من هم "عرب الهيب " ؟ .. تعرف على الوحدة 300 !

منذ إطلاق وعد بلفور وبدء الهجرات اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية، بدأ الصراع العربي مع المُستعمر في أخذ منحى فارق. فالمُستعمر هذه المرّة يرى أن هذه الأرض حقّ تاريخي له، يتعامل معها باعتبارها ملكًا خالصًا له بكل ما فيها وما عليها. لكن وإن كان خطاب المُستعمر يتجاهل الوجود البشري القائم بالفعل على الأرض، فإن الواقع لم يتجاهله، وكذا لم يتجاهل المُستعمر في حقيقة الأمر هذا الواقع، الذي انبرى في التعامل معه.
"عرب الهيب "

بدأ اليهود المُهاجرون إلى فلسطين في خلق تحالفات مع من أمكنهم ذلك لتسهيل عملية بسط النفوذ على الأرض ومقدراتها باستدامة، ولتضييق دائرة العدو المحلّي قدر المُستطاع. ومن هُنا كانت توجهاتهم نحو عرب البادية أو من يُمكن على هامش المدينة ومركزيتها. وفي الوقت الذي تكرر فيه فشل مُحاولاتهم، لقوا الفرصة سانحة بالنسبة لبعض آخر. تحديدًا ما عُرفوا لاحقًا بـ"رُمَة الهَيْب" أو آنذاك بعرب الهَيب.

عرض عسكري إسرائيلي لجنود عرب الهيب (الوحدة 300) عام 1948.
الهيب عشيرة عربية سكنت بعض أرجاء البادية الفلسطينية، كما أنّ لها تواجدًا في مناطق شامية أخرى كسوريا ولبنان والأُردن. مُنذ بدايات الهجرة اليهودية المُوسعة إلى الأراضي الفلسطينية، بدأت تتشكل علاقات تجارية بين أبناء العشيرة واليهود المُستوطنين. وقد كان الأمر أشبه بعرف لا حفيظة عليه بشكلٍ عام، ولم تكن تلك العائلة العربية الأولى التي تخوض غمار المشاركة التجارية مع اليهود أو غيرهم من "الأجانب". لكنّها عن غيرهم ذهبت إلى توطيد أكبر للعلاقة مع اليهود.

وفقًا لبعض وثائق أرشيف مخابرات الهاجاناه التي اعتمدها كتاب "صفد في عهد الانتداب البريطاني" لمؤلفه مُصطفى العباسي؛ فقد كانت صراعات الجاه والصراع المدني الريفي/ البدوي واحدًا من أسباب نزوع بعض العرب إلى التحالف مع اليهود، كاختيار كيدي أو لغلبة كفّته مُقابل الطرف الآخر. حتى إنّ بعض العائلات البدوية اعتنقت عن بكرة أبيها اليهودية، كورقة احتجاج ضد بعض كبار أعيان المدينة، قبل أن يتدخل وسطاء في هذا النزاع، لتعدل العائلات عن قرارها الذي قالت إنّه كان صوريًا فقط.

قاتل أبناء عرب هيب، أو من قاتل منهم، تحت ما عُرف بالوحدة 300، والتي كانت بمثابة فرقة العرب العسكرية تحت اللواء الإسرائيلي. ولموقعه الجغرافي الذي جعلهم ضمن ما يعرفوا بعرب الـ48، باتت لعرب الهيب هويات إسرائيلية، عززت من مكانتهم ودورهم داخل مُؤسسات دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وللآن، لايزال لأبناء عرب الهيب دورٌ فعّال داخل صفوف الجيش الإسرائيلي، وبخاصة في وحدة قصاصي الأثر (مُقتفي الأثر). 

أيضًا يُشار إلى أنّ التحاق أعداد من الشباب العربي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، رُبما يكون عائدًا إلى بحثهم عن الإعاشة التي تتوفر لهم في جيش الاحتلال. فبحسب إحصائية رسمية، فإن رُبع الشباب الذكور المُتعلمين من عرب 48 عاطلون عن العمل، فيما أن نحو 50% من الشابات الإناث المُتعلمات عاطلات عن العمل. وقد يُوضح هذا أيضًا بشكل أو بآخر، أسباب زيادة نسب الفتيات الملتحقات بجيش الاحتلال عن الفتيان، فبحسب إحصائيات عام 2011، بلغ عدد المُلتحقات بجيش الاحتلال من الفتيات العربيات نحو 1400. علمًا بأنّ أول فتاة عربية التحقت بالجيش الإسرائيلي، تنتمي لعرب الهيب، وتدعى أميرة الهيب، حيث التحقت بالجيش عام 2004، وكانت وقتها في التاسعة عشر من عمرها.

أما فيما يخص الدروز، فإن التحليلات لعلاقاتهم باليهود، تُرجّح أنّها بدأت على إثر انعزال هذه الطائفة عن التكوين العربي للمناطق التي سكنوها أو سكنوا جوارها. لذا فإنّ الحس القومي العربي لم يطل الدروز بشكل مُؤثّر، وهو أمرٌ لعبت عليه السلطات الإسرائيلية منذ البداية وسعت إلى تكريسه بفصلها بين الهويّة الدُرزية والهوية العربية الجامعة التي تنطوي للآن على المُسلمين والمسيحيين معًا، كما كان من المُفترض أن يحدث مع الدروز باعتبارهم مُكوّنًا عربيًا فلسطينيًا.

الدُّروز وعلاقتهم باليهود

على هذا النحو تشابكت العلاقة الإسرائيلية بالدروز الذين تطوّعوا منذ البدايات الأولى للقتال جنبًا إلى جنب مع اليهود ضد العرب. هذا الأمر حقق لهم استقرارًا وأمانًا ملحوظًا عن غيرهم من أبناء فلسطين، إذ لم تتعرض مناطق الدروز إلى أي ضرر أثناء حرب 48 وما سبقها من معارك ومُناوشات. وبعد إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، انبرى الدروز للالتحاق بالدولة كمواطنين صالحين.

بدأ ما تُسميه إسرائيل بـ"حلف الدماء" بين اليهود والدروز، تحديدًا عام 1947، عندما أعلن كبار زُعماء ومشايخ الطائفة الدرزية، فتح باب التطوع والالتحاق بصفوف كتائب الهاجاناه الإسرائيلية. ومع اندلاع حرب 48 نشط الوجود الدُرزي في صفوف القوات الإسرائيلية بشكلٍ بارز، حتّى تشكلت لهم ما سُمّيت بكتيبة الأقليّات، أو كتيبة السّيف لاحقًا عند تأسيسها رسميًا عام 1974 .. وعلى مرّ السنين اللاحقة كانت تلك الكتيبة مُخصصة لأبناء الطائفة الدُرزية. كما أنّها شاركت في مُعظم الحروب التي خاضها الاحتلال الإسرائيلي على مدار أعوامه كحروب غزّة وحرب تموز/ يوليو 2014.