لماذا لا تستمتع بحياتك تمامًا ما دمت ستعيش مرة واحدة ؟

كتب الدكتور "بيتر ستاينكرون" يقول : قال أنطوان تشيكوف - الأديب الروسي الشهير - : أعتقد أنه لا سعادة حقيقية للإنسان إلا بالكسل ..

لماذا لا تستمتع بحياتك تمامًا ما دمت ستعيش مرة واحدة ؟

قد يبدو هذا القول تهكمًا، و لكن ما أكثر ما فيه من الحقيقة. فإن الإنسان الذي يقضي حياته في عمل متواصل  ، لا يتوقف عن ذلك إلا ريثما يزدرد لقيمات تقيم أوده ، أو لأن سلطان النعاس غلبه على أمره لا يمكن أن يكون إنسانا سعيدا في حقيقة الأمر و إذا كان لا يشعر بالتعاسة ، فلأنه لم يتسع له الوقت ليسأل نفسه ، أو ليعرف طعم الحياة.

و لتعلم أنه إذا لم يتسع أمامك الوقت ساعات كل يوم تشعر فيها أنك غير مطالب بشيء على الإطلاق ، فتستطع أن تستلقي أو تتمشى أو تقرأ، أو تذهب إلى السينما .. إذا لم يتسع الوقت ساعات كل يوم لتفعل هذا كما تشاء ، فأنت إنسان غير سعيد.

و من سوء طالع الإنسان ، أن الفترة الأولى من حياته و منذ فجر شبابه ، بمعنى أصح ، لا تسمح له بذلك كما يشاء و يريد .. فإن مطالب العيش، و الطموح إلى بناء المستقبل، لا تترك للإنسان وقتا للكسل. و إذا تركت له بعض الوقت ، فإن دماء الشباب الفوارة تجعله يشغله بما لا يقل إجهادا عن العمل .. فإذا انسلخ عهد الشباب، أصبحنا أرباب أسر و آباء أطفال، و كان علينا أن نفكر في تأمين شيخوختنا، و تأمين أولادنا إذا حدث لنا أمر الله المحتوم ، و لذا ننهمك في العمل و لا نسمح لأنفسنا بذلك الكسل اللذيذ ، و نضطر - أسفين - إلى تأجيل هذه المتعة الكبرى - التي هي شرط السعادة الضروري - حتى الشيخوخة ...

فالشيخوخة، أو بمعنى أصح سن التقاعد، هو السن الذهبي الذي يحلم به كل إنسان، كي ينعم بالكسل الجميل، و يستطيع التصرف في حياته كما يشتهي.

فأنت لا تملك وقتك إلا إذا كان فارغا من المسؤوليات و المطالب. أما و أنت مسؤول، فوقتك مشغول ، و أنت ملك لوقتك و ليس وقتك ملكا لك.

و ليس هناك في الواقع حد معين تستطيع أن تقول عنده للتاجر أو المحامي أو الطبيب أو المزارع : الآن يا صاحبي يجب أن نتقاعد، فقد بلغت الخامسة و الستين، و هي سن التقاعد المقرر..

و ذلك لسبب بسيط جداً، و هو أن الأشخاص يختلفون كثيرا في تكوين أجسامهم، و ظروفهم المالية و العائلية، بحيث يجب أن يترك للشخص نفسه تحديد سن تقاعده.

فمتى يجب أن نبدأ في التفكير في التقاعد: 
الجواب الصحيح عندي لا شك سيدهشك فأنني أرى أن الإنسان العاقل يجب أن يبدأ التفكير في التقاعد و هو دون سن العشرين:
فمنذ تلك السن يجب أن تفكر و تستعد، حتى تكون متأهبا للتقاعد في أقرب وقت ممكن، فلا يكون تقاعدك لأنك لم تعد تستطيع العمل، بل لأنك قادر على وقف العمل كي تتفرغ لمزاجك. و ليس لأنك لم تعد تصلح لانتظار الموت..
بل لأنك تريد أن تبدأ الحياة الحقيقية، و ما زلت صالحا لها.

فيا حبذا لو كانت مادة التقاعد من مواد الدراسة في المدارس الثانوية و العالية، حتى لا نفسد حياتنا، و نخسر أجمل ما فيها، و هو وقت الحلم الذهبي، أي الكسل و الحرية.

فإذا كنت تستطيع التقاعد في سن الخامسة و الأربعين، فلا تجعلها خمسين: و إياك أن تضع خطتك منذ البداية على أنك ستتقاعد في سن الخامسة و الستين ، لأنك غالبا سوف لا تتمتع بالعهد الذهبي إلا خمس سنوات ، كما أنه يحتمل كثيرا أن تكون قد صرت مهدما فتقضي تلك السنوات مقعدا منغصا لا تستطيع التلذذ بحريتك كما أنه يمكن أيضا ألا تبلغ سن الخامسة و الستين على الإطلاق.

و ثمة شيء آخر: عليك منذ حداثتك أن " تضع عينيك " على هواية تستمتع بها بعد التقاعد.. فلا يخطرن ببالك أنك ستسعد في تقاعدك بقضاء السنوات في لف أحد إبهاميك حول الآخر، أو في حبات المسبحة، و أنت تحملق في السماء أو في الماء.

و من الهوايات الجميلة القراءة، الموسيقى و صنع السجاد، و الرسم و جمع طوابع البريد و علم الحشرات، و ما إلى ذلك.

و هناك خطأ شائع جدا، هو أن التقاعد يقصر العمر، و يذكرون مثلا لذلك حالات رجال كانوا بأحسن صحة و هم يعملون، فلما تقاعدوا لم يعمروا طويلا و ماتوا.

و تعليل ذلك عندي يسير : فإن طول مدة العمل تضعف المقاومة، فإذا توقف الإنسان مرة واحدة عن العمل و لم يكن عنده ما يشغله إطلاقا - كالهوايات التي ذكرت آنفا - كان ذلك أشبه بنزول الشخص من القطار و هو يجري بأقصى سرعته. ذلك أن أجهزته كلها معقودة على روتين مجهود معين بسرعة معينة، فإيقافه فجأة يحدث مرة شديدة، هي التي تسبب ذلك الانطفاء السريع بالوفاة، أو بالعته..

المصدر: كيف تكسب الثروة و النجاح و القيادة .