هل تريد النجاح في عملك و زيادة قدرتك على الإنتاج ..إليك الحل

يروى أن زنجيا إفريقيا شهد لأول مرة مباراة في التنس بين جماعة من الأجانب، فعجب إذ رآهم يبذلون جهدا عنيفا في اللعب، فيجرون وراء الكرة بمضاربهم و يقفزون من جانب إلى جانب. فلما انتهت المباراة، قال لأحدهم: " لماذا لا تدعون خدمكم يؤدون هذه المهمة الشاقة؟.."

هل تريد النجاح في عملك و زيادة قدرتك على الإنتاج ..إليك الحل

و ما أكثر آمال هذا الزنجي بيننا، ممن لا يفرقون بين اللعب و العمل، و من يجهلون كيف و متى يلعبون. على أنه ليس أضر بصحة الجسم و النفس زمن ألا يكون هناك توازن بين اللعب و العمل في حياة المرء، و قد ثبت أن مواصلة العمل دون أن تتخلله فترات للعب يؤدي عادة إلى قلة الإنتاج. و ذلك لأن فترات اللعب هذه هي الفرصة التي يعيد فيها المرء شحن "بطاريته" التي أفرغها ما بذل في العمل من جهود.

إن الرجل الذي لا يلعب مطلقا، و يكرس كل وقته لعمله، قد يعجب بنفسه لأول الأمر، لاسيما حين يجد من يعجبون بتفانيه في العمل و يصفونه بأنه "دينامو"، و لكن هذا "الدينامو" لا يلبث قليلا حتى تضعف حركته و يفقد قوته. و يضطر إلى التوقف عن العمل، و قد يطول توقفه عشرات الشهور، ريثما تتجدد قواه و تواتيه القدرة على استئناف العمل.

و لا شك في أن اللعب يحتاج - مثل العمل - إلى بذل كثير من النشاط، و لكن شتان ما بين النشاط الذي يقضيه هذا، و النشاط الذي يتطلبه ذاك.

فاللعب كما يقول الطبيب النفساني الدكتور "فنجر" : "نشاط نختاره بمحض إرادتنا طلبا لما نجد فيه من المتعة، دون أن تحفزنا إليه ضرورة ما، ثم نكون أحرارا في تركه أو الاستمرار فيه كما نريد. أما العمل فهو على عكس ذلك، نشاط نضطر إلى بذله طلبا لقيمته المادية، و لا يسعنا إلا أن نمضي فيه" .

و يعرف البروفيسور "ماي" العمل، بأنه نشاط مصحوب بالقلق، خشيته فقدانه أو عدم النجاح فيه. و هذا القلق من شأنه أن يحول دون الشعور بما قد يكون في العمل من متعة.
و ليست هناك أنواع معينة من النشاط يتحتم عدّها عملا أو لعبا، و على هذا يمكن أن يعد من قبيل اللعب قيا العالم النفساني بعمل البستاني، أو قيام البستاني بعمل النجار، و قيام النجار بعمل الفلاح، و قيام الفلاح بعمل الطباخ.

كان " إيزنهاور" في الحرب الأخيرة يكرس جانبا من وقته ليرفه عن نفسه عناء العمل بممارسة ركوب الجياد و لعبة البردج و قراءة الروايات الخفيفة فلما اشتدت مشاغله قبيل غزو فرنسا لطرد الألمان منها، أهمل ممارسة هذه الهوايات، ليكرس كل أوقاته لما هو مقبل عليه من الأمر العظيم. و علم بذلك يومئذ الجنرال "مارشال" فكتب إليه يقول: سمعت أنك أهملت ركوب الخيل. و أنا آمرك بالعودة إلى ممارسة هواياتك المحببة إلى نفسك في الأوقات التي اعتدت أن تمارسها فيها. فهي جزء لا يتجزأ من عملك، و على قدر استمتاعك بها يكون نجاحك فيه.

و يقول البروفيسور "ماندل شرمان" العالم النفساني " أن كثيرين يعدون اللعب "ترفا" لا فائدة منه، كما يعدونه مضيعة للوقت، و يرون أنه لا ينبغي لهم أن يمارسوه إلا حينما تكون لديهم أعمال. و لا شك في أن هؤلاء الذين يحرمون أنفسهم من متعة "اللعب" يعرضون أنفسهم لكثير من الأمراض العصبية و النفسية. كما أنهم يخطئون الخطأ كله حين يظنون أن اللعب يكلفهم خسارة في الوقت أو المال، فالواقع أن عكس ذلك هو الصحيح، لأن اللعب يجعلهم أقدر بعده على الإنتاج، و يكسبهم من الصحة و الوقاية من الأمراض الجسمية و النفسية ما يوفر الكثير من المال".

إن الرجل الذي يفخر بأنه لم يأخذ إجازة طيلة خمس سنوات، و إنما مثله كمثل سائق سيارة يفخر بأنه لم يغير الزيت فيها خلال قطعها خمس آلاف ميل.

بقي أن يعرف كل منا متى يلعب، و إلى أي حد. و لا شك في أن الإحساس بالتوتر العصبي و الضيق و القلق، مما يدل على حاجة المرء إلى اللعب. على أن هذا لا يعني أن يخص بضع ساعات في الأسبوع، بعد العمل المجهد المليء بالمنافسات و المشاحنات، لكي يمضيها في لعبة التنس أو الغولف أو كرة القدم، و ما إليها من الألعاب التي تتطلب منافسة أو تكون الهزيمة فيها سببا للتبرم و الضيق. فمثل هذا اللعب قد يضر و لا يفيد. و خير منه مزاولة الرياضات التي لا مجال فيها للمنافسة و إثارة الأعصاب كالسباحة أو المشي أو ركوب الخيل.

و من فوائد اللعب أنه يتيح للمرء أن ينفس عن أحاسيسه الداخلية التي لا يستطيع أن ينفس عنها في مكتبه أو منزله. فاللعب وسيلة اجتماعية مقبولة لتمكين المرء من إشباع غرائزه الفطرية في الشجار و الابتكار و الأخذ بالثأر و ما إليها.

و أخيرا ينبغي أن يكون لكل امرئ أربع هوايات مختلفة تشبع جميع رغباته الداخلية، فيهوى مثلا جمع طوابع البريد ليشبع غريزة الاقتناء، و يهوى التجارة ليشبع غريزة الابتكار و الإنشاء، و لعبة التنس ليشبع غريزة الهجوم، و تسلق الجبال ليرضي نزعته الداخلية إلى حب السيطرة و التفوق.

إن هذه الهوايات أشبه بجبال النجاة، و كلما طالت و كثرت زاد احتمال نجاة المرء إذا تعرضت سفينته الجسمية أو النفسية يوما للأخطار.