أسرار لا تعرفها عن قبة الصخرة !

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. تعتبر قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية في العالم، ذلك أنها إضافة إلى مكانتها وقدسيتها الدينية، تمثل أقدم نموذج في العمارة الإسلامية من جهة، ولما تحمله من روعة فنية وجمالية تطوي بين زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة من جهة أخرى، حيث جلبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين وجميع الناس من كل بقاع الدنيا، لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية، حتى اعتبرت آية من في الهندسة المعمارية.

 قبة الصخرة

كيف تم بناء قبة الصخرة ؟

بنى قبة الصخرة المباركة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/ 684-705م)، حيث بدأ العمل في بنائها سنة 66هـ/ 685م، وتم الفراغ منها سنة 72هـ/ 691م. وقد أشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من بيسان فلسطين، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس .

فقد فكر عبد الملك بن مروان رحمه الله في أن يغطي هذه الصخرة المقدسة بنوع من البناء يتناسب وقباب المدينة المرتفعة، حتى يخلد ويحافظ على هذا الأثر المقدس، في وقت كثر فيه البناؤون والمزخرفون مع ثراء الدولة الأموية، وكان هذا هو دافعه الحقيقي، ولم يكن دافعه كما ذكر البعض في بناء قبة الصخرة ليحول إليها الحجيج عن الكعبة المشرفة، فهو خليفة المسلمين ويعلم بل ويحافظ على أركان الإسلام.

وقد قيل: إن عبد الملك بن مروان حين فكر في بناء قبة عالية تغطي الصخرة رصد لبنائها خراج مصر لسبع سنين، وحين أنفقت هذه الأموال على البناء بقي منها مائة ألف دينار، فأمر عبد الملك بن مراون بها جائزة للرجلين المشرفين على البناء وهما رجاء بن حيوة الكندي ويزيد سلام فرفضا قائلين: "نحن أولى أن نزيد من حلي نسائنا فضلاً عن أموالنا فاصرفه في أحب الأشياء إليك"، فأمر عبد الملك بأن يصنع منها صفائح ذهبية تكسى بها القبة من الخارج.

1- النِّسبة الذهبية

لنِّسبة الذهبية

للتذكير: فإن النسبة الذهبية أو الرقم الذهبي 1.618 رقم بسيط في شكله وللوهلة الأولى يعتبر رقماً عادياً جداً، ولكن في حقيقة الأمـــر يعتبر من أكثر الأرقام إثارة للجدل على مر التاريخ فهي نسبة تُكسب كل عمـــل نقوم به في شتي مجالات الحياة -إذا ما استخدمناها- جمالاً وإتقاناً وتجعل منه عملاً إبداعياً. (وهي إحدى مقاييس الجمال وأحد أسرار الجمال من حولنا في هذا الكون)

ليست وحدها القبّة هي الذهبيّة في بناء قبّة الصخرة في الواقع، فهناك النسب الذهبيّة في التصميم الهندسي للمبنى وهي تتجلى في انبهار الزوّار بهذا المسجد حال رؤيتهم له، والنسبة الذهبية ليست اكتشافًا إسلاميًا، فقد اكتشفها الرياضي الإغريقي الشهير إقليدس، وهي موجودة في خلق الإنسان والنباتات بل وحتى في الكواكب والمجرات وهي عبارة عن ثابت رياضي تبلغ قيمته 1.618 تقريبًا. بكلماتٍ أبسط، لو قُمنا بقياس طول جسم الإنسان من الرأس إلى السرة ثم من السرة إلى أسفل القدم لوجدنا أن النسبة قريبة من النسبة الذهبية، وهذا موجودٌ في مخلوقات كثيرة كما يُستخدم في الهندسة وقد استخدم في هندسة قبّة الصخرة، وهو ما أشارت إليه دراسة من الجامعة الإسلامية في غزة بعنوان "القيم الجمالية وهندسة العمارة في مسجد قبة الصخرة المشرفة وسبل الاستفادة منها في العمارة المعاصرة" يؤكد فيها الباحث أن أهم أسرار جمال قبّة الصخرة هو في تخطيطها وتصميمها على قاعدة النسبة الذهبية.

النسبة الذهبية لا تتحقق في مبنى قبّة الصخرة فقط، بل حتى في موضعها فوضعية القبة بالنسبة للمساحة الكلية العامة لصحن القبّة، فهي ليست في المركز وهي أشبه بموضع القلب من الجسم. أما في المبنى الداخلي للقبة فهو يتجلى في العلاقة بين ارتفاع القبة، حيث أن ارتفاع القبّة 35.5 مترًا بينما القاعدة حوالي 58 مترًا والنسبة بينهما 1.6، وهذا لا ينحصر في هذه المواضع بل يكاد يكون المبنى كُله مصممًا وفق هذه النسب الذهبية، ومن الجدير بالذكر أن الباحث قام بدراسة مقارنة بين قبّة الصخرة وبين مبنى تاج محل في الهند وكنيسة القيامة والمسجد الأموي في دمشق، فوجد أن النسبة الذهبية لم تستخدم في أيّ من هذه المباني كما استخدمت في قبّة الصخرة.

2- يوجد به قبتين 

تحت القبّة الذهبية، هناك قصّةٌ عجيبة من قصص العبقرية الهندسية في بناء هذا المسجد وهي لا تحظى باهتمامٍ كبير فيما يبدو، ولا نقصد هنا الصخرة فهذه أشهر معالم المسجد الأقصى أصلًا، ولكن أكثر من يزور هذا المسجد ويقف عند الصخرة وينظر إلى الأعلى فقد يتخيّل أنه يرى "القبة الذهبية" من الداخل ولكن هذا خطأ؟ لأن مبنى قبّة الصخرة فيه قبّتين في الواقع وليست قبّة واحدة وذلك لغاياتٍ هندسيّة عبقرية تستحق التدبر، فلكلتا القبّتين سطحان يستقلُّ كُل واحدٌ منهما عن الآخر وبالتالي بينهما فراغ ويؤدي إلى هذا الفراغ باب صغير، فالفراغ ليس صغيرًا ويبلغ طوله عند عنق القبّة حوالي نصف متر ويكبر حتى يصل إلى نحو مترين عند أوسط القبّة وبالتالي يُمكن الدخول فيه للقيام بإصلاحات داخل القبّة.

ولكن ليس هذا الغرض الوحيد كما يبدو، فإن من شأن هذا الفراغ أن يزيد من اتزان القبّة ويُساهم في تخفيف الحمولة على الركائز والأعمدة ولا ننسى فكرة في غاية الأهمية بالنسبة لقبّة كهذه في مدينة كالقدس تشهد أيامًا حارّة جدًا في الصيف، فوجود القبّتين والفراغ بينهما يضمن ما يُسمى العزل الحراري في علم الديناميكا الحرارية، وبهذا العزل يُمكن التحّكم بدرجات الحرارة داخل المبنى بشكل أفضل وهو ما سيجعل المصلي أكثر انسجامًا وراحة في المسجد. المميز أن العزل الحراري لا يُفيد المصلين والزوّار فقط، فهو أفضل للمبنى أيضًا حيث أن تقلبات درجات الحرارة يُمكن أن تؤدي إلى إجهاد حوائط المبنى وهو ما يُمكن أن يؤدي بالتالي إلى التشققات والتصدعات والشروخ التي قد تهدد بقاء المبنى.

3- تعرض للكثير من الزلازل .. لكنه صمد

الحقيقة أن قبّة الصخرة والمسجد الأقصى تعرّضا بعد بنائهما بقليل لما هو أصعب. بعد بنائه بحوالي 60 عامًا تعرضت في عام 747 لزلزال شديد فتهدّم منه الجدارين الشرقي والغربي، أما المصلّى القبلي فقد تهدّم بالكامل ومعه القصور الأموية، ولم يكن هذا الزلزال الوحيد، ففي الفترة الفاطمية حصل أكثر الزلازل وبلغ عدد الزلازل المُدمرة منها 8 زلازل، حتى أن القبّة في مسجد قبّة الصخرة سقطت في زلزال مُدمر عام 1016 تقريبًا ليُعاد بناء القبّة وتصفيحها عام 1022، وقد تعرض بعدها لزلازل ولكن بناءها هذه المرّة كان أمتن ولهذا صمد حتى يومنا هذا.

تدمَّر المصلّى القبلي مراتٍ عديدة كان آخرها عام 1927، أي قبل أقل من 100 عام فقط، بينما مسجد قبّة الصخرة قد استطاع الصمود حتى يومنا هذا وذلك لأن أساساته بُنيت على الصخر وهو ما أكسبها ثباتًا إضافيًا ولكن لم يكن هذا السبب الوحيد، فالمتأمل للمبنى من الداخل سيرى 8 دعائم مكسوّة بالرخام وبين كُل دعامتين عامودان يكوّنان ثلاثة عقود، ترتبط هذه العقود ببعضها البعض بما يُسمى أوتارٍ خشبيّة، يسميها البعض شدّادات، وهي مكسوّة بالبرونز وعليها نقوش مذهبية.

في مقالة للدكتور والباحث د. غزوان ياغي بعنوان "عبقرية التخطيط والبناء في قبة الصخرة" في مجلّة باحثون ينقل عن المستشرق كريستي بأن الأوتار الخشبيّة بين العقود قد تكون بمثابة تقنية من تقنيّات مقاومة الزلازل التي اعتمدها المهندسين عند البناء.

4- من قام بهندسته ؟

عملٌ جبّارٌ كهذا يُعتبر الأقدم والأندر من نوعه في العالم الإسلامي، بل ويتصدّر قائمة المعالم المهيبة عالميًا لا بُد أن يجعلنا نتساءل عن المُهندس الذي أشرف على البناء. الحقيقة أن هذه مسألة فيها كلامٌ وخلافٌ كثير، ولا خلاف في أن "رجاء بن حيوة" و"يزيد بن سلام" هُما اللذان أشرفا على عمليّة البناء من الناحية الإدارية، أما من الناحية الهندسية فيُرجح بعض المستشرقين بأن من بنى قبّة الصخرة هُم البناؤون البيزنطيون وفي هذا مُبالغة، علمًا بأن هذا وارد ،بأن يكون بعض من عملوا في البناء من البيزنطيين ولكن ليسوا وحدهم .. حيث يذكر ابن كثير بأن الخليفة جمع لبناء قبّة الصخرة أمهر الصنّاع والحرفيين وأرسلهم لبيت المقدس كي يُساهموا في عمارة المسجد الأقصى، وهؤلاء استفادوا بلا شك من الخبرات الهندسية المحليّة ولكنهم أبدعوا ولم يقلدوا وأنتجوا لنا جوهرة لا تزال تُبهر العالم حتى يومنا هذا.

المصادر : 1 / 2 / 3