لماذا نحن أمة لا تقرأ ؟.. هل حقا لا يوجد لدينا وقت للقراءة ؟

قد يصادف أحيانا أن تسأل شخصا ما في مكان ما عن نوعية الكتب التي يقرأها، فيجيبك يا ليتني أمتلك وقتا كافيا لكي أقرأ فيه ما لذّ و طاب من أصناف الكتب و غيرها من المعلومات المخزنة على وسائل الحفظ الحديثة ! و حين تسأله عن برنامجه اليومي ، لربما اكتشفت أن لديه هذا الوقت و لو لفترة قصيرة و معقولة.

هل حقا لا يوجد لدينا وقت للقراءة ؟

فماذا ينجز الواحد منا في يومه من أعمال ؟ و ما هي انشغالاته ؟

في تجربة شخصية حصلت لي، جرى الآتي:
- لماذا لا تقرأ يا فلان؟
* لا أمتلك وقتا للقراءة!
- لماذا؟
* عندما انتهي من دوام المدرسة، أركب السيارة مباشرة، و عيني على البيت، و بطني يتضور جوعا، أسرع متخيلا نوعية الغذاء، و بعد الأكل أنام مباشرة ثم أصحو لألبس ملابس الرياضة و ألعب الكرة حتى يبدأ قرص الشمس بالمغيب. و في الليل بعد العشاء أبدأ بتحضير دروسي، ثم أذهب لزيارة الأصدقاء لنتبادل الأحاديث و النكات، و أخيرا أخلد للنوم استعدادا للذهاب للمدرسة.

- هل هذا هو برنامجك اليومي؟
* كلا، فهذه خلاصة و جوهر البرنامج، الذي تطرأ عليه بعض التغييرات البسيطة.
- إذا، أنت تملك الوقت الملائم للقراءة إن أجريت بعض التعديل؟
* كلا، فالحياة مليئة بالأعمال.

هكذا انتهى الحديث بيني و بينه، ثم التقيت به في مجلس و تبادلنا الأحاديث و النكات و جلسنا سوية حوالي ثلاث ساعات، و قبل أن أنصرف نظرت إليه، وقلت له حقا أنت لا تجد الوقت الكافي للقراءة، فأنت مشغول و لا تمتلك وقتا لذلك .. ابتسم في وجهي قائلا: أليس من حقنا أن نرتاح لننتج في المدرسة؟!

ما حدث لي و شبيهه، قد يحدث للكثيرين، و قد يلاحظ القارئ أن الحديث عن ضيق الوقت حديث مفتعل، فالإنسان إذا أراد القراءة سعى لها سعيها و عمل على اقتناص الوقت لذلك.

هل حقا لا يوجد لدينا وقت للقراءة ؟

فكيف يتسنى - على سبيل المثال - لهذا الإنسان أن يجد الوقت الملائم كي يحضر إلى الملعب لمشاهدة مباراة في كرة القدم تتجاوز الساعة و النصف و تزيد أحيانا؟ و قد يعقبها بمشاهدة مباراة أخرى عن طريق التلفاز. و كيف يتسنى له أن يجد الوقت ليجلس بالساعات في المقاهي و المنتزهات ثم لا يجد وقتا كافيا ليقرأ فيه بعض الصفحات؟!

و كيف يتسنى للمرأة في مجتمعاتنا أن تتحدث في التلفون مع زميلاتها بالساعات، و تتسوق في معظم الأسواق، ثم تتذرع بأنها لا تجد الوقت الملائم للقراءة؟
و ماذا يفعل من يركب القطار .. أو الحافلة .. أو الطائرة، في رحلة سفر، أليست تجربة القراءة في مثل هذه الحالات خير وسيلة للقضاء على الملل و الفراغ؟

يحكى أن أحد الأطباء، كان يتذرع و يشكو من قلة و ضيق الوقت، الذي من الممكن أن يخصصه للقراءة، و صمّم يوما على أن يلج هذا العالم، فوضع له برنامجا كالآتي: أن يقرأ قبل خلوده للنوم لمدة ربع ساعة، و هكذا كان برنامجه اليومي، قراءة ربع ساعة فقط! حتى أصبح مع مرور الوقت من الأدباء، و ذلك بعد أن عمل على زيادة أوقاته المخصصة للقراءة. 

و يقول أحد الكتَّاب: " لقد قمت أنا بتجربة الاستفادة من الفراغات، الأقل قيمة، فأخذت معي كتيّبا صغيرا من النوع الذي يمكن وضعه في الجيب، و صممت على قراءته في وقت " قضاء الحاجة ".. و لقد اكتشفت أن هذا الوقت اذي ربما يخجل البعض من ذكره، يمكن أن يستغل في المطالعة، و أنه لو استغل بشكل جيد، فإنه سوف يوفر كل شهر ما لا يقل عن مائة و خمسين دقيقة !
و إذا كان هذا شان أوقات الفراغ في التواليت، فكيف بأوقات الفراغ في أوقات الانتظار، و ما شابه ذلك؟ ".

فالوقت موجود و لكن الوعي بأهمية القراءة، و امتلاك الرغبة في ممارستها، و تحصيل الإرادة من أجل تحقيقها، هو ما نفتقده، فالمرء بحاجة لأن يعي أهمية القراءة و دورها المؤثر في الارتقاء بفكره و سلوكه، و هذا ما ينقصنا، فنحن للأسف الشديد ما زلنا حتى الآن نجهل أهمية القراءة و فوائدها الكبرى، و ليس غريبا أن نسمع من أبناء أمتنا من يقول إننا أمة لا تقرأ، و أبرز مثال على ذلك أن الناشر العربي لا يطبع – عادة – أكثر من ( 3000 ) نسخة للكتاب الواحد في أمة يتجاوز عدد أفرادها ( 300 ) مليون نسمة !.

من كتاب : العلاج بالقراءة