كيف تؤثر أفكارنا السوداء على صحتنا وسلوكنا؟ وما الحل لذلك؟

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته .. هناك شيء يمكن أن نطلق عليه : "المناعة النفسية" أو "التماسك النفسي" أو "الصلابة النفسية" ، و هذا يقابله "الهشاشة النفسية" أو "الوهن النفسي" ..! فما الذي نقصده بالمناعة النفسية ؟

كيف تؤثر أفكارنا السوداء على صحتنا وسلوكنا

كما أنَّ هناك أدوية و أغذية تحسن مستوى المناعة بالجسم فهناك أفكار و مفاهيم و سلوك تحسن من مستوى المناعة في النفس..!
الأمراض النفسية فتاكة جدا ، و هي تشل طاقة الإنسان و تسبب له مشكلات اجتماعية لا حصر لها ، لذلك كان العمل على تقوية الجهاز المناعي النفسي لا يقل أهمية عن تقوية جهاز المناعة في الجسد.

نحن نعرف أن لدينا القدرة من نوع ما ، أو من درجة ما على مقاومة الأمراض النفسية المختلفة ، و هناك افتراض قوي يقول :

إن الأفكار الطيبة و المشاعر السارة و الميول الودودة المتفائلة الراضية تنمي صحتنا النفسية و تزيد قدرتنا على مقاومة الأمراض النفسية ، و هناك احتمال قوي أن تزيد في مناعتنا الجسدية أيضا ، إذ هناك علاقة بين أوضاع الجسد و بين أوضاع الروح و أوضاع النفس .

و قد ثبت أن كثيرا من الأمراض الجسدية ذات جذور و مرتكزات نفسية .
هذا يعني أن كل واحد منكم أيها الشباب يمكن أن يكون طبيب نفسه من خلال فهم آليات تدعيم النفس و تحصينها و آليات تحسين أحواله و أوضاعه الشعورية ،و أوضاعه العقلية أيضا .

هناك ارتباط واضح بين الصحة العقلية و بين الصحة الجسمية ، أو بين البناء العقلي و البناء النفسي ، فكلما كانت الأفكار التي نحملها صحيحة و إيجابية و منفتحة ساعدت على تحسين سويتنا النفسية ،و كلما كانت أفكارنا خطا أو مختلطة بالأوهام والترهات أو كانت ضحلة و مغلقة و ضيقة فإنها تؤذي نفوسنا و تجعل مشاعرنا مرتبكة و مختلطة ، و تجلب لنا أمراضا لا تأتي في حالة استقامة الأفكار.

الأفكار السوداء المتشائمة تولد الاكتئاب ، فمرض ( القولون ) العصبي و القرح التي تصيب المعدة ، و الجلطة كذلك .. كثير منها ناشئ عن أفكار سوداء و عن توترات نفسية.

و هناك ارتباط بين السلوك و بين البناء النفسي أيضا ، فالسلوك يستتبع الصحة النفسية ، و كلما كان سلوك المرء أكثر استقامة كانت صحته النفسية أفضل ،و العكس صحيح أيضا.
إن أعمالنا و مواقفنا و علاقاتنا الجيدة تترك في نفوسنا مشاعر الرضى و الانسجام مع معتقداتنا ،و تترك مشاعر التفوق و الاعتزاز أيضا.

أما السلوك المنحرف فإنه يترك فينا مشاعر القلق و الندم و احتقار الذات و الشعور بالضعف و مجافاة العقيدة التي نؤمن بها و التي تحثنا دائما على الاستقامة .

تعالوا أيها الشباب نتأمل بعض الوصايا التي أسداها النبي عليه الصلاة و السلام لأحد فتيان الصحابة رضي الله عنهم ، و هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين قال له : 
يا غلام إني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، و إذا استعنت فاستعن بالله ، و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشي لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك ، و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام و جفت الصحف.

هذه الوصايا مدهشة و عظيمة حقا في مساعدة الإنسان على تحسين صحته النفسية و تحقيق صيانة العقل و النفس معا ، و فيها توجيه لشيء محوري و هو أن يكون العبد مرتبطا بربه دائما : يسأله قضاء حاجاته ، و يستعين به في كل شؤونه ، و هو إلى جانب ذلك يوقن أن الأمر كله بيده جل و علا ، فالناس كلهم عاجزون عن إيقاع الضرر بأي إنسان ما لم يقدّره الله تعالى ، كما أنهم عاجزون عن إيصال أي نفع لأي إنسان ما لم ، يأذن به الله سبحانه و تعالى .

يشعر المسلم من خلال اليقين و الإيمان الصادق و العازم بأنه لا يواجه ابتلاءات الحياة وحده بحوله و قوته الشخصية ، بل يواجهها و هو يأوي إلى ركن شديد و ناصر لا يخذل إذا دعاه عبده دعاء المكروب المضطر .

لاحظ أحد الأطباء المسلمين الذين يعملون في مجال الأمراض النفسية انخفاض حالات الاكتئاب لدى مرضاه و لدى المراجعين له في شهر رمضان المبارك ، لأن العبادة تخفف من التوتر و تزيد في ثقة الإنسان المسلم في المستقبل الأخروي بشكل خاص .

عالج هذا الطبيب أربعة و ستين مريضا من المصابين بالاكتئاب ، فقسمهم إلى مجموعتين ، و أعطى نصفهم العلاج الطبي وحده دون أي شيء آخر ، أما الآخرون فأعطاهم العلاج الطبي و طلب منهم التهجد و القيام و ذكر الله تعالى و الاستغفار و قراءة القرآن و الدعاء من الساعة الثانية إلى الساعة الرابعة صباحا .

بعد أربع أسابيع وجد الطبيب أن 78 % من المجموعة الثانية قد تخلصوا من الاكتئاب ، على حين أن 15 % من المجموعة الأولى قد تخلصوا من الاكتئاب .

كيف نتخلص من الاكتئاب؟

* التقرب إلى الله عزوجل

هناك تجارب كثيرة من هذا النوع تؤكد أن الحالة الروحية و الاقتراب من الله عز و جل و الثناء عليه و ذكره يؤثر تأثيرا ممتازا في أحوالنا النفسية .

* العمل مع فريق

و هناك أمور أخرى أيضا في إمكاننا تحسين مستوى المناعة النفسية لدى الشباب ، و منها العمل ضمن فريق و مع مجموعة ، إذ يتعلم مع غيره التكيف ، كما يتعلم الصبر ، و الحلم و الانضباط ، و تنمو لديه روح الصداقة و التعاون ، و هي روح ضرورية لسعادة الإنسان .

* تقديم العون للناس

و مما يقوي المناعة النفسية أيضا الاختلاط بالناس و زيارة الأرحام و الأصدقاء ،و تقديم العون لطلابه و لمحتاجه ، و الاهتمام بالشأن العام .
قال عليه الصلاة و السلام : 
" من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد أن طبت و طاب ممشاك و تبوأت من الجنة منزلا " .

بالاجتماع بالناس يخفف المرء من تمحوره حول ذاته ، و الذي  كثيرا ما يكون مصدرا للهموم و الأوهام و الوسواس .

* العمل و الإنتاج 

و مما يحسن المناعة النفسية أيضا العمل و الإنتاج ، إذ يشعر الإنسان بقيمته في الحياة ، و يشعر بأنه يقدم لنفسه و لأسرته و أمته شيئا مفيدا و نافعا ، فالبطالة تؤدي إلى ارتكاسات نفسية خطيرة ، كما تؤدي إلى انتكاسات و ارتكاسات اجتماعية كبيرة أيضا ، لذلك حتى لو عمل الإنسان مجانا دون أجرة فهو الرابح ، لأنه يعالج نفسه أفضل بكثير من أدويتها بالعمل .

* الرياضة 

و الرياضة أيضا من الأمور التي تقوي المناعة النفسية ، و فنون الرياضة كثيرة ، فهي تخفف من التوتر النفسي ، و من أعباء الإجهاد المتولد من متابعة العمل ، كما أنها تطرد الملل .
المهم في ممارسة الرياضة المشروعية و الاعتدال ، فهناك من لا يبالي في مسألة المشروعية ، فهو يستفيد من الرياضة من جهة ، لكن الإثم الذي في الرياضة التي يمارسها يخرب عليه التوافق مع عقيدته .

و الاعتدال مهم أيضا فالرياضة وسيلة ، وسيلة لتحسين اللياقة النفسية و الجسدية و يجب أن تظل وسيلة ، و لا يصح أن تصبح غاية في حد ذاتها ، فحياتنا على هذه الأرض على درجة من الأهمية و السمو الذي لا تتفق معه إضاعة معظم العمر باللهو و اللعب ، أو في كسب لياقة بدنية بعيدا عن النمو الروحي والخلقي و العقلي .

* الخروج في رحلة

مما يقوي المناعة النفسية كذلك الخروج إلى البساتين أو إلى البحر و الخروج في رحلة أو نزهة أو مخيم ..
إن مجرد مغادرة المرء لبيته يضفي على نفسه و روحه نوعا من التألق ، و نوعا من التجدد ، فكيف إذا كانت الرحلة مملوءة بالاطلاع على الأشياء المقيدة و البرامج الهادفة ..
لا شك في أن تقويتها للمناعة النفسية ستكون ظاهرة و قوية ، و لكن علينا مراعاة المشروعية ، و الاعتدال ، فهذه المراعاة تضل مهمة و جوهرية .. و الاعتدال هو تلك الفضيلة العظيمة التي نبحث عنها باستمرار .
هناك ميل عميق لدى كثير من الناس إلى التطرف ، و إلى إمساك العصا من طرف واحد ، و إهمال النظر إلى باقي أجزاء القضية أو المشكلة أو الصورة !.

من كتاب : البناء النفسي للشباب