شخصيات تاريخية: أحمد زبانة .. أول شهيد أُعدِمَ بالمقصلة

كانت ليلة 19 جوان 1956 على الساعة الرابعة صباحا ليلة تنفيذ الحكم . .اقتيد الى المقصلة وهو يردد '' إن مت فالجزائر تحيا ''.. يقص لنا محاميه لحظاته الأخيرة فيخبرنا أنه رفض أن يلمسه جلادوه وصرخ "لا تلمسوني فلستم طاهرين" وعلى طول ممر الزنزانات ، تعالت التكبيرات التي قوبلت في مشهد مهيب بزغاريد النساء في الأحياء المجاورة مودعة أول شهيد ينفذ فيه حكم لإعدام بالمقصلة . 


قبل إكمال القصة .. من هو أحمد زبانة ؟

زبانة شاب في الثلاثين من عمره من مدينة وهران (الجزائر) ،كان عضوا في المنظمة السرية التي تحولت إلى جبهة التحرير الوطني ، عُين من طرف "الحكيم  "مسؤولا عن التجنيد وتشكيل الأفواج وتدريبها بالولاية العسكرية الخامسة.

شارك في عدة مواجهات بين جيش التحرير والجيش الفرنسي كان آخرها معركة بوجليدة ثمانية أيام بعد إندلاع الثورة والتي وقع فيها أسيرا بعدما أصيب برصاصتين إحداهما اخترقت رأسه وخرجت من أذنه اليسرى دون أن تقتله.

نقلته القوات الفرنسية إلى المستشفى ومن ثم إلى سجن وهران أين حوكم وحكم بالإعدام يوم 21 أفريل/نيسان 1955 مثل كثير غيره وبعدها بشهر نقل إلى سجن "بارباروس" بالعاصمة أين لبث قرابة سنة حتى جاءت الليلة الموعودة ليلة 19 جوان/ يونيو سنة 1956.

... في قاعة المقصلة قبل تنفيذ الحكم أصر على الصَّلاة وبعد توسلات المحامي سمحوا له بذلك فصلى أحمد لربه فأطال صلاته مما أغضب الفرنسيين فحاولوا أن يقطعوا صلاته إلا أن المحامي والشيخ المفتي"طاهر مزياني" الحاضر بالقاعة تدخلا وأكدا أنه حقه المطلق.

بعد أن أتم أحمد زبانة صلاته سلّم للمحامي رسالة لأهله ثم أُخذ ووضع على المقصلة وجاءت لحظة الصفر فأسقط الجلادون الشفرة على عنقه ،ولكنها توقفت على بعد بضع سنتمترات منه.

 في هذه الحالة يقول القانون الدولي أن التنفيذ يلغى نهائيا ولكن بما أن المعدوم ليس إلا خارجا عن قانون فرنسا فهذا لايهم وأعاد الجلادون المحاولة للمرة الثانية فحدث نفس الشيء وتوقفت الشفرة وأمام إحتجاجات الدفاع الذي أكد على ضرورة إيقاف التنفيذ كونها "إرادة الرب" حاول الجلادون للمرة الثالثة فكانت ناجحة ولكن وسط استغرابهم جميعا لم يقع رأس زبانة في السلة على الأرض كما هو معتاد ،ولم تملأ دماؤه المكان بل سالت ببطئ شديد غريب.!

الرســالة الأخـــيرة :

تلك الرسالة التي كتبها أحمد زبانة لأهله وخرجت للعلن فيما بعد حملت إيمانا كبيراً ،تهُّز كيان من يقرأها رغما عنه وتجعلني ببساطة أبكي وهذا نصها:

'' أقربائي الأعزاء، أمي العزيزة : أكتب إليكم ولست أدري إن كانت هذه الرسالة هي الأخيرة، والله وحده أعلم. فإن أصابتني أي مصيبة فلا تيأسوا من رحمة الله. إنما الموت في سبيل الله حياة لا نهاية لها، وما الموت في سبيل الوطن إلا واجب، وقد أديتم واجبكم إذ ضحيتم بأعز مخلوق لكم، فلا تبكوني بل افتخروا بي. وفي الختام تقبلوا تحية ابن وأخ كان دائما يحبكم وكنتم دائما تحبونه، ولعلها آخر تحية مني إليكم وأجملها، وأني أقدمها إليك يا أمي وإليك يا أبي وإلى نورة والهواري وحليمة والحبيب وفاطمة وخيرة وصالح و دنيا وإليك يا أخي العزيز عبد القادر وإلى جميع من يشارككم في أحزانكم. الله أكبر وهو القائم بالقسط وحده.

ابنكم وأخوكم الذي يحبكم من كل قلبه ''

كان لزاما على جبهة وجيش التحرير أن يأخذا بثأر ابنهما البار ،كان يجب أن ينتقما له وبالفعل في الليلة الموالية للإعدام ،قتل جيش التحرير 47 عميلا وأعدم رهينتين فرنسيتين.

أحمد زبانة كان يبحث عن حياة لا نهاية لها فكان له ما أراد في جنة الخلد.

وهو الذي رثاه الشاعر مفدي زكريا بهذه الأبيات الرائعة :

"" قام يختال كالمسيح وئيدا يتهادى نشوانَ، يتلو النشيدا

باسمَ الثغر، كالملائك، أو كالطفل، يستقبل الصباح الجديدا

شامخاً أنفه، جلالاً وتيهاً رافعاً رأسَه، يناجي الخلودا

وامتطى مذبح البطولة معراجاً، ووافى السماءَ يرجو المزيدا

وتعالى، مثل المؤذن، يتلو… كلمات الهدى، ويدعو الرقودا

صرخة، ترجف العوالم منها ونداءٌ مضى يهز الوجودا:

'' اشنقوني، فلست أخشى حبالا واصلبوني فلست أخشى حديدا ''

'' وامتثل سافراً محياك جلا دي، ولا تلتثم، فلستُ حقودا ''

'' واقض يا موت فيّ ما أنت قاضٍ أنا راضٍ إن عاش شعبي سعيدا ''

'' أنا إن مت، فالجزائر تحيا، حرة، مستقلة، لن تبيدا ''"