النوستالجيا ..لماذا نشتاق ونحنُّ إلى الماضي ؟!

النوستالجيا

ما هي النوستالجيا ؟

"النوستالجيا" هي  الحنين إلى ماضي مثالي ،وهي حالة عاطفية يتم فيها استرجاع مشاعر عابرة ولحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية، مثل أنك تتذكر زمن الطفولة الخالي من المسؤوليات والمخاوف، الراحة وتلك الأيام الدافئة، عندما كان كل شيء جيد وكان الجميع سعداء! وتتمنى لو أنك تستعيد تلك الحياة ولو للحظات.

لماذا النوستالجيا.. ؟

يقول الخبراء أن النوستالجيا هي آلية دفاع يستخدمها العقل لرفع المزاج وتحسين الحالة النفسية، لذا فإنها تكثر في حالات الملل أو الشعور بالوحدة خاصة عند كبار السن، أي عند شعور الإنسان بأن حياته فقدت قيمتها وأصبحت تتغير للأسوأ، فيقوم العقل باستدعاء ذكريات الماضي الطيبة بدفئها وعواطفها، فتعطيه تلك الذكريات الدفعة التي يحتاجها للتعامل مع التحديات الحالية وهي من السبل الناجحة في صدِّ الاكتئاب مؤقتاً، فتشعر بأن حياتك البائسة كانت ذات قيمةٍ يوماً ما !

أو هي هوس صور قديمة نراها في صور وأفلام الستينات والسبعينات، الحياة الراقية، والأخلاق العالية، الذوق الرفيع في الأدب وفي الفنون، الحياة الهادئة والشوارع الفارغة، النفوس الطيبة الصافية، الترابط الأسري، الوجوه الجميلة بلا مساحيق أو عمليات تجميل، الحياة النظيفة!

Nostalgia .. Young disease hidden

 النوستالجيا … مرض الشباب في عصرنا !!

عند رفض عقلنا الباطن واقعنا الحالى.. نحاول أن نستحضر أياماً أخرى.. أو حتى لننسى أياماً حاضرة..! ربما يكون صحياً أن نتذكر ما كان جميلاً فى الماضى.. فهو إحساس يجعلنا نشعر -فى خضم الأزمات- بأن الحياة ما زال بها ما يستحق.. وإنما ليس صحياً أن تستمر الحالة إلى أن ننعزل عن الواقع بذكريات الماضى.. فالظاهرة تتحول تدريجياً إلى مرض قد يصعب معه العلاج! المشكلة أن معظم من يعانون من هذا المرض الآن لم يصلوا لذلك العمر الذى يمكن وصفه بالعجز.. فالشعيرات البيضاء التى بدأت فى الظهور على رأسهم لم تتمكن من إخفاء لونه الحقيقى بعد.. فالشباب لم يغادرهم بعد.. ولكنهم يتصرفون وكأنهم قد بلغوا من العمر أرذله.. فالأمر لم يعد هروباً من مسئوليات الواقع.. بقدر ما هو هروب من الواقع نفسه!!

والطريف في الأمر.. أن الماضى لم يكن جميلاً كما نتخيله الآن ..! فستينات القرن الماضى لم تكن أياماً سهلة.. وثمانينات نفس القرن كانت عصراً ذهبياً لأزمات اقتصادية طاحنة.. بالإضافة إلى شبكات متهالكة من المواصلات والاتصالات..

Nostalgia .. Young disease hidden

 فالزمن الحالى يعتبر أفضل بكثير من تلك الأيام.. لقد اختبأنا في الماضي ليس لأنه كان جميلاً كما نحاول أن نقنع أنفسنا الآن.. بل لأننا نرفض الحاضر.. ولا نرى مستقبلنا واضح المعالم .. ولأن جيل الوسط -الذى تخطى سنوات الشباب الأولى- فقد إحساسه بمتعة الحياة.. وقرر أن يتقمص دور العجوز.. ويكتفي بذكريات الماضي.

النوستالجيا .. و الإنهزامية التي تحكمنا .. !

نعم .."النوستالجيا" حالة سوية وطبيعية يمتاز بها الإنسان عن باقي الكائنات، ولكنها قد تتحول من نعمة إلى نقمة حينما نتمترس خلفها منكفئين في محاولة يائسة لتحويل حضورنا في هذا العالم وعلى كل الصعد إلى ما يشبه الكائن الذي يرفض الخروج من شرنقته خوفاً من مواجهة العالم، رافعاً شعارات مثل: نحن الذين قدمنا للعالم كذا وكذا.. أجدادنا فعلوا كذا وكذا.. لولا حضارتنا لما وصل العالم إلى ما وصل إليه اليوم.. وغيرها الكثير من الشعارات التي لا تجافي الحقيقة ولا ينكرها أحد، إلا أنها وعلى المقلب الآخر باتت تشكل حالة هروب عرجاء لاستحضار دائم للتاريخ تكاد تفقدنا القدرة على التمييز بين قيم ومفاهيم لم تعد صالحة، يعني أكل الدهر عليها وشرب.

وبين قيم ومفاهيم أخرى تبدو صالحة ليس بحرفيتها كقوالب جاهزة ومعلبة مسبقاً، إنما كأرض خصبة يمكن إعادة البذر والزرع فيها بما يمكنها من مواكبة العصر وامتلاك الأدوات الملائمة للدخول في السباق المحموم بين شعوب الأرض، وبالتالي امتلاك القدرة على المشاركة في الفعل الثقافي والحضاري المعاصرين، وليس الاكتفاء بدور المتفرج أو المتلقي أو المتوجس الشكّاك الخائف من كل جديد، والمستعدي له بشكل مسبق على خلفية أصبحت بائسة وهشة تقول: هذا الجديد جاء ليلغي الماضي!!.

نفخر بماضينا ونحترمه.. نعم، ولكن ليس هذا كل شيء.. أن ندرك ونعي ما كنا عليه في الماضي مسألة تبدو في غاية الأهمية، ولكن الأهم إدراك ما نحن عليه الآن!!.

أخيرا .. النوستالجيا خفي المعالم .. وتأثيره شديد الخطورة على الشباب هذا البلد الطيب.. فلتصنعوا لهم واقعاً يقبلونه.. فلا تجعلوا أحلامكم تتوقف .. واستبدلوها بالشوق إلى بناء مسقبل عظيم أفضل كثير من ذكرياتنا السيئة والتي نظن أنها جميلة.. نعم لا تيأسوا يمكنكم ذلك فلكل عصر جماله وذكرياته.. تفائلوا بالقادم .. ومن لا يحلم بالمستقبل.. حتماً لن يصنعه!!