3 دروس مُهمة تتعلمها من حياة "ستيف جوبز".. هذا ما قاله بالتفصيل في خُطبته الشهيرة بجامعة "ستانفورد"

ستيف جوبز (فبراير 1955م – أكتوبر 2011م) -المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة آبل- ألقى في عام 2005 كلمة حفل التخرج في جامعة ستانفورد الأمريكية. وقد اشتهرت الكلمة بصدقها وعمق النصائح الحياتية فيها والتي جاءت بعد تعافي ستيف آنذاك من سرطان البنكرياس، والذي ما لبث أن عاد إليه بعد سنين.


اليوم أريد أن اقول لكم ثلاث قصصمن حياتي .. لا أكثر .. لا شيء كبير .. مجرد ثلاث قصص ..
القصة الأولى هي عن توصيل النقط :

 تركت الدراسة في كلية ريد بعد أول ستة أشهر ،ولكن بعد ذلك بدأت أتردد بشكل متقطع لمدة 18 شهراً أو نحو ذلك قبل أن أتركها تماماً..إذاً لماذا تركت الدراسة ؟ 

لقد بدأ الأمر قبل أن أولد، فأمي البيولوجية كانت صغيرة في السن وطالبة درسات عليا غير متزوجة عندما قررت أن تطرحني للتبنّي، وقد واتاها شعوراً قوياً أنه يجب أن يتبناني خريجان جامعيّان، وعليه تم ترتيب كل شئ ليتبناني عند الولادة محامٍ وزوجته، إلا انهما قررا لحظة ولادتي أنهما يريدان بنتاً، وبناءً على ذلك تلقى والدي اللذان كانا على القائمة مكالمةً هاتفية عند منتصف الليل تسألهما: "لقد حصلنا على ولد غير متوقع، هل تريدانه؟"، فأجابا: "طبعاً". 

اكتشفت أمّي البيولوجية لاحقاً أن أمّي لم تتخرج من الجامعة وأن أبي لم يكمل المرحلة الثانوية فرفضت توقيع الأوراق النهائية للتبنّي، لكنها رضخت بعد عدة شهور عندما وعدها والداي أنني سأذهب إلى الجامعة.

كانت هذه بداية حياتي، وبعد 17 عاماً إلتحقت بالجامعة، وبكل سذاجة إخترت كلية غالية الثمن مثلها مثل ستانفورد، وجميع مدّخرات والديّ - المنتميان للطبقة العاملة - كانت تُصرف مقابل رسومي الدراسية. وبعد 6 شهور لم أستطع أن أرى قيمة في ذلك، فلم يكن لدي أدنى فكرة عما أريد أن أفعله في حياتي أو كيف يمكن للجامعة أن تساعدني في إكتشاف ذلك.

وفي غضون ذلك كنت أصرف كل المال الذي ادّخره والداي طوال حياتهما، فقررت التوقف عن أخذ الدروس والثقة في أن كل شئ سيكون على ما يرام.

كان الأمر مخيفاً في ذلك الوقت، لكن بالنظر إلى الوراء أجد أنه كان من أفضل القرارات التي اتخذتها، وفي اللحظة التي قررت فيها التوقف أصبح بإمكاني ترك الفصول التي لا أريدها وأبدأ في أخذ تلك التي تبدو اكثر جاذبية.

لم يكن الأمر رومانسياً بالكامل. فلم تكن لدي غرفة داخلية ونمت في أرضيات غرف الأصدقاء، وكنت أجمع علب الكوكا وأعيدها مقابل 5 سنتات لأشتري بها شيئاً آكله، وأمشي مسافة 7 أميال عبر المدينة كل مساء يوم أحد لأحصل على وجبة جيدة أسبوعية في معبد "هير كريشنا Hare Krishna"، وقد أحببتها.

إن غالب ما انخرطت فيه باتباع حَدسي وفضولي تحوّل ليصبح لاحقاً لا يقدر بثمن.

دعوني اعطيكم مثالاً... ريد كوليدج في ذلك الوقت كانت تقدم – تقريباً – افضل فصول الخط Calligraphy في البلاد. كل بوستر داخل المجمّع الدراسي وكل علامة على كل مَرسم كانت جميلة ومخطوطة يدوياً. ولأني تركت الدراسة فلم أكن مجبراً على أخذ الفصول العادية وقررت أخذ فصول الخط لأتعلم كيف أقوم بذلك. تعلّمت عن الأحرف الطباعية Serif وSans-Serif، وعن ضبط تفاوت المساحات بين تراكيب الحروف المختلفة، وعن ما الذي يجعل الطباعة الرائعة رائعة.

لقد كان الأمر جميلاً وتاريخياً، ومتقن فنياً بطريقة يعجز العلم عن إلإمساك بها. وقد وجدتُ الأمرَ ساحراً.

لم يكن لأيٍ من ذلك أدنى أمل في التطبيق العملي في حياتي. لكن بعد 10 سنوات وبينما كنا نقوم بتصميم أول كمبيوتر "ماكنتوش Macintosh"، عاد إليّ كل ذلك وقمنا بتصميمه داخل "ماك Mac". كان ذاك هو أول كمبيوتر يحتوي على خاصية طباعة جميلة، ولو لم أكن قد اخذت ذلك الكورس في الكلية لما كان لـ "ماك" أن يحتوي على أحرف طباعية متعددة أو على خطوط بخاصية تفاوت المساحات.
وبما أن "ويندوز Windows" هو فقط نسخة من "ماك"، فعلى الأرجح أنه ما كان لأي كمبيوتر شخصي PC آخر أن يتضمن هذه الخاصية.

إذا لم أتوقف عن الدراسة لما دخلت فصول الخط تلك ولما كانت الكمبيوترات الشخصية تحتوي خاصية الخطوط الرائعة التي تتضمنها الآن.

 بالطبع لقد كان من المستحيل توصيل النقاط بالنظر إلى الأمام بينما أنا في الكلية، لكن الأمر كان واضحاً جداً بالنظر 10 أعوام الى الخلف.

مرة أخرى، أنت لا تستطيع توصيل النقاط بالنظر إلى الأمام، يمكنك فقط توصيلها بالنظر إلى الخلف. لذا فعليك أن تثق أن النقاط - بطريقة أو بأخرى - ستتصل في مستقبلك. عليك أن تثق في شئ ما، عزيمتك، القدر، الحياة، كارما، أو أيّاً كان، لأن الإيمان بأن النقاط سيتم توصيلها في نهاية الطريق سيعطيك الثقة في إتباع قلبك حتى عندما يبعدك عن مسار الجدارة، وهذا هو ما سيصنع كل الفرق.

قصتي الثانية عن الحب والفقدان:

لقد كنت سعيداً إذ عرفت ما أريد أن أفعله باكراً في الحياة. "ووز Woz" وأنا بدأنا "آبل" في مرآب والديّ عندما كان عمري 20 عاماً، عملنا بجهد، وخلال 10 أعوام نَمَت "آبل" من مجرد شخصيْنا في مرآب إلى أن صارت شركة بقيمة 2 بليون دولار و4000 موظف، وكنّا قبل ذلك بعام قد أطلقنا أفضل إبداعاتنا، "ماكنتوش"، وقد بلغت حينها الثلاثين لتوّي، ثم تم طردي من الشركة.

كيف يمكن أن يتم طردك من شركة بدأتها أنت؟ هههه

حسناً، عندما نمت "آبل" وظّفنا شخصاً كنت أعتبره موهوباً جداً ليقود الشركة معي، وطوال السنة الأولى او نحوها سارت الأمور بشكل جيد، لكن رؤيتينا للمستقبل بدأتا في التباعد، وفي نهاية المطاف تشاجرنا، وعندها وقف مجلس الإدارة إلى جانبه، وهكذا عند الثلاثين تم طردي، وقد كانت طردة مشهورة.

ما كان يمثّل مِحوَر كل حياتي الراشدة تبخّر، وقد كان ذلك مدمّراً. وحقيقةً لم اعرف ماذا افعل لعدة شهور، شعرت أنني خذلت ذلك الجيل من رجال الأعمال الواعدين، وأنني رميت الراية بينما كانت تُمرّر لي.

قابلت ديفيد باكارد وبوب نويز وحاولت الإعتذار لهما عن إفشال الأمر بهذه الطريقة، فقد كنت عندها فاشلاً مشهوراً جداً، حتى أنني فكرت في الهروب من الوادي (Silicon Valley)، لكن شيئاً ما فيّ بدأ يضئ من جديد، فأنا ما زلت أحب ما قمت به، ولم يغيّر إنقلاب الأحداث في "آبل" تلك الحقيقه أبداً. لقد تم نَبْذي لكنني ما زلت في حالة حُب. فقررت البداية من جديد.

لم أستطع أن أرى ذلك حينها، لكن أمر طردي من "آبل" تحوّل الى أفضل شئ كان من الممكن أن يحدث لي، فوطأة الشعور بالنجاح تم استبدالها برشاقة أن تكون مبتدئاً مرة أخرى، أقل وثوقيةً في كل شئ. لقد حرّرني ذلك وجعلني أدخل في واحدة من أكثر المراحل إبداعاً في حياتي، وخلال الخمسة أعوام التالية بدأت شركة اسمها "نيكست NeXT" وشركة أخرى اسمها "بيكسار Pixar" ووقعت في حب المرأة الرائعة التي اصبحت زوجتي.


"بيكسار" تطوّرت وأنتجت أول فيلم رسوم متحركة في العالم يعتمد بالكامل على الكمبيوتر Toy Story، وهي الآن ستديو الرسوم المتحركة الأكثر نجاحاً في العالم.

وفي تحوّل لافت للأحداث، اشترت "آبل" "نيكست" وعُدت انا الى "آبل" وأصبحت التكنولوجيا التي طوّرناها في "نيكست" هي قلب النهضة الحالية لـ "آبل"، وأصبح لدينا أنا ولورين أسرة رائعة مع بعضنا البعض.

أنا متأكد تماماً أنه ما كان لأي من هذا أن يحدث لو أنني لم أُطرَد من "آبل"، لقد كان الدواءُ مُرّاً لكن المريضَ كان في حاجةٍ إليه، ففي بعض الأحيان ستضربك الحياة على رأسك بحجر، فلا تفقد الأمل. إنني مقتنع أن الأمر الوحيد الذي جعلني مستمراً هو أنني أحببت ما كنت أفعل، فعليك أن تجد ما تُحب، وهذا ينطبق على العمل كما ينطبق على أحبائك ايضاً.

سيملأ العمل جزءاً كبيراً من حياتك، والطريقة الوحيدة التي ستجعلك تشعر بالرضا هي أن تقوم بما تؤمن أنه عمل عظيم، والطريقة الوحيدة لتقوم بالأعمال العظيمة هي أن تحب ما تقوم به.

واذا لم تجد ما تحب بعد، استمر في البحث ولا تستسلم، فكما هي الأشياء بالنسبة للأمور التي تتعلق بالقلب، ستعرفها عندما تجدها. ومثل أي علاقة عاطفية قوية، ستصبح كل يوم أفضل وأفضل مع مرور السنين. لذلك، استمر في البحث ولا تستسلم.

قصتي الثالثة هي عن الموت:

عندما كنت في الـ 17 من عمري قرأت مقتبساً يقول ما معناه: "إذا عشت كل يوم وكأنه آخر يوم في حياتك، فمن المؤكد أنك ستكون محقاً في يوم من الأيام". لقد ترك ذلك انطباعاً في نفسي، ومنذ ذلك الحين، وطيلة الـ 33 عاماً الماضية، كنت انظر في المرآة كل صباح واسأل نفسي: "اذا كان هذا هو آخر يوم في حياتي هل سأقوم بما أنا على وشك القيام به ؟" وعندما تتكرر الإجابة "لا" كثيراً في عدد متتابع من الأيام أعرف أنني في حاجة لتغيير شئ ما.

إن استذكار أنني سأموت لا محالة كان هو من أهم الأشياء التي دفعتني لإتخاذ الخيارات الكبيرة في الحياة، لأن كل شئ تقريباً: المظاهر الخارجية، الكبرياء، والخوف من الإحراج والفشل، كل هذه الأشياء تتساقط في وجه الموت تاركةً فقط ما هو مهم حقاَ.

تذكر أنك ستموت هو أفضل طريقة عرفتها لتجنّب الوقوع في فخ التفكير بأن لديك ما ستخسره، فأنت عارٍ أصلاً، ولا يوجد لديك سبب يمنعك من اتباع قلبك.

قبل حوالي العام تم تشخيصي بالسرطان. خضعت للكشف في السابعة والنصف صباحاً، وقد بيّن الفحص بوضوح أن هناك ورم في البنكرياس. لم اكن حتى أعرف ما هو البنكرياس، وقد أخبرني الأطباء أنه غالباً نوع من سرطان البنكرياس غير قابل للشفاء، وأنني لا يجب أن أتوقع العيش لأكثر من 3 الى 6 شهور.

نصحني طبيبي بالذهاب الى البيت وترتيب أموري، وهي طريقة الأطباء في قول: "استعد للموت"، إنها تعني أن تحاول إخبار أطفالك خلال بضعة شهور فقط بكل شئ كنت تود أن تخبرهم به خلال الـ 10 أعوام القادمة. إنها تعني أن تتأكد من أن كل شئ تم إعداده بحيث يكون الأمر سهلاً بقدر الإمكان على أسرتك. إنها تعني أن تُلقي بكلمات وداعك.

عشت مع ذلك التشخيص طوال اليوم، ولاحقاً في مساء نفس اليوم خضعت لفحص نسيج الخلايا حيث قاموا بإدخال منظار من خلال حلقي وعبر معدتي إلى داخل إمعائي وغرزوا إبرة في البنكرياس وأخذوا عينة خلايا من الورم، كنت حينها مُخدّراً، لكن زوجتي التي كانت هناك أخبرتني أن الطبيب بدأ في البكاء عندما شاهدوا الخلايا تحت المجهر، فقد تبيّن أنه نوع نادر جداً من سرطان البنكرياس يمكن شفائه بالجراحة.

خَضعتُ للجراحة، وبكل إمتنان، أنا بصحة جيدة الآن.

كان هذا هو أقرب ما كنت في مواجهة الموت، وأتمنى أن يكون الأمر كذلك لبضعة عقود أخرى، ومن خلال تجربتي تلك أستطيع أن أحدثكم الآن بثقة أكثر من ذي قبل عن فائدة الموت كمفهوم فكري نقي.

لا أحد يريد أن يموت، حتى أولئك الذين يريدون الذهاب إلى الجنّة لا يريدون الموت ليبلغوا وجهتهم، مع إن الموت هو الوجهة التي نتشاركها جميعاً ولم يسبق لأحد أن هرب منه.

وقد ظل الأمر كما هو على الأرجح لأن الموت هو الإختراع الوحيد والأفضل للحياة، إنه عامل الحياة للتغيير، يزيح القديم ليفسح المجال للجديد، "الجديد" الآن هو أنتم، لكن في يومٍ ما ليس ببعيد من الآن وبالتدريج ستصبحون "القديم" وستتم إزاحتكم جانباً. عذراً لهذه الدراما، لكنها الحقيقة.

إن وقتكم محدود فلا تضيّعوه في عيش حياة شخص آخر، لا تقعوا في فخ المُسلمّات (الدوغما) التي تقبع في نتائج تفكير الآخرين، لا تسمحوا لضجيج الآخرين أن يَطغى على صوتكم الداخلي الخاص، ,والأهم من ذلك التحلّي بالشجاعة لتتبعوا حدسكم وقلوبكم، فهي بطريقة ما تعرف حقاً ما الذي تريدونه وكل شئ آخر يصبح ثانوياً.

عندما كنت صغيراً، كانت هناك مطبوعة رائعة اسمها "كاتالوج كل الأرض The Whole Earth Catalog" وقد كانت بمثابة الكتاب المقدس لجيلنا، تم إبداعها بواسطة زميل اسمه ستيوارت براند، ليس بعيداً من هنا في "مينلو بارك"، وجعلها ترى النور بلمسته الشعرية المميزة.

كان هذا في نهاية الستينات، قبل الكمبيوترات الشخصية والنشر المكتبي Desktop Publishing، لذلك فقد صُنعت بالكامل بالآلات الكاتبة والمقصات والكاميرات الضوئية. لقد كانت بمثابة "قوقل Google" في قالب ورقي قبل 35 عاماً من ظهور "قوقل". لقد كان الكاتالوج مثالياً، غامراً بالأناقة والأفكار العظيمة.

ستيوارت وطاقمه أصدروا عدة أعداد من "كاتالوج كل الأرض" وعندما استنفذ غرضه أصدروا عدداً ختامياً، كان ذلك في منتصف السبعينات، وكنت حينها في مثل عمركم.
في الغلاف الخلفي لعددهم الأخير وضعوا صورة لطريقٍ ريفيٍ في الصباح الباكر، من ذلك النوع الذي تجد نفسك منطلقاً معه إذا كنت مغامراً، وبجانب الصورة كان الكلمات الآتية: "كُن جائعاً، كُن غبياً". لقد كانت هذه هي رسالة وداعهم بينما يتوقفون.