قصة الطبيب الشجاع الذي أجرى عملية جراحية لنفسه!

أية جُرأة، أية صلابة، أي رباطة جأش يمكن أن يمتلكها الإنسان حتى يُجري عملية جراحية لنفسه؟!! كيف تطاوعك نفسك أن تُحدث شقاً في جسمك؟! وكيف استخدمت المخدر ثم تابعت العمل برأس تتمايل من تأثيره؟! وكيف تعرفت على الجزء الذي تريد معالجته رغم معاناتك الألم؟! كيف أصلحت ما أردت إصلاحه ثم أعدت جرحك إلى وضعه الطبيعي؟! كيف وكيف وكيف…

قصة الطبيب الشجاع الذي أجرى عملية جراحية لنفسه!

أسئلة خطرت في ذهني عندما سمعت بهذا الطبيب الروسي الشاب (27عاماً) "ليونيد روجوزوف" الذي أجرى عملية استئصال الزائدة الدودية لنفسه في القارة القطبية الجنوبية عام 1961، بعد أن أُرسل مع بعثة ليس لدى أي منهم خبرة بالطب سوى أنهم جلسوا على كرسي طبيب الأسنان بعضاً من المرات في حياتهم.

كان طبيباً ذو بداية واعدة في عمله، لكنه ذهب مع البعثة قبل تقديم أُطروحته في طرق علاج السرطان، وكان الطبيب الوحيد فيها، وبعد وصوله القاعدة بستة أسابيع بدأ يشعر بالمرض: ضعف، غثيان، ألم في البطن مع ارتفاع في درجة الحرارة، وبصفته طبيباً كان التشخيص سهلاً عليه، فعرف من فوره أنه يعاني من التهاب حاد في الزائدة الدودية.

لكن أقرب مركز طبي كان على بعد 800 كم، ودوّن الطبيب في مذكرته أن آلامه تزايدت ولم يعد يرى خياراً أمامه سوى إجراء عملية جراحية لنفسه، بدلاً من الجلوس مكتوف الأيدي.

تناول الطبيب بعض المضادات الحيوية، وقام بمحاولات لتخفيض حرارته، لكن الحالة العامة كانت تسوء وتسوء، وبدأت التحضيرات للعملية، حيث اجتمع أصدقاؤه في غرفة، بعد أن أخرجوا منها الاثاث، وأبقوا سريراً، كما تمت إضاءة الغرفة بالأشعة فوق البنفسجية مما أتاح تعقيم الغرفة، والسرير، ووفر الإضاءة الجيدة لها.

عندما بدأ العملية تحت التخدير الموضعي، أبقى الطبيب نفسه بحالة من الوعي تكفي للانتباه لما يقوم به في العملية، مع عدم الشعور بالكثير من الألم، وعندما كان يصل إلى حالة يفقد فيها وعيه، يقوم العلماء المرافقين له في البعثة بحقنه بعقار معين ينشطه قليلاً.

كان يقوم بالعملية بوضعية المتكئ، وتعاون فريق العلماء في حمل المرآة التي استعان بها في رؤية ما يقوم به، وقام البعض بمناولته الأدوات الجراحية.

أثناء العمل الجراحي واجه الفريق والطبيب بعض الصعوبات، حيث سمع الفريق صوتاً من أمعاء الطبيب أثناء عمله، وكان الموقف صعباً عليهم ، لكنهم واصلوا حتى النهاية، وكان الطبيب يتعرق بشدة، حتى انهى عمله مبتلاً من كثرة التعرق، فتناول حبوباً منومة وخلد للراحة.

كانت حرارة الطبيب في اليوم التالي حوالي 38 درجة سيليزيوس، لكنه شعر أنه تحسن بعد أن استمر في تناول المضادات الحيوية، وأصبحت حرارته طبيعية بعد خمسة أيام، كما قام بإزالة الخيوط الجراحية، وعاد للعمل بعد أسبوعين، واستمر به لمدة سنة في القطب الجنوبي، وبعدها عاد إلى لينينغراد حيث يقطن، وذهب إلى عيادته صباح اليوم التالي، كما أكمل أُطروحته التي ترك العمل بها بعد ذهابه إلى القطب.

تعتبر هذه العملية الناجحة الأولى من نوعها تحت ظروف صعبة، دون وجود عناية المستشفيات وتعقيمها، ودون أي مساعدة خارجية، لم يقم أحد قبل ليونيد بشق بطنه للقيام بعملية تحت التخدير الموضعي، لكن الموقف الذي وُضع فيه هذا الطبيب، دفعه لفعل المستحيل إنقاذاً لحياته، معبراً عن إرادة فذة، رافضاً أن يُمجده الناس.

فقد كان يقابل كل من يمتدحه بابتسامه يقول بعدها: "عمل كأي عمل آخر، حياة كأي حياة أخرى"

ختاماً أترككم مع اقتباس من مذكرة ليونيد التي كتبها بنفسه..

"عملت بدون قفازات، كان الرؤية صعبة، ساعدتني المرآة، لكنها أعاقتني أيضاً، فهي تريك الأشياء بالمقلوب، لذا عملت بشكل رئيسي عن طريق اللمس، وكان النزف شديداً، لكنني أخذت وقتي وحاولت أن أتأكد من عملي.

عندما قمت بشق غشاء البيرتوان، آذيت الأعور، وكان عليّ خياطته، وفجأة انتبهت إلى العديد من الإصابات الأخرى التي لم ألاحظها.

بدأت أضعف وأضعف، وراودني شعورٌ بالدوار، فكنت آخذ استراحة من عشرين إلى خمس وعشرين ثانية كل أربع أو خمس دقائق من العمل…

 أخيراً شاهدت تلك الزائدة اللعينة، وأصابني الرعب عندما لاحظت البقعة السوداء آخرها، وهذا يعني أنه لو بقيت يوماً واحداً لانفجَرَت، و…

أسوء اللحظات التي عانيت منها وأنا أزيل الزائدة عندما شعرت بارتفاع ملحوظ في سرعة دقات قلبي تبعها انخفاض، كما شعرت بأن يدي كالمطاط، ولم يبق سوى إزالة الزائدة.

حسناً، لقد ظننت أن ذلك سينتهي بشكل سيء، وبعدها أدركت أنني نجوت…"

 المصدر