين حول شيء ما.
علينا أن تعلم كيف نشعر بالافتتان بدلا من أن نكون دفاعيين عندما نصادف معلومات متعارض مع اعتقاداتنا.

المصدر: ted