تعلم كيف لا تهتم بالتوافه والصغائر مع هذه القصص الواقعية


السلام عليكم زوار عالم تعلم .. الحياة محطات منها ماهو قريب و حققناه ومنها ماهو بعييد ننتظر بفارغ الصبر تحقيقه ، و لأننا نلعم أبينا أم شئنا سنكون في عداد الأموات, فلنستعد لها لأن قطارها لا ينتظر إشارة منا بل يأخذك دونَ إذن منك فأنت مُجبر على الرحيل ..

الحياة قصيرة فلنسعد بها


الموقف الرهيب 

حدثني صديق لي ، قال : 
" تلقيت أعظم درس في حياتي من حادث صادفته خلال الحرب الماضية .. فقد كنت أعمل في غواصة حربية بالقرب من جزائر الهند الصينية ، مع فرقة مؤلفة من ثمانية و ثمانين جنديا . و فوجئنا يوما بقوة بحرية كبيرة تهجم علينا و بدا أنها أكبر عددا منا . و كانت طائرة يابانية قد كشفت موقعنا ، و نحن على عمق 27 قدما من سطح البحر ، فأبلغت أمرنا إلى رؤسائها ، و سرعان ما خفت إلينا هذه القوة الكبيرة للقضاء علينا . فاضطررنا أن نغوص إلى عمق 150 قدما و أطفأنا الأنوار و عطلنا المراوح و أجهزة التبريد مبالغة في الإستخفاء و الوقاية ، و لم يمض دقائق حتى كانت الألغام تنفجر حولنا من كل الجهات .

لم يكن في وسعنا أن نصنع شيئا لصد هذا الانقضاض الخاطف المهول ، فأخذنا نترقب الموت بين لحظة و أخرى .. مع أن الحرارة داخل الغواصة كانت قد ارتفعت حتى قاربت المائة درجة نتيجة لتعطيل المراوح و أجهزة التبريد ، و كانت أسناننا تصطك و أطرافنا ترتعد و كأننا في درجة من الحرارة تحت الصفر .

و استمر الهجوم خمس عشرة ساعة ، مضت علينا كأنها خمسة عشر مليون عام .
كانت صور الماضي خلال هذه الساعات تتتابع على اختلاف أنواعها و ألوانها أمام عيني ، و هي تسرع تارة و تبطئ أخرى . و قد رأيت بينها صور جميع ما اقترفته من المساوئ و الشرور و الآثام ، و صور الأشياء السخيفة التافهة التي أقلقتني شهورا من قبل .

كنت محاسبا بأحد البنوك قبل أن ألتحق بالجيش . و طالما ضقت ذرعا بطول الساعات التي كنت أقضيها في عملي .. و بضآلة الأجر الذي أتقاضاه ، دون أن يكون لي أمل في تحسين حالي . وأشد ما كان يؤلمني حينذاك شعوري بالعجز عن شراء " فيللا " أو اقتناء عربة ، أو هدية أقدمها لزوجتي في أحد أعياد ميلادها .

و أشد ما كنت أكره رئيسي في البنك ، الذي كان يؤنبني لغير ما سبب ظاهر ، و يتهمني بالتقصير لمناسبة و غير مناسبة . فكنت أعود إلى المنزل في أكثر الأمسيات حاقدا غاضبا ناقما ، فأتشاجر مع زوجتي المسكينة لأتفه الأمور .. 
كل هذه الصور السخيفة التافهة من حياتي الماضية مرت على ذهني و أنا انتظر الموت مع رفاقي بالغواصة ، بل لقد تمثلت لعيني صورة مكبرة لما هو أسخف و أتفه ، فتذكرت مثلا إصابتي بمرض جلدي ضايقني بضعة أيام ، و تذكرت جرحا بسيطا أصبت به في حادث سيارة .

و بقدر ما كانت هذه الحوادث تبدو لي مزعجة منذ سنوات كنت أراها الآن على حقيقتها تافهة سخيفة .. و المتفجرات تهدد غواصتنا بالنسف و تنذرنا بالتأهب للانتقال إلى العالم الآخر. 
و عاهدت نفسي إن كتبت لي النجاة و رؤية نور الشمس مرة أخرى ، ألا أهتم لشيء من هذه التوافه التي تعرض لكل امرئ في حياته اليومية . فلما نجونا بعد اليأس ، لم أنس ذلك العهد ، و أخذت به نفسي فأفدت من ذلك إلى حد كبير . و الحق أني تعلمت من دروس الحياة في تلك الساعات الرهيبة أكثر مما تعلمته من دراساتي الجامعية ، و من كل مطالعتي.

و الواقع أننا كثيرا ما نواجه المصائب الكبيرة في الحياة بشجاعة و صمود ، و لكننا ندع التوافه و الصغائر تحطم أعصابنا و تنغص عيشتنا.

 و قد روى " صمويل بيبس " أنه شهد مرة أحد المحكوم عليهم بالإعدام يصعد إلى المشنقة في هدوء و ثبات . و لما سئل عن شعوره حينذاك أجاب قائلا : 
" أني لا أعبأ بالموت بل أرحب به .. " على أنه ما كاد يشعر بحبل المشنقة يلتف حول عنقه حتى أخذ في البكاء و التوسل إلى المشرفين على التنفيذ أن يأمروا الجلاد بالترفق في لف الحبل ، حتى لا يؤلمه الخراج الصغير الذي في قفاه .

و قد ذكر " بيرد " أن أتباعه الذين رافقوه في رحلته الاستكشافية للمناطق القطبية كانوا يظهرون من الجلد و الصبر و تحمل الجوع و البرد ما كان يثير دهشته . و لكنهم كانوا كثيرا ما يختلفون و يتشاجرون لأن أحدهم جلس بالمكان المخصص لزميله ، أو لأنه طلب منه شيئا بلهجة جافة ، أو أخذ قطعة أكبر من الخبز . و علق " بيرد " على هذا قائلا : 
" أني لم أكن أخشى الإخفاق بسبب الشدائد و العقبات ، بقدر ما خشيته بسبب تلك التوافه و الصغائر " .

للإخفاق أسباب 

و ليس من شك في أن الإخفاق في كثير من الأعمال و المشروعات التي يتطلب نجاحها التعاون و التضامن إنما يرجع إلى أمور حقيرة تافهة قد يضحك المرء على موقفه منها بعد حين .
قرأت لأحد القضاة أنه خلال أربعين عاما ، عرض عليه فيها ما لا يقل عن ألف قضية من قضايا الخلافات الزوجية ، لاحظ أن الاهتمام بالتوافه هو سر أكثر تلك الخلافات .
و قرأت لقاض آخر أن نصف القضايا الجنائية التي عرضت عليه كانت نتيجة أشياء تافهة ، كمناقشة في حانة ، أو خلاف على مبلغ من تافه ، أو إشارة أسيء فهمها أو عبارة جافة .

و لو أن هذه التوافه عولجت بحكمة و روية و بعد نظر ، لمرت بسلام و كأنها لم تكن . و لكن ما جبل عليه أكثر الناس في الغرور و الأنانية و التسرع يأبى إلا أن يخلق من تلك الحبة قبة ، و إلا أن يحيل تلك الشرارة التافهة إلى بركان أو جحيم . 
و لقد كتبت " مسز روزفلت " في ذلك فقالت : 
" في الأشهر الأولى من حياتي الزوجية ، كنت أظل ساعات ثائرة غاضبة حزينة ، لأن الطاهي لم يحسن طهي الطعام ، أو لأنه قدّم لونا منه قبل آخر ، أما الآن فإذا حدث شيء من هذا فإنني أهز كتفي ، و أقول لنفسي التي تحضّني على الثورة و الغضب : كلا .. لن أثور و لن أغضب ، فمن الحمق أن أرهق أعصابي و أنغص حياتي بسبب شيء تافه . و كل ما أفعله أنني أنبه الطاهي أو الخادم إلى خطئه في هدوء " .

و قد دعيت و زوجتي مرة إلى تناول العشاء عند صديق لنا . و حدث أن أخطأ الطاهي و هو يساعد في ترتيب المائدة و لم ألاحظ أنا ذلك الخطأ و ما كنت أعبأ به لو أنني لاحظته . و لكن ربة البيت ثارت ثائرتها ، و انفجرت تسب الطاهي و تلعنه بطريقة أثارت اشمئزازنا ، و الحق أني كنت أفضل أن آكل خبزا بلا أدام في الهدوء و الصفاء ، عن أن أتناول أشهى المأكولات وسط هذا الجو الصاخب المثير.

و حدث أن دعونا بعض أصدقائنا إلى العشاء . و قبل أن نجلس إلى مائدة الطعام ، لاحظت زوجتي أن بين المناشف ثلاثا لا يتفق لونها مع لون غطاء المائدة . فسارعت إلى الطاهي ، و سألته في ذلك ، فأخبرها بأن المناشف الثلاث الناقصة أرسلت خطأ إلى الكواء ، و ليس هناك وقت لإحضارها.

و لم أعلم أنا بشيء من ذلك و لا لاحظته حتى انتهى العشاء على ما يرام و انصرف الضيوف فقالت لي زوجتي : لقد اغرورقت عيناي حينذاك بالدموع ، و كدت أن أستسلم لنوبة طاغية من الحزن و الثورة على الطاهي . لولا أني رجعت لنفسي فرأيت أن الخير في أن أدع هذه الغلطة التافهة تمضي بسلام ، و أن أعود إلى الضيوف باسمة الوجه منشرحة الصدر ، لأن يتهمونني بالإهمال أو التقتير خير من أن يتهمونني بالحمق و سوء الخلق .

و من أقوال دزرائيلي المأثورة : " إن الحياة اقصر من أن يعنى المرء فيها بالتوافه " .
و قد كتب " أندريه موروا " يقول : " إن عبارة دزرائيلي أعانتني على أن أجتاز ظروفا كثيرة مؤلمة . فنحن غالبا ما نسمح لأنفسنا بأن نتضايق و نثور لأسباب تافهة كان ينبغي أن ننساها و لا نعلق عليها أية أهمية . أن العمر مهما طال مداه .. قصير . و مع ذلك فإننا نقضي ساعات لا تعوض في التفكير و الأسى و التأسف على أشياء تافهة ، لاشك في أننا مع غيرنا من الناس ، سننساها مع الوقت . أليس من الخير أن نكرس أوقاتنا القصيرة لأداء أعمال جليلة ، و إنتاج آثار خالدة ، و التفكير بأشياء مفيدة مسلية ، و خدمات لغيرنا خالصة ؟ " .

هناك على منحدر جبل عال في أمريكا ، توجد بقايا شجرة ضخمة ، يقول علماء النبات أنها عاشت نحو أربع مائة عام ، تعرضت فيها للصواعق و الزوابع و الأعاصير ، فلم تتأثر بها ، و قاومتها جميعا . و حدث في السنوات الأخيرة ، أن هجم على هذه الشجرة حشد الخنافس ، و راح يشق طريقه إلى قلبها ، فما لبثت قليلا حتى انهارت أمام الهجمات المتوالية لتلك الخنافس الصغيرة ، التي يستطيع طفل صغير أن يسحقها تحت قدميه .

ألسنا جميعا مثل هذه الشجرة الضخمة ؟ .. ألسنا في كثير من الأحوال نقاوم الزوابع الشديدة ، و الأعاصير الثائرة ، ثم ندع قلوبنا " لخنافس " الهموم تأكلها و تحطمها ؟ فلكي تحط الهم قبل أن يحطمك ، احرص على ألا تتضايق من التوافه و تعلق عليها أهمية كبيرة . 
و اذكر أن الحياة أقصر من أن يعني المرء فيها بالتوافه .