هل حقاً اُستعمرت الجزائر بسبب المروحة ؟ .. حقائق عن الثورة الجزائرية لا تعرفُها

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. يُصادف اليوم الذكرى 62 لاندلاع ثورة الجزائر ،ولكن هناك سؤال مُوجه إليك عزيزي القارئ .. هل تُصدق أن الجزائر تم استعمارها بسبب حادثة المروحة؟ .. إن كنت صدقت أن فرنسا قد حركت 40 ألف جندي لمحاصرة مدينة الجزائر لثلاث سنوات بسبب ضربة مروحة فاعلم أنك ضحية للغطرسة الإعلامية الفرنكفونية، والتي تسوق منذ ما يقرب من قرن ونصف من الزمان أن فرنسا تحرك جيوشها أينما تم مس شرفها.



ما هي حادثة المروحة؟

حادثة المروحة

هي حادثة مشهورة في التاريخ وتتمثل في كون الوالي العثماني على الجزائر، حسين داي، صفع القنصل الفرنسي بيار دوفال بمروحته أثناء حوار متشنج في قصر حسين داي.

مباشرة بعد ورود الأنباء إلى باريس كتب ملك فرنسا آنذاك شارل العاشر إلى والي الجزائر مهددًا ومتوعدًا إن لم يحصل على اعتذار المسؤول العثماني، وهو ما رفضه حسين داي بشدة فأمر الملك شارل العاشر بتحريك 40 ألف جندي فرنسي باتجاه الجزائر العاصمة لمحاصرتها (بين 1827 و1829) ثم احتلالها (سنة 1830)، وذلك انتقاما لـ "شرف فرنسا" .. أو كذلك أريد لنا أن نفهم.

ما هي الأسباب الحقيقة لغزو الجزائر ؟

أزمة ديون فرنسا للجزائر

أدت الثورة التي اندلعت سنة 1789 إلى عزل فرنسا عن الساحة الأوروبية، وذلك بسبب خوف الأنظمة الملكية القائمة آنذاك بأوربا من امتداد الشعارات المعادية لسلطتي النبلاء والدين لمختلف الممالك الأوروبية، وبذلك فقدت فرنسا عددًا من حلفائها العسكريين وشركائها التجاريين لا سيما النمسا، روسيا، وغيرها.

لهذا ولكي تضمن تموينها بالسلع الأساسية حولت فرنسا نظرها نحو شركاء من خارج القارة العجوز. وحدث أن بدأ القائد العسكري نابليون بونابرت حملته الشهيرة على مصر سنة 1798، وحتى يضمن تموين جيشه الضخم التجأ الداهية الفرنسي لخدمة تاجرين يهوديين هما كوهن البكري ونفتالي بوجمة (المعروف باسم بوصناخ) اقترحا عليه استيراد القمح من ولاية الجزائر العثمانية، وهو ما تم حتى استمر تموين فرنسا بالقمح الجزائري من طرف التاجرين البكري وبوصناخ طيلة كافة فترة الحروب النابليونية (1803-1815) وعودة الملكية (ابتداء من سنة 1815)، وأمام الظروف الاقتصادية الصعبة في فرنسا نتيجة مخلفات حروب نابليون وعزلتها الأوروبية تراكمت على الفرنسيين ديون بقيمة 28 مليون فرنك ذهبي فرنسي، أي قرابة 262 مليون يورو حاليًا، وهو مبلغ خيالي في ميزانية دولة في القرن التاسع عشر.

كانت حملة نابليون في مصر بداية لاعتماد فرنسا على استيرادات القمح من الجزائر
وكان الوالي حسين داي أكثر ولاة الجزائر إلحاحًا وإصرارًا على استخلاص الدين الفرنسي، لذلك فقد كتب ثلاث رسائل لملك فرنسا شارل العاشر يطالبه فيها بتسوية المستحقات الجزائرية، وفي غياب رد من الملك استدعى الداي حسين القنصل الفرنسي بيير دوفال والذي قال لوالي الجزائر أن ملك فرنسا لا يمكن أن يجيب واليًا عثمانيًّا، وهو ما أغضب حسين باشا (المعروف تاريخيًّا بشجاعته وبحدة طبعه)، مما دفعه إلى صفع القنصل الفرنسي بمروحته.

هناك كثير من الروايات التاريخية التي تنكر الحادثة، منها من يتحدث عن طرد السفير من مجلس داي الجزائر بالمروحة، منها من يقول بقيام الوالي بحركة غاضبة بمروحته لم يلمس بها القنصل الفرنسي .. المهم هو أن حديث القنصل والوالي لم ينتهِ بشكل لائق، كما استغلت فرنسا الحادثة لتبرير تحرك عسكري ضد الإيالة العثمانية لا سيما اتجاه الدول الأوروبية المتوجسة من أي تحرك فرنسي عسكري منذ سقوط نابليون.

وتجدر الإشارة إلى أن الدين الفرنسي لم تتم تأديته إلى اليوم، الأصح أنه قد ارتفع بقوة نظير كل الخيرات والثروات التي سرقتها وصادرتها فرنسا خلال 130 سنة من التواجد على التراب الجزائري لا سيما المنتجات الفلاحية والمعادن.

الإجهاز على الأسطول البحري للجزائر


شكل "الجهاد البحري" أحد أهم مصادر المداخيل للإمبراطورية العثمانية، لا سيما في الولايات الشمالية الإفريقية كالجزائر وتونس وطرابلس الغرب، لهذا فإن ولاية الجزائر كانت تتمتع بأحد أقوى الأساطيل البحرية في البحر المتوسط، والذي كان دائمًا مصدر قلق للملاحة التجارية الأوروبية، لا سيما الفرنسية والبريطانية على الخصوص.

لكن بداية القرن التاسع عشر لم تكن فاتحة خير للقوة البحرية العثمانية، فخلال حرب استقلال اليونان (المدعومة من طرف بريطانيا وفرنسا وروسيا) عن الخلافة، استنزف الأسطول العثماني، واضطر لطلب الدعم من الأسطولين المصري والجزائري القويين، وهو ما تم لقائد الأسطول العثماني الشهير إسماعيل باشا.

وخلال الحرب حدثت معركة بحرية ضخمة في خليج نافارين اليوناني بين الأسطولين العثماني (المدعم بالسفن المصرية والجزائرية) والتحالف الثلاثي المكون من بريطانيا وفرنسا وروسيا في أكتوبر لسنة 1827، هزم على إثره الجيش الإسلامي ودمرت معظم سفنه بالمعركة بما فيها السفن الجزائرية، وهو ما شكل فرصة ذهبية لفرنسا لم تتوانَ عن استغلالها إذ بدأ الحصار البحري للجزائر نهاية نفس الشهر، أي أكتوبر 1827.

وقد مكنت معركة نافارين ثم احتلال الجزائر فيما بعد من التخلص من إحدى أكبر القوى البحرية في غرب المتوسط.

معركة نافارين، حيث دمرت الأساطيل التركية والمصرية والجزائرية تحت الراية العثمانية..

تصدير أزمة الحكم بفرنسا

لم تشهد فرنسا استقرارًا سياسيًا واضحًا منذ الثورة الفرنسية لسنة 1789، فبعد وصول نابليون بونابرت إلى الحكم وتدشين فترة الحروب النابليونية، أعادت الدول المنتصرة الملكية إلى الحكم عبر الملك لويس الثامن عشر ثم شارل العاشر، أخوي الملك لويس السادس عشر الذي أسقطته الثورة.

وعرف عهد شارل العاشر عدة أزمات سياسية بين الملك والبرلمان تارة، وبين الملك وأمراء المنازل الأخرى المطالبة بالحكم، لذلك فقد كان التوتر مع ولاية الجزائر فرصة أراد الملك شارل العاشر استغلالها قصد خلق عدو خارجي يوحد من خلاله الطبقة السياسية تحت قيادته .. غير أن مسعاه باء بالفشل.

إذ أنه مباشرة بعد حادثة المروحة المؤرخة في أبريل سنة 1827، والتهديد الفرنسي للداي حسين المؤرخ بيونيو من نفس السنة، سقط الملك شارل العاشر في الثاني من أغسطس والأسطول الفرنسي يستعد لشق البحر نحو سواحل الجزائر، وذلك عقب ثورة شعبية أطاحت بحكم عائلة بوربون مرة ثانية وحملت الملك لويس فيليب الأول نحو العرش الفرنسي.

و رغم كل هاته الرجات السياسية، استمرت خطة حصار الجزائر الذي بدأ في أكتوبر من سنة 1827 وانتهى بإستسلام الداي حسين في الخامس من يوليو من سنة 1830.

وإليكم بعض الحقائق أيضا عن الثورة الجزائرية 

- المرأة الجزائرية والثورة

قليلة هي الثورات التي قامت على أكتاف الرجال والنساء، والثورة الجزائرية هي واحدة منها؛ فقد كان للعنصر النسوي دور فعال في تحرير الجزائر من الاستعمار.

تذكر سجلات المحاربين القدامى لما بعد الحرب أن عدد النساء المشاركات في حرب التحرير الجزائرية بلغ 11 ألف امرأة محاربة، شكل منهن النساء الريفيات 80%، بينما كانت نسبة نساء الحضر 20%، أوكلت إليهن أدوار غير قتالية، وأخرى قتالية في خلال الحرب.

كانت هذه المهام التي شغلتها المرأة الجزائرية في حرب التحرير، تتوزع بين القتال، والتجسس، والتمريض، وجمع التبرعات، ونقل الدعم، والاهتمام بحاجات مقاتلي جبهة التحرير، ويقول أيضا المؤرخ الفرنسي "جيرارد دي جروت" "لقد ساعدت النساء القوات المقاتلة من الرجال في مجالات مثل النقل والاتصالات والإدارة".

سمح للوضع الاجتماعي والتعليمي الذي حظيت به نساء الحضر، من العمل بسرية، والتحرك بحرية لدعم المقاومين المختبئين بالمدن، خاصة بالعاصمة الجزائر؛ ما عزز وجود الثوار داخل المدن.

وتعد "زهرة بوظريف" إحدى بانيات الثورة الجزائرية إبان الاستعمار، فهي أول امرأة تشارك في العمل الحربي مع جبهة التحرير ضد المستعمر، وألقي القبض عليها من قبل الجيش الفرنسي، ثم أفرج عنها بعد ذلك عقب الاستقلال.

- النخبة الفرنسية المثقفة كانت إلى جانب الثورة الجزائرية

من الأشياء التي قلَّما نجدها في الثورات التحررية هي أن تحظى بتعاطف نخبة أعدائها المثقفة، كالشأن مع الثورة الجزائرية، التي اصطف إلى جانبها المفكرون الفرنسيون، بداية من جون بول سارتر وجانسون وسيمون دي بوفوار، مرورًا بـميشيل فوكو وفرانز فانتون، وليس آخرًا، الفيلسوف سان جيرمان دوبري.

كان لهؤلاء وآخرين الفضل في إكساب الثورة الجزائرية شرعية، وسط الرأي العام الفرنسي، وأكسبها على المستوى الدولي زخمًا متزايدًا، ودفع العديد من المناضلين الفرنسيين إلى الانضمام إلى جبهة التحرير ضد بلدهم المستعمر.

الفيلسوف الوجودي، جون بول سارتر واحد من هؤلاء الذين وقفوا مع الثورة الجزائرية، اعتبره المثقفون الجزائريون آنذاك منير دربهم إلى طريق الحرية، مشتهرًا بقولته "إنه مقضي علينا أن نكون أحرارًا".

كتب سارتر العديد من المقالات المعادية للوجود الفرنسي في الجزائر، من بينها الجزائر ليست فرنسا سنة 1955، والكولونيالية عبارة عن نظام سنة 1956، ومقالته الشهيرة "نحن جميعًا قتلة"، والتي كتبها عقب إعدام المناضل الأوروبي "فيرناند إيفتون"، الذي كان يحارب إلى جانب جبهة التحرير.

كان جون بول سارتر، ينتقد رغبة فرنسا في دفع الجزائر نحو الإصلاح، ويقول "إن الإصلاح سيتحقق من غير شك، لكن الشعب الجزائري هو الذي سيحققه، إن الشيء الوحيد الذي يجب أن نقدمه للجزائريين اليوم هو أن نؤازرهم في جهادهم لتحريرهم وتحرير الفرنسيين من وصمة العار".

أما الكاتب الفرنسي جانسون، فقد كرس اهتمامه للقضية الجزائرية طوال حياته، وكتب العديد من المقالات في الموضوع، كما أصدر عدة كتب تنتقد الاستعمار الفرنسي، وتؤيد الثورة الجزائرية، وتنبأ باندلاعها عندما يتشكل وعي لدى الشعب الجزائري ورغبة في البحث عن الاستقلال، وليس بسبب الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما حصل بالفعل.

خلف المفكرون الفرنسيون المناوئون للنظام الاستعماري أثرًا واضحًا في النخبة الجزائرية المثقفة آنذاك، التي بدورها سعت إلى توعية الجماهير الشعبية بقيم الحرية والاستقلال.

- الأطفال أيضا حاضرون في الثورة الجزائرية

لم تمنع حداثة السن طائفة من الأطفال الجزائريين من الانخراط في الثورة تحت تأثير وسطهم المحلي، حيث كان لهم دور كبير في إنجاح العديد من عمليات المقاومين ضد المحتل، فكانت توكل إليهم أدوار تناسب وضعهم العمري غير المثير للشبهة، مثل نقل الرسائل والتجسس على الفرق الاستعمارية المتنقلة بين الأحياء وكشف «البياعين».

وتعد قصة الطفل "عمر يوسف"، الملقب عند الجزائريين بـ"يوسف الشهيد"، نموذجًا لمساهمة الأطفال الجزائريين في حرب التحرير ضد الاستعمار، وهو الذي انضم إلى الثورة الجزائرية وعمره 13 سنة، وكُلف بنقل الرسائل بين زعماء الثورة، حيث كان بمثابة حلقة وصل بين القائد العربي بن مهيدي ويوسف سعدي وباقي القيادات، وعمل في مهمته تلك طوال عامين، دون أن تكتشف الحواجز البوليسية التابعة للسلطات الفرنسية، إلى أن قتل رفقة مقاومين آخرين.

المصادر : 1 / 2 / 3 / 4 / 5 / 6 / 7