بعيداً عن التلقين المباشر.."منهج مونتيسوري ".. ماذا لو تم تطبيقه في مناهجنا الدراسية ؟

"يجب أن تهتم التربية بالمثيرات الغنية التي تؤدي إلى إشباع خبرة الطفل، إذ إن الطفل يمر بلحظات نفسية يكون استعداده العقلي فيها لتقبل المعلومات قويًا فإذا نحن تركنا هذه اللحظات تمر هباءً فمن العبث أن نحاول إعادتها إذ يكون الوقت المناسب قد مضى". ."ماريا مونتيسوري"

”بينما كان الناس في منتهى الإعجاب بنجاح تلاميذي المعتوهين كنت في منتهى الدهشة والعجب لبقاء العاديين من الأطفال في ذلك المستوى الضعيف من التعليم
لذلك فإن الطرق التي نجحت مع المعاقين لو استعملت مع الأطفال العاديين لنجحت نجاحاً باهراً لهذا صممت أن تبحث الأمر وتدرسه من جميع الوجوه..“.."ماريا مونتيسوري"


منهج مونتيسوري منهج تعليمي يعتمد على فلسفة تربوية تأخذ بمبدأ أن كل طفل يحمل في داخله الشخص الذي سيكون عليه في المستقبل، وقد أرست دعائمه الدكتورة مونتيسوري من خلال دراساتها وبحوثها وتطبيقاتها الميدانية، معتبرة أن العملية التربوية يجب أن تهتم بتنمية شخصية الطفل بصورة تكاملية في النواحي النفسية، والعقلية، والروحية، والجسدية الحركية وتقوم على نظريات لتنمية الطفل

منهج المونتيسوري ماهو إلا مدخل لنصل بالمتعلم  إلى أعلى مراتب التأمل في مخلوقات الله، ومساعدته على مراقبة الطبيعة من حوله وشكر الله على نعمه التي لا تحصى... فمن خلاله يكبر الطفل وهو على وعي كاف بنفسه وبالآخرين من حوله، فيحسن تقدير هذه النعم ويجتهد ليبذل المزيد من أجل خالقه سبحانه وتعالى.

تكون القاعات الدراسية فيه مقسمة إلى مناطق وفي كل منطقة حياة مختلفة للطفل، في مجملها تحتوي على مبادئ التعلم الأساسية: الملاحظة،  الذاتية،  والتجربة والخطأ،  مع مراعاة حقوق الآخرين.

 هذا المنهج يركز على ذات الطفل وقدرته على التكيف مع البيئة من حوله أكثر من تركيزه على كم المعلومات التي يختزنها في عقله الباطن رغم ما يحتويه منهج المونتيسوري من تفصيلات دقيقة قد لا نتوقع أن يعيها الطفل، وفي الحقيقة هو يفهمها ويختزلها في عقله حتى يستفيد منها عندما يحين الوقت المناسب لذلك، فالطفل كالزهرة ينمو ببطء، وبقدر العناية والاهتمام الذي يحصل عليه بقدر جمال الزهرة والتي تتضح معالمها عليه في سلوكه وأدائه.

فليس مهمًا في منهج المونتيسوري أن يثقل كاهل الطفل أو المتعلم بالواجبات المنزلية، بل الأهم أن يعرف كيف يؤدي واجبه بحب وبإقبال شديد بداخل المدرسة، ولكي نجعل المنزل مكانًا للتواصل الاجتماعي مع الآخرين من حوله، يجتهد العاملون بهذا المنهج لأن يصنعوا للمتعلم عالمًا يحبه كثيرًا، ويمده بخيارات تساعده على الحوار والمناقشة والاكتشاف والاستنتاج بناءً على رغباته وميوله بالإضافة إلى تعميق أواصر المحبة بينه وبين عائلته، فالأسرة هي أساس نجاحه وهم المحرك الإيجابي في حياته.

ولكي نُخرج نشئًا نفخر به نحتاج إلى معلم متفان ومتفهم وصبور تجاه مهنته وذي أهداف سامية، لديه القدرة على خلق جو من الهدوء والاسترخاء ليساعد الطفل على التعلم السريع والممتع.

منذ كنا صغارًا ونحن نحلم بمستقبل أفضل من واقعنا، ونرسم خطط أطفال بعيدة كل البعد عن مناهجنا، فقد كان هناك فصل واضح بين المنهج الدراسي والواقع والمثالية المفترضة في المدرسة، فكأن ما درسناه لا نعمل به إن عملنا إلا في المدرسة.... هذا ناهيك أنه لدينا نفس الكتب، ونفس الطريقة في التعليم، وقد نصل كلنا إلى نفس المستوى في الظاهر، فشهادة تخرجنا واحدة إلا أن النتائج تختلف... واختلاف النتائج كان له سبب واحد تعارفنا عليه وهو أن كمية المعلومات التي حفظناها متفاوتة، وذلك يرجع لنسبة اجتهادنا في الحفظ...!  وما هذه سوى اعتقادات خاطئة.

فالتعليم يرتكز على ثلاث ركائز أساسية: (الطالب، المنهج، المعلم) إلا أن المنهج يعد من أهم الركائز التي سيبنى عليه القواعد الأساسية في شخصية الطالب. ومن الصعب جدًا توحيد المناهج حسب الفئة العمرية لاختلاف فهم الطلاب وحاجاتهم وميولهم.
وتعد الست سنوات الأولى من عمر الطفل هي أساس تكوين شخصيته وميوله وتوجهاته المستقبلية، فإذا لم يحسن المربي احتواءه بشكل جيد ومناسب فإنه سينتج لنا طفلًا بلا شخصية أو متزعزع المبادئ وبلا كيان يفتقد الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرار، لا يستطيع تحمل المسؤولية.


ماريا مونتيسوري مربية وفيلسوفة وطبيبة وعالمة ومـُثـَقـّفة وتطوعية إيطالية.

لذا فإن "ماريا مونتيسوري" صممت منهجًا يضمن للطفل حصوله على قاعدة ثابتة وأساس متين يرتكز عليه في المستقبل.

إذن منهج "المونتيسوري" Montessori method هو منهج يبحث عن جوانب القوة في كل طفل لينميها ويرتقي بها، كما يكتشف جوانب الضعف لديه فيعالجها بوسائل حسية تربوية مدروسة يطبق بشكل فردي حسب ميول وقدرات كل طفل، ليس هذا فحسب بل إن هذا المنهج يركز على الأخلاق كمدخل أساسي للتعليم، فما فائدة الأخلاق إذا حفظناها ورددناها دون ممارستها بشكل حسي حتى تصبح جزءًا من شخصية الطفل فينمو وهو يشعر بتوازن اجتماعي وديني دون تزعزع، وقد حرصت "ماريا مونتيسوري" على تحقيق ذلك بشتى الطرق، فهناك تمارين خاصة دقيقة يمارسها الأطفال بشكل روتيني مثل الاستئذان عند مراقبة الطفل لزميله، الاستئذان لمشاركته العمل، التحدث بصوت منخفض، العمل بحدود السجادة الخاصة بالعمل دون التعدي عن حدودها كمثال حي لاحترام حقوق الآخرين بشكل حسي ملموس، هذا بالإضافة لقوانين وضعتها "مونتيسوري" في الفصل يعمل بها الأطفال جميعهم مع المعلمة، لتعزيز العمل الجماعي ونشر الوعي بأهمية الاحترام المتبادل بينهم.

وسائل المونتيسوري

كل الوسائل في فصول المونتيسوري مبتكرة وجيدة تثير انتباه الطفل ودافعيته للتعلم والبحث والاكتشاف بشكل محبب ومناسب لسن الأطفال المتفاوت.
فهي وسائل صممت خصيصًا وبشكل دقيق جدًا يمكن للمعلم من خلالها أن يلاحظ قدرات الطفل بشكل جيد وواضح، فيمكنه تحديد الطفل المميز والطفل الذي يعاني من مشكلات أيًا كان نوع المشكلة بسيطة أو صعبة.
وكل وسيلة من هذه الوسائل تخدم هدفًا مستقلاً لكنه تابع لهدف يسبقه فيكمله لضمان تتابع تطور نمو الطفل بشكل سليم وجيد.
الغرف الدراسية مقسمة إلى مناطق:

1- منطقة الحياة العملية Practical Life: وهي منطقة قريبة جدًا من بيئة المنزل يتعلم الطفل فيها عدة مهارات نفتقد تعليمها للطفل في مناهجنا الحالية، على سبيل المثال لا الحصر: يتعلم الطفل الحمل بشتى مراحله: حمل الصينية وحمل الصينية مع مجسم من زجاج.
يتعلم الطفل أيضًا في هذه المنطقة كافة استخدامات الورق من قص وطي وتدبيس.
كما يتعلم الطفل عدة مهارات مثل عصر البرتقال، تلميع الزجاج، تلميع الأحذية، تلميع الفضيات، العناية بالنبات، إعداد المائدة.
 وكل المهارات يتعلمها الطفل بتسلسل دقيق تُدرّب عليه المعلمة مسبقًا.

2- منطقة الحواس Sensorial: وهي منطقة تحتوي على كافة الوسائل والتمارين التي تساهم في تطوير وإثراء حواس الطفل الخمس ويتعداها إلى مرحلة الإبداع في استخدام حواسه، على سبيل المثال: يقوم الطفل بعمليات التصنيف والمقارنة بين الكبير والصغير، الطويل والقصير، السميك والرفيع. يتعلم الطفل الفرق بين المر والمالح، الحلو...الخ، والفرق بين مختلف الروائح، كذلك يصنف الطفل بين مختلف الأصوات الصوت الحاد والناعم وغيره، كما يتعدى كل  ذلك ليتعلم الأشكال الهندسية وتصنيفاتها وكيف أنه يمكنه صنع أشكال هندسية كبيرة من أشكال هندسية أصغر، ويمكنه كذلك الإبداع في تصميم الأشكال الهندسية.

3- منطقة الحساب  Mathematics: يتعلم فيها الطفل الأرقام والقيام بالعمليات الحسابية البسيطة والصعبة بدءًا بالجمع والطرح والضرب والقسمة حتى الكسور. وكل ذلك بطريقة ممتعة وشيقة، ففي منطقة الحساب يوجد البنك الذي تعود فيه الطفل على عملية صرف الأرقام من كبيرة إلى صغير وتوزيعها على الوحدات العددية (آحاد، عشرات، مئات، ألوف).

4- منطقة اللغة  Language: منطقة جميلة جدًا يتعلم الطفل فيها صوت الحرف وليس اسمه لسبب بسيط هو أنه يتعلم الحرف ليقرأ الكلمة وليس للتعريف به. وبمجرد تعلم الطفل لعدد بسيط من الأحرف يمكنه صنع كلمات بسيطة ثم كلمات أكبر... وهكذا حتى يصبح الطفل قادرًا على كتابة الكلمات وقراءتها وإملائها ومن ثم ننتقل معه بعد ذلك إلى أنواع الكلمة: اسم، فعل، صفة، حرف، بطريقة ممتعة وباستخدام مجسمات خاصة بكل فئة ويمارس ذلك عن طريق عدة تمارين.

5- منطقة الثقافة Culture: تهتم هذه المنطقة بكل ما يثري ثقافة الطفل ويساهم في جعله طفلًا مطّلعًا مستقلًا باستطاعته المناقشة والإدلاء بمعلوماته المتنوعة، ونتحدث في هذه المنطقة بصفة عامة عن العلوم والجغرافيا:
العلوم Science: على سبيل المثال: الحي وغير الحي، والحواس الخمس، وأجزاء جسم الإنسان، وأجزاء جسم الحيوانات المختلفة، بالإضافة لأنواعها والتجارب العلمية المختلفة.
الجغرافيا:  Geography: على سبيل المثال: أجزاء اليابس والماء، الكرة الأرضية، القارات، الدول، الأعلام.

هذه مجمل المناطق الرئيسة الواجب توفرها في فصول المونتيسوري. وللطفل حرية الحركة في المناطق واختيار المنطقة التي يرغب العمل بها بشرط أن يكون قد عرف بالضبط طريقة العمل منذ البداية حتى النهاية لتضمن المعلمة استقلالية الطفل ومصداقية التقييم.


منهج مونتيسوري والإسلام

من الجميل جدًا أن نضفي على طريقة "ماريا مونتيسوري" العالمية ما يميزنا كمسلمين، فالإسلام ثري جدًا بكل ما يضفي على المنهج التعليمي سمة مميزة، فنستغل كل ما يتعلمه الطفل ليتعرف على الخالق سبحانه وتعالى وقدرته وآياته من حولنا. فالدين هو الأساس الروحي الذي  لابد أن ينطلق منه الطفل ليشعر بالأمان والاستقرار النفسي والتوازن.كما قال دايل كارنيجي.. وكما سبق أن ذكر فإن الطفل يتعلم كل هذا بشكل فردي وبخطة تُعد له مسبقًا حسب قدراته الفردية.

الهدف الأساسي من التعليم الفردي أن يشعر كل طفل بأهميته، وبأن له وقتًا مخصصًا له وحده، ليس هذا فحسب فكما له حقوق عليه واجبات ومهام توكل للأطفال يوميًا للعناية بالغرف التعليمية، فهناك من ينظف الطاولات وهناك من يقومون بالكنس والمسح وهناك المسئول عن ترتيب الكراسي، وهناك من يعتني بالنباتات والحيوانات إن وجدت بالغرف. هذه المهام  لها دور كبير ليشعر الأطفال بقيمتهم كأفراد عاملين ووجودهم يعني التغيير للأفضل.

هكذا نستطيع أن ننشئ جيلاً عاملاً يقدر المسؤولية ويشعر بقيمة العمل وأهميته بالإضافة لمناسبة المنهج لكل فرد، فلا وجود للتلقين إذ لا فائدة من الترديد إذا لم يُمارس برغبة وإقبال من الطالب ....فتخيلوا معي لو أن "منهج المونتيسوري" استمر مع هذا الطفل  حتى يصل إلى مرحلة الثانوية العامة كيف سيصبح جيلنا ؟! وما هو حجم التغيير الذي سنحدثه في هذا الجيل؟!

بماذا يتميز منهج مونتيسوري التعليمي عن باقي البرامج المعروفة و المتداولة ؟

يتميز منهج مونتيسوري التعليمي بعدة مميزات منها :

1- يعلم أو يلقن الأفراد كما المجموعات : في التدريس على طريقة مونتيسوري يقدم المعلم/المعلمة الدروس للأطفال بشكل منفرد و يكون بإمكان الأطفال الآخرين المراقبة في حال كانوا مهتمين .

2- ليس على الطفل أن يشارك في عمل غير مستعد له : تبقى الرغبة في التعلم هي المحرك الرئيسي لكل نشاط.

3- الأطفال يتعلمون من خلال العمل أكثر من الاستماع و التذكر : يتعلم الأطفال من خلال التدريب على أدوات تعليمية و هي تجسد المبادئ التي يجب على الطفل تعلمها أو إتقانها. فمثلاً عندما يتعرف الأطفال على الأشكال الهندسية كالمثلثات و المربعات و الدوائر، فهم يقومون بذلك من خلال الأشكال الحقيقية و يستخدمونها من خلال ابتكار التصاميم .

4- نظام المونتيسوري يقوم على حرية الاختيار و ليس على تحديد أوقات نشاطات معدة : بما أن كل شيء في بيئة مونتيسوري مصمم ليكون مفيدا وتعليميا، فإن الطفل حر في اختيار ما يناسب رغباته واهتماماته.

5- شمولية منهج مونتيسوري التعليمي : فهو يعلم أكثر من مجرد الأساسيات حيث أنه يطور :

* قدرة الطفل العقلية
* قدرته في السيطرة على الحركة
* استعمال الحواس  ( تطور الملاحظة )
* التفكير ( تطور الإدراك)
* العزيمة ( التطور الإرادي)
* وعيه و إدراكه وسيطرته على عواطفه (التطور العاطفي)
* القدرة على التمييز بين التصرف الحسن والتصرف السيء (التطور الأخلاقي)
* آلية الحصول على الأصدقاء و أن يكون عضواً مساهماً في المجموعة (التطور الاجتماعي)
* استعمال اللغة (تطور اللغة)

أي أن هذا المنهج يساعد الطفل على أن يصبح متعلما بتنمية الاستقلالية لديه و تحمل المسؤولية إضافة إلى مساعدته على ضبط اللغات و الرياضيات و التعمق في دراسة جسم الإنسان و الجغرافيا و علم الحيوان و علم النبات و العلوم الفيزيولوجية وعلوم الأرض و الفلك و التاريخ و الفن و الموسيقى و الرقص، و كذلك تعلم المهارات العملية اليومية كالطبخ و النجارة و الخياطة…

ما هو مفهوم مونتيسوري للانضباط أو النظام ؟

يقوم منهج مونتيسوري التعليمي على أساس التحكم بالانضباط الذاتي لدى الطفل، كما يسمح بتطويره وتغيير تصرفاته من خلال جذب اهتماماته و رغباته ضمن بيئة المونتيسوري المعدّة بعناية.
ذكرت الدكتورة مونتيسوري أن كثيرا من الأطفال الذين نعتقد بأنهم غير منضبطين هم في الواقع محبطون لعدم وجود التحفيز المناسب و لأن بيئة التعلم لا تناسبهم . و لهذا فإن برنامج مونتيسوري يهتم بتطوير الانضباط الشخصي من خلال تعليم الطفل كيفية التعامل مع الرغبات والاحتياجات مع التركيز على تعليم المهارات، وتطوير الطفل اجتماعيا و عاطفيا وأخلاقيا و إراديا والابتعاد عن السيطرة على الطفل من خلال المكافأة و العقاب .

مصادر : / montessori-nw /new-educ / psychologies / supermama