كيف أثر عالم النفس سيجموند فرويد في العالم بنظرياته ..خاصةً حول "الجنس"؟

بدأت مدرسة التحليل النفسي على يد هذا العالم النمساوي الذي كان في الأصل طبيبا للأمراض العصبية ومتخصصا تحديدا في تشريح الأدمغة من حيث مكوناتها وكيفية علاجها بالعقاقير الطبية.

كيف أثر عالم النفس سيجموند فرويد في العالم بنظرياته

وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح ينظر إلى فرويد على انه واحد من أعظم مكتشفي عالم داخل الإنسان نفسه، وهو ما سماه بالعقل الباطني وشبهه بالبئر العميقة المليئة بالذكريات والمشاعر. كما اكتشف أيضا "ما قبل الشعور" وأسس التحليل النفسي وله العديد من النظريات التي تتعلق بخصوصيات وطبيعة الجنس البشري. وحتى بعد مرور 150 عاما على ميلاده ما يزال هناك إقبال شديد من قبل الناس للخضوع إلى العلاج النفسي.

من هو فرويد؟

ولد سيجموند شالمو فرويد في مايو "أيار" 1856 لعائلة يهودية في مدينة فريبورج بمقاطعة مورافيا بتشيكوسلوفاكيا الحالية، وانتقلت العائلة بعد ذلك لألمانيا، حين كان طفلًا في الثالثة من عمره، ثم إلى النمسا (فيينا تحديدًا)، التي قضى بها الجُزء الأكبر من عُمره.

قبل الجامعة خطط فرويد لدراسة القانون، لكنه وجد أن دراسة الطب تجعله قريبًا أكثر من البحث العلمي، فسرعان ما قرر دخول كلية الطب، وكانت لفرويد حينها خطة لتحقيق أحلامه الشخصية، وربما جاء ذلك، على حساب أحلام الأسرة التي توسمت فيه، وانتظرت منه تحسين وضعها المادي.

لم يطمح فرويد لأن يكونَ مُجرد طبيب ذي دخل مرتفع، يحقق أحلام أسرته بالترقي، بل كانت غايته القصوى منذ البداية معرفة اللغز البشري، ومثل الجميع لم يعرف فرويد في البداية ماذا يُريد تحديدًا، وبعد المرور الذي يحدث في السنوات الأولى على جميع أقسام الطب في الجامعة، انجذب فرويد نحو التشريح.

زاد اهتمامه بمجال التشريح، ونشر عددًا من البحوث العلمية في مجال التشريح، واستحوذت نظريات علم التشريح على عقل فرويد، لكنه وجد نفسه في النهاية مُجبرًا على الدخول في مجال يستطيع من خلاله الحصول على المال، وتخصص بعدها في مجال الاضطرابات العصبية.

عمل فرويد في البداية مع صديقه النمساوي بروير، على الفكرة الرئيسية للطب النفسي آنذاك "التنويم المغناطيسي"، تحت إشراف دكتور شاركوت، الأستاذ الرئيسي لفرويد وصديقه أيضًا، وهو من أشعل له فكرة احتمال وجود اضطراب جنسي ما لدى بعض مُصابي الأمراض العصبية.

من خلال حكي المرضى لأحلامهم، ربط فرويد بين نفسية المريض أو اضطراباته، بما يحتاجه لتجاوز مشاكله، كان ذلك في عام 1900، وهي الفترة التي وضع فيها كتابه الذي أثار جدلًا كبيرًا آنذاك "التحليل النفسي"

فرويد والجنس

بعد فترة تجاوزت الـ15 عامًا من العمل المشترك بين فرويد وبروير، ونشر أبحاثهما المشتركة عن الهيستيريا، جعلهم ذلك يبحثون أكثر في العوامل النفسية المُسبِّبة للهستيريا. الهستيريا تؤدي للانحلال العقلي، ويقول بروير إن سبب ذلك هو انقطاع الصلة بين حالات النفسية الشعورية المُختلفة، ويقول فرويد إنها نتيجة صراع بين الميول، وتصادم الرغبات، وبهذه الأعراض يُدافع المريض عن دوافعه المكبوتة داخل شعوره، وبما أنها تُعتبر دوافع مرفوضة فإنها تحاول أن تُخرج ذلك بطريقة مُختلفة، وهو ما يسمى بالأعراض الهستيرية.

لم يتوقف الخلاف عند هذا الحد، ففرويد صار يُعلن موقفًا جديدًا سيجعله حديث الجميع، الأطباء وغيرهم، حيث أرْجع السبب الأساسي في الهستيريا للغريزة الجنسية، ما جعل الأمر بينه وبين صديقه القديم يتخطى الخلاف حتى وصل لقطع الصلة بينهما، وشُنّت الحرب على فرويد من الجميع.

يُرجع فرويد الأفعال العصبية للعامل النفسي، بدلًا من العوامل العضوية، بالتالي اعتبر أن الأحلام أيضًا جزءًا أساسيًّا في اللعبة، واعتبر الحلم نزوحًا لأفكار خُلقت في المهد، فالأحلام بالنسبة لفرويد كانت بنفس أهمية الواقع، وكلاهما يعبر عن الاحتياج الجنسي للإنسان.

فتح فرويد بمفرده أبواب عالم جديد لم يدخله أحد من قبل، واكتشف من خلال أبحاثه علاقة بين الغريزة الجنسية للفرد، وعلاقتها بالهستيريا، ما جعله يُعمم الأمر أكثر، ويثق بنظريته أكثر، مُتجاهلًا كل مُعارضيه، فالغريزة الجنسية عنده هي السبب الأساسي.

نظرية التحليل النفسي

يغلب على نظرية التحليل النفسي الطابع البيولوجي، فالطفل يولد وهو مزود بطاقة غريزية قوامها الجنس والميول الى العنف. وهي ما أطلق عليها اسم "اللبيدو" أي الطاقة. وهذه الطاقة تدخل في صراع مع المجتمع، وعلى أساس طبيعة الصدام وشكله تتحدد صورة الشخصية فيما بعد. ويقول فرويد :

"إن الطاقة الغريزية التي يولد الطفل مزودا بها تمر بأدوار محددة بحياته. كما أن النضج البيولوجي هو الذي ينقل الطفل من مرحلة الى أخرى، ولكن نوع وطبيعة المواقف التي يمر بها هي التي تحدد النتاج السيكولوجي لهذه المراحل".

إذًا بالنسبة لفرويد، فالصراع الذي يحدث لأي مريض نفسي، هو صراع بين متطلبات الأنا، والمتطلبات، أو النزعات الجنسية للفرد ذاته، متخذة أشكالًا وسلوكيات مُختلفة، وإذا حاول الفرد تخطيها والتغلب عليها، فهو يُخرجها إلى عالم الشعور،وإذا لم يستطع، اتخذت أشكالًا، وأفعالًا مختلفة.

كيف أثر فرويد في العالم؟

تحمس لفرويد طلاب كثيرون، أصبحوا له مريدين، وعاملوا أفكاره الجريئة بنوع من التقديس، ووقروه، واجتهدوا في استكمال الطريق الذي بدأه بقلب المفاهيم التي تَخُص المرض النفسي، وأسبابه، وعن الإنسان عمومًا، رأسًا على عقب.

الأدباء والعلماء الذين آمنوا بنظريته، ساهمت في تغيير وجهة نظرهم للأشياء، بالتالي الإبداع بأرضية مختلفة عما كانوا عليه  قبل صك نظريته، ورُبما نعتبر أن تأثير فرويد في الأدباء والعلماء في عصره، كان شبيهًا بتأثير كارل ماركس في السياسة، والاقتصاد، والفلسفة، كلاهُما جاء  ليهدم المعبد ،ويُعيد بناءه كما يريد.

خرجت مدارس فنية عديدة انطلاقًا من إيمانهم بفرويد، مثل السريالية والتجريدية، مُستخدمين الأحلام مرة أخرى كعملية للسرد، أو رمز عما بداخلنا، واعتمدوا على تصوارات الخيال بدون رقابة مُسَلَطة عليه.

نقاط الخلاف مع فرويد

كما أسلفنا كَثُرّ أتباع فرويد من مختلف المجالات، كما زاد خصومه أيضًا، لكن ولأننا جميعًا محاطون بالزمان والمكان اللذين أحاطا بميلادنا، فهناك بعض النقاط التي أخذها خصوم فرويد عليه، حتى بعد موته، وتطور علم النفس، ومنها:

اعتمدت غالبية نتائج فرويد على ملاحظاته المُتعلقة أساسًا بأشخاص مضطربين عاطفيًّا، وهو ما يعتبره مُعارضوه أمرًا غير ملائم، فهُناك شخصيات عادية، وسليمة أخرى من وجهة نظرهم، وهو ما يدحض تعميمات فرويد من وجهة نظرهم أيضًا.

الوقت الذي ظهر فيه فرويد كان الحديث عن الجنس عمومًا محظورًا جدًّا، لذلك وجدت نظريته بيئة خصبة، حيث مُعظم المرضى يُعانون من مشاكل جنسية، ويلاحظ مُعارضوه الآن أنه برغم أن مشاكل الجنس تقل مع الوقت، إلا أن المرض الذهني ما يزال موجودًا بكثرة.

وضع فرويد فرضيات عامة لم يُفسرها، وهو ما جعلها غامضة حتى على مُريديه، مثلًا ما هو السلوك الذي يشير إلى أن الطفل في مراحله الأولى، كما يقول فرويد، يحدث له تطور نفسي جنسي؟

مفاهيم الأعماق

من خلال تقسيمه لدوافع سلوك الانسان، أشار فرويد الى ظاهرة زلة اللسان "Slips of the tounge" وهي الخطأ الذي يقع فيه الإنسان بسبب مفاهيم راسخة ومخزنة في عالم اللاشعور.

وقال ان هناك جملة من المفاهيم لدى الإنسان مغروسة في أعماقه، موجِهة لميوله ومؤثرة في سلوكه تظهر من حين إلى آخر في مواقف معينة عبر أقوال وأفعال. هذه المفاهيم هي التي يطلق عليها "مفاهيم الأعماق". والذي يجري في داخل الإنسان هو أنّ الفكر الذي يحمله ويريد أن يطبقه قد يصطدم بمفهوم من مفاهيم أعماقه فيناقضه ويرفضه كما يصعب في هذه الحالة تصديقه أو الاقتناع به.

تناقض ..!

سيجموند فرويد

والغريب في الأمر أن فرويد كان يعاني من مشاكل عاطفية وغيرها، فلجأ إلى التدخين بالرغم من وعيه التام إلى أن تدخينه لنحو عشرين سيجارا يوميا من شأنه أن يضعف قلبه ويعرضه للإصابة بالسرطان. ورغم محاولاته المتكررة للإقلاع عن التدخين إلا انه كان في كل مرة يعود إليه من جديد حتى انه اعترف بأنه عاجز نفسيا عن مواصلة عمله دون أن يدخن. وبعد إصابته بالسرطان واستئصال فكه وإحلال فك اصطناعي مكانه استمر فرويد بالتدخين.

ويتذكر المرء قوله: "لن أتوقف عن التدخين طالما كان فمي قادرا على حمل السيجار." النتيجة هي ان فرويد توفي بالسرطان بعد أن استشرى المرض في فمه كله. وقد كان عمره آنذاك يراوح الثالثة والثمانين. الغريب في الأمر أن فرويد، ذالك العالم الذي حاول سبر أعماق الإنسان وتحليل شخصيته وميوله، لم يستطع تفسير حالة الإدمان التي كانت سببا في وفاته.!

المصدر: psychologies / sasapost