ظاهرة القراءة في الوسط العربي .. كيف نصنع مجتمعا قارئاا ؟

في الوقت الذي يتنافس فيه العالم نحو التفوق في أبحاث الفضاء و الفيزياء و الطب وفي أغلب مجالات المعرفة ، مازلنا نحن في المجتمعات العربية و الإسلامية نناقش و نبحث حول ظاهرة القراءة وكيف نوقف هذا التراجع و الانحدار و نخلق الحوافز ونطور الوعي تجاه هذه الظاهرة.

كيف نصنع مجتمعا قارئاا

الأمر الذي يكشف لنا عن مدى المسافة التي تفصلنا عن العالم ،المسافة التي ما زالت تتسع و يتضاعف هذا الاتساع بسرعة و استمرارية، ونحن لا نستطيع إلا أن نعبر عن ألمنا و ضعفنا و إحباطنا ،لأننا لا نمتلك القدرة على تغيير هذا الوضع ،ووقف الانحدار ،وتضييق الفجوة التي تفصلنا عن العالم.

بهذا الأفق الحضاري الواسع ينبغي أن ننظر إلى ظاهرة القراءة في مجتمعنا لكي ندرك حجم المشكلة التي نعاني منها ،وخطورتها على حاضرنا و مستقبلنا. مع ذلك لابد أن نبدأ بالقراءة و نحولها إلى ظاهرة شديدة الفعالية في حياتنا.

من جهة أخرى إن مشكلة القراءة لا تنفصل أو تتجزأ و طبيعة الأزمة الثقافية المتجذرة في مجتمعاتنا ،فهي جزء من مركب الأزمة و مضاعفاتها. وهذا الذي يفسر لنا محدودية الفهم و بساطة الإدراك وسطحية النظر عند أكبر شريحة من الناس تجاه ظاهرة القراءة. الشريحة التي مازالت تفتقد إلى الحوافز و البواعث المحرضة على الاهتمام و التعامل الفعال مع الظاهرة ،في ظل غياب سياسات للتنمية الثقافية ،وعدم إدماج الثقافة في خطط التنمية أو السياسات العامة.

فالثقافة لا تمثل أولوية و لا تحظى بالاهتمام المفترض على المستوى الرسمي ولا يوجد في العالم العربي ما يمكن أن نصطلح عليه بالاقتصاد الثقافي الذي يدمج الثقافة بالاقتصاد ،ويوظف المال في الثقافة و يجعلها من مجالات الاستثمار.


القراءة و الحكومات العربية !

فالقراءة تستحق من الحكومات الاهتمام بها بدرجة تعادل الاهتمام بقضايا الزراعة أو الرياضة أو الصحة أو البيئة أو غير ذلك. فنحن لم نتعود من حكومات هذه الدول النهوض بمبادرات تلفت الاهتمام بقضايا مثل المطالعة ،في حين أن الحكومة الفنزويلية في بداية الثمانينات من القرن العشرين عينت وزيرا في حكومتها لتعلم الذكاء،وهو أول وزير للذكاء في العالم ،وذلك لتطبيق برنامج العالم المالطي (إدوارد دي بونو ) الذي وضع برنامجا فعًّالا أطلق عليه (تعليم التفكير) لأن التفكير حسب وجهة نظره ،مهارة فكرية و عقلية يحتاج إلى تعلم و اكتساب ،فله قواعده ومنهجيته المنظمة و المنطقية.

ولو كانت وزارات الثقافة في العالم العربي لا تعتني إلا بتنمية و تعميم القراءة في مجتمعاتها لكانت هذه من أعظم المنجزات و المكاسب ،لأن القراءة في هذه المجتمعات ليست مشكلة أفراد وإنما هي مشكلة المجتمع برمته. والمجتمع الذي لا يقرأ هو مجتمع لا يتطور ،ولا يستطيع أن يكتشف ذاته ،أو يمتلك إرادة التقدم ،أو ينظر إلى المستقبل بأمل و طموح.

كما إن المجتمع الذي لا يقرأ هو مجتمع تنخفض لديه القدرة الإنتاجية ،ويهبط فيه مستوى المهارات ،وتتراجع فيه العناية بالنظام و التقيد بالقانون.

و أستطيع القول إننا عن طريق المطالعة الفعالة بإمكاننا أن نُحسِّن من مستويات التعليم العام و التعليم العالي في المدارس و المعاهد و الجامعات ،وأكثر من ذلك فإننا عن طريق المطالعة يمكننا أن نتقدم خطوات في معالجة مشكلة الفقر ،وحتى مشكلة النظافة و البيئة والمرور و التقيد بالنظام العام. وهذا ليس مبالغة على الإطلاق ،وإنما التثقيف الفعال له دوره في تهذيب السلوك العام و الالتزام بالنظام.

بهذا التصور و على أساس هذه الخلفيات ينبغي أن نتعامل مع ظاهرة القراءة و نفكر في صناعة مجتمع قارئ. الأمر الذي يتطلب أن نجدد من رؤيتنا تجاه هذه القضية ،ونتعامل معها بجدية كبيرة و أفق واسع و منظور حضاري.

و أخيرا إذا كانت لديكم آراء أو أفكار أخرى في هذا الموضوع يمكنكم مشاركتها معنا 


من كتاب : العلاج بالقراءة - حسن آل حمادة -