تعَلَّم كيف تتكلم ... لتنجح في الحياة "أسرار فن الخطابة"

دعيت إلى تناول العشاء مع صديق قديم كان زميلا لي في أيام الدراسة. و بعد أن جلسنا إلى المائدة، و معه زوجته و ولده، أخذ يتمتم بكلمات فهمت من خلالها أنه يحمد الله و يشكره، و لكني لم أميز كلمة واحدة. 

تعَلَّم كيف تتكلم ... لتنجح في الحياة "أسرار فن الخطابة"

و لم تمض دقائق حتى أشار الولد إلى لون من الطعام و تفوه بكلمات مبهمة لا تختلف كثيرا في طريقة نطقها عن طريقة والده، فغضب الوالد على الفور، و صرخ في وجه ابنه قائلا: قلت لك ألف مرة يجب أن تتكلم بوضوح حتى يستطيع السامع أن يفهمك.

و تنهدت الأم ثم عقبت في صوت مضطرب تؤيد زوجها فيما ذهب إليه. و تجهم الولد ثم غادر الغرفة و هو يبكي، فقال صديقي موجها الحديث إليّ: " لست أدري ماذا أصنع مع هذا الولد .. إنه يغمغم دائما و لا يقول شيئا واضحا، و لست أدري ما علة هذا الغموض في الحديث؟".
فقلت على الفور: إنك أنت و زوجك المسؤولان عن ذلك. فأنتما تأكلان أواخر الكلمات، و الصبي في الواقع يقلدكما.

و لمست لأول وهلة أنهما جرحا في شعورهما، و لكن سرعان ما اعترف الوالد بهذا النقص فيه ثم قال في هدوء: " قد تكون مصيبا فيما تقول .. إن رئيسي في العمل أبدى غير مرة عجزه عن متابعة ما أقول، و لكني كنت أغضب حينذاك و أحسب أنه يعتمد التعريض بي أمام زملائي".

و قالت الأم: " و أحسب أنك محق أيضا فيما ذهبت إليه بالنسبة لي. لقد حاولت مرارا أن أعبر عن رأيي خلال انعقاد مجلس إدارة الجمعية التي اشتركت فيها أخيرا، و لكن الخوف كان يتملكني في كل مرة، فيضطرب الحديث و لا ألبث أن ألوذ بالصمت ".
و تمثلت في مخيلتي حينذاك صور مئات من معارفي الذين يشكون من عيوب في الحديث متشابهة و لكنهم لا يفطنون لها.

ذكرت صديقي رجل الدين الذي كان رغم ذكائه و سعة اطلاعه لا يكاد يلقي عظة حتى يسخر منه السامعون، أو يغطون في النوم قبل أن يفرغ منها، و كان الدم يتجمد في عروقه كلما دعي إلى الاجتماع مع رؤسائه في لجنة أو مؤتمر. و لهذا كانت تسند إليه في كل عام وظيفة أقل من سابقتها.

و تذكرت صديقا ذكيا نشيطا، ضاعت منه فرص كثيرة للتقدم في عمله، و ذلك لأنه كان يفأفيء في حديثه، و يتحاشى أن يتصل برؤسائه و أن يتفاهم معهم.
و كذلك تذكرت مدرسة شابة جميلة، أتت إليّ يوما و هي تبكي، ثم ذكرت أنها لن تعطي درسا آخر في التاريخ، لأن تلميذاتها أخذن يضحكن منها أثناء الدرس لغير ما سبب ظاهر..

في جميع هذه الحالات، كان العيب الرئيسي مضغ الكلمات و إدماج إحداهما في الأخرى، كما كان الخوف من الكلام يعوق المتكلمين عن التعبير عما يدور بخلدهم بطريقة مفهومة واضحة.

حدثني مدير إحدى المؤسسات عن شاب ذكي، ابتكر طريقة لزيادة الإنتاج، فلما طلب إليه أن يشرح طريقته في الاجتماع الإداري الخاص بهذه البحوث، خجل و تملكه الخوف من الكلام وسط جمع من كبار موظفي المؤسسة، فاعتذر عن الحديث و انسحب من الاجتماع. و كان أن قام زميل له بشرح تلك الطريقة في اجتماع آخر، فعهد إليه في تنفيذها. و لم يلبث أن رشّح لوظيفة أكبر، بينما ظل الشاب صاحب الفكرة لم يتقدم في وظيفته.

و ليست حاجة المرء إلى القدرة على الكلام الواضح المقنع وليدة يوم، فقد فطن "ديموثيتس" إلى ذلك منذ عدة قرون، فأخذ يدرب نفسه على إجادة هذا الفن حتى غدا أكبر خطيب في أثينا.

و قد قضى ( أبراهام لنكولن ) فترة طويلة في صدر شبابه يتدرب على الإلقاء كي يؤثر في نفوس سامعيه، فنجح في بلوغ هدفه و تحقيق أمنيته. و أصبح رئيس الولايات المتحدة ..

و كان (تشرشل) كثير التلعثم في حديثه و هو صغير، و كان معروفا بصوته المنفّر، و لكنه ما لبث أن تغلب على هذه العيوب و أصبح من الخطباء المعروفين.

العبارة الواضحة

و لعل من أسباب نجاح فرانكلين روزفلت و ايزنهاور، قدرتهما على تصوير آرائهما و عرضها في عبارات واضحة و لهجة غير منفرة.

و لا تحسبن المهارة في الحديث و الإلقاء وقفا على الموهوبين، فقد منحك الله كم منحهم، جميع الآلات الصوتية اللازمة للكلام الجيد المفهوم. و لكن الفارق بينك و بينهم أنهم يعرفون كيف يستخدمون جميع أجزاء هذه الآلات، و كيف يلائمون بينها فلا يجهد أحدها بينما تظل الأخرى عاطلة.

و لو أتيح لك أن ترى - بالأشعة- مرة كيف تحدث الأصوات عند الإنسان لرأيت أن المرء يستنشق الهواء وقود الصوت، ثم تدفعه عضلة الحجاب الحاجز إلى أعلى، فيندفع داخل القصبة الهوائية ثم الحنجرة " الدهليز " و هو أعلى جزء فيها، و يحد من أعلى بوتري الصوت الكاذبين و من أسفل بوتري الصوت الحقيقيين اللذين يهتزان بقوة اندفاع الهواء محدثين بعض النغمات. و هذه تصل إلى الفم و الأنف -اللذين يكبران الصوت- فتتحول النغمات إلى حروف عن طريق اللسان و سقف الحلق و الشفتين و الفك. و نطق الحروف المتحركة يكون بتغيير شكل الفم و حجمه. أما نطق الحروف الساكنة فيكون بإيقاف النغمات عند الدهليز. 

و المتكلم الجيد يستخدم الأعضاء التي تشترك في إحداث الصوت. و معنى هذا أنه يتنفس بانتظام، و يحتفظ بالأوتار الصوتية حساسة لينة سهلة الإنثناء. و هذا يعني أيضا استرخاء جميع أجزاء الفم عند الكلام، و بذلك تخرج الكلمات واضحة، و يكون الصوت رخيما قويا. 

ثم تأتي بعد ذلك مسألة السرعة إذ ينبغي ألا تزيد سرعة الكلام على 120 كلمة في الدقيقة، و لا أن تنقص عن ذلك كثيرا. على أن المتكلم اللبق يقسّم حديثه إلى مجموعات من الجمل ذات مغزى. ثم يقف بين الواحدة و الأخرى وقفة طبيعية يستعيد بها قدرته على الإلقاء و رخامة الصوت..

فإذا كنت تحس أن كلامك مبهم مضطرب و نبرات صوتك تثير سخرية السامع أو لا تسترعي التفاته، فجرب التمرينات التالية عشر دقائق كل يوم لمدة شهر.

1- خذ نفسا عميقا، ثم الهَثْ في سرعة و نشاط حتى تتعب. ثم حاول أن تضحك و أنت تستنشق الهواء ببطء عدة مرات. و حاول عند الزفير أن تكرر كلمة "هات" و "هوت" و لا تيأس إذا أجهدتك هذه التمرينات في الأيام الأولى، فإن ذلك يدل على أن عضلة الحجاب الحاجز عندك في حاجة إلى تنشيط.

2- لتنشيط عضلات الزور و الفكين، حول رأسك في حركات دائرية. ثم تثاءب و أدر فكيك ببطء من جانب إلى جانب. ثم اقرأ في همس و بسرعة حتى تتعب الأوتار الصوتية. إن بعض عيوب الكلام ترجع إلى ضعف نبرات الصوت و إلى سوء نطق الحروف التي تتكون بتحريك اللسان و الشفتين و الأسنان و سقف الحلق و الفكين و أوضاع مختلفة. و هذه التمرينات مفيدة لتفادي هذه العيوب.

3- إذا كنت " أَخْنَبَ " أي كان كلامك يبدو كأنه صادر من أنفك، فإن ذلك يرجع إلى أنك تسد أنفك أثناء الحديث، فتحرم نفسك بذلك من " مكبر " و مرشح مهم للصوت. هذا إذا لم تكن في فتحتي الأنف زائدة أو غيرها من الحواجز المرضية التي ينبغي علاجها و استئصالها. و عندئذ حاول أن "تدندن" لبعض دقائق، و أن تعوّد نفسك إخراج الصوت من الأنف بالإكثار من ترديد كلمات تنتهي بالحرفين "م" و "ن" أو المقطع "انج" مثل "عوم" ، "لون" ، "باذنج" و "لارنج" و هكذا.

و هذه نصائح تستطيع إذا اتبعتها أن تصبح خطيبا مفوَّها:
1. أنظر إلى الذين تتحدث إليهم.. سواء كانوا شخصا واحدا أم ألف شخص.
2. افتح فمك جيدا و أنت تتكلم و دع الكلمات تخرج واضحة و بصوت عال.
3. ليكن فمك خاليا من لفافات التبغ أو العلكة و ما شابهها.
4. اجلس أو قف معتدلا، بحيث تكون عضلات حلقك و فكيك مرتخية حتى تستطيع أن تتنفس و تتكلم بسهولة.
5. كن منبسط الأسارير، و أنت تلقي خطابا، شديد الثقة بنفسك مؤمنا بحديثك.

المصدر: كتاب كيف تكسب الثروة و النجاح و القيادة لدايل كارنيجي.