12 مفهوما خاطئا لتأسيس شركة ناجحة

الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر حققت ما هو أكبر من تحقيق عائدات مالية طويلة الأجل فقط، فقد تمكنت هذه الشركات من التغلغل في النسيج المجتمعي بحيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ منه..

12 مفهوما خاطئا لتأسيس شركة ناجحة

ما الذي تتميز به شركات مثل: جنرال إليكتريك General Electric وثري إم 3M وميرك Merck و وول مارت Wal-Mart وهيوليت باكارد Hewlett-Packard ووالت ديزني Walt Disney وفيليب موريس Philip Morris عن منافسيها؟
كيف استطاعت شركة مثل بروكتر آند جامبل Proctor & Gamble - التي بدأت مسيرتها متأخرة بصورة ملحوظة عن منافستها شركة كولجيت Colgate - أن تصبح في النهاية الشركة الأولى في مجالها؟
كيف تحولت شركة موتورولا Motorola من مشروع متواضع لإصلاح البطاريات إلى تكنولوجيا الدوائر المتكاملة والهواتف النقالة، في حين ظل نشاط شركة زينيث Zenith مقتصرًا على أجهزة التليفزيون؟
كيف أزاحت بوينج Boeing مكدونيل دوجلاس McDonnell Douglas واحتلت موقع الصدارة كأفضل شركة لإنتاج الطائرات التجارية؟ ما الذي تميزت به شركة بوينج عن مكدونيل دوجلاس؟

بالإجابة عن هذا الأسئلة نجد أن هناك صفات لا تقدر بثمن تتميز بها الشركات البارزة، وسنعرض في هذا الموضوع مصدرًا للإلهام بتحطيم المبادئ الخاطئة ،التي تحظي مع ذلك بقبول واسع ..

اثنا عشر مفهومًا خاطئًا

و إليكم اثنا عشر مفهومًا خاطئًا عن تأسيس شركة ناجحة ...

1- لا بد من وجود فكرة ثورية لتأسيس شركة ناجحة

الواقع: أن تأسيس شركة بناءً على وجود "فكرة ثورية" ربما يكون فكرة سيئة، فعدد محدود من الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر نشأت من فكرة ثورية، بل إن بعضها بدأ دون وجود فكرة محددة "على الإطلاق"، وواجه القليل منها في بداية الطريق فشلًا شديدًا.
علاوة على ذلك فإن احتمال النجاح المبكر للشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر كان أقل بكثير منه في حالة الشركات المناظرة في بحثنا، بصرف النظر عن فكرة تأسيس الشركة.
وكما في القصة المأثورة عن السلحفاة والأرنب، كثيرًا ما تستغرق الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر وقتًا أطول من غيرها لتحقيق النجاح في البداية، إلا أنها تظفر بالسباق في النهاية.

2-  تحتاج الشركات الناجحة إلى قادة عظماء ومؤثرين وذوي رؤية ثاقبة

في الواقع "لا حاجة" على الإطلاق إلى وجود قادة مؤثرين بعيدي النظر في الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر، بل إن وجودهم في الحقيقة قد يضر بمصلحة الشركة ونجاحها على المدى البعيد، فبعض أبرز الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبرى لم يكونوا قادة مؤثرين ذائعي الصيت، في حين كان البعض الآخر على العكس تمامًا من ذلك.

وكما حدث مع مؤسسي الولايات المتحدة في المؤتمر الدستوري؛ ركز الرؤساء التنفيذيون في الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر على إنشاء مؤسسة قادرة على البقاء أكثر من تركيزهم على أن يصبحوا قادة عظامًا، فقد آمن هؤلاء بمقولة "لا تخبرني بالوقت ولكن اصنع لي ساعة"، الأمر الذي يختلف إلى حد ما عما آمن به الرؤساء التنفيذيون في الشركات المناظرة.

3- تُؤَسَّس أكثر الشركات نجاحًا في المقام الأول بغية مضاعفة الأرباح

لم يمثل المذهب المدرّس في كليات إدارة الأعمال الذي يؤكد على أهمية "مضاعفة ثروة المساهمين" أو "مضاعفة الأرباح" القوة الدافعة الأساسية أو الهدف الرئيسي على مدار تاريخ الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر، بل على العكس من ذلك، تسعى مثل هذه الشركات لتحقيق مجموعة من الأهداف ولا يمثل تحقيق الأرباح إلا واحدًا منها، لكنه ليس الهدف الرئيسي بالضرورة.

لا شك أن هذه الشركات تسعى إلى تحقيق الربح، إلا أنها تتبنى أيضًا أيديولوجية وقيمًا جوهرية وتتمتع بعزيمة لا تقهر تسمو فوق هدف السعي لتحقيق الأرباح فقط. لكن المفارقة تكمن في أن الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر تحقق أرباحًا أكثر من الشركات المناظرة التي تسعى لتحقيق الربح في المقام الأول.

4- يجب الاشتراك في مجموعة من القيم الجوهرية "الصحيحة"

في الواقع لا توجد ثمّة مجموعة "صحيحة" من القيم الجوهرية تعتمد عليها الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر، وقد تختلف الأيديولوجية الخاصة بإحدى الشركات تمامًا عن أيديولوجية شركة أخرى، وكلتاهما ناجحتان.

وليس من الضروري أن تكون القيم الجوهرية المتبناة في شركة ذات استراتيجيات بعيدة النظر "مستنيرة" أو "مرتبطة بالثقافة الإنسانية"، غير أنها غالبًا ما تكون كذلك، والعامل الأساسي الذي يفرق بين الشركات لا يكمن في مضمون أيديولوجياتها، بل في عمق "إيمان" الشركة بأيديولوجيتها، ومدى ثباتها عليها وتطبيقها لها في كل ما تقوم به. 

والسؤال الذي يهم الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر ليس: "ما القيم التي يجب أن نتمسك بها؟" بل: "ما القيم التي نؤمن بها حقًّا في أعماقنا؟"

5- التغيير هو الثابت الوحيد

الواقع: تسعى الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر جاهدة للحفـاظ على أيديولوجـيتها الجوهرية، ولا تـغيرها - إن فعلت - إلا نادرًا.

فالقيم الجوهرية كحجر الأساس الذي تقوم عليه الشركة ومن ثم لا تخضع تلك القيم للتغيير وفقًا للتوجهات والنزعات السائدة، وفي بعض الشركات ظلت القيم الجوهرية ثابتة لأكثر من مائة عام، كذلك فإن الهدف الرئيسي في شركة ذات استراتيجيات بعيدة النظر - أي السبب وراء إنشائها - قد يلعب دور مشعل التنوير على مدى قرون طويلة، كنجم خالد في الأفق.

وفي حين تحافظ الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر على ثبات أيديولوجياتها الجوهرية، فإنها تتمتع بدافع قوي لتحقيق التقدم يساعدها على التغير والتكيف دون المساس بمُثُلها الجوهرية التي تعتز بها.

6- تتصرف الشركات الكبرى بأسلوب حذر يخلو من المغامرة

الواقع: قد يرى غير المتخصصين أن الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر على قدر من التشدد والتحفظ، إلا أنها لا تخشى أن تلتزم "بأهداف كبيرة تنطوي على الجرأة والمخاطرة BHAGs"، وقد تكون هذه الأهداف مروعة وخطيرة كتسلق جبل شاهق أو الوصول إلى القمر، إلا أن ما تنطوي عليه من روح المغامرة والإثارة والتحدي تجذب انتباه الأشخاص وتحفزهم لبذل الجهد وتمدهم بقوة هائلة تدفعهم للأمام.

وقد أدركت الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر أهمية مثل هذه الأهداف واستخدمتها بحكمة لدفع عجلة التقدم والتفوق على الشركات المنافسة في مراحل حاسمة من التاريخ.

7- تمثل الشركات الكبرى بيئة مثالية للعمل لأي شخص

الواقع: أن الأشخاص الذين "يتوافقون" تمامًا مع الأيديولوجية الجوهرية للشركة والمعايير المطلوبة لها وحدهم سيجدون الشركة بيئة مثالية للعمل بالفعل.

إذا عملت لدى إحدى الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر، فإما أن تنسجم وتحقق النجاح والازدهار وتكون أسعد الناس، أو تُعامل معاملة المنبوذين وتتعرض للإقصاء. هذان احتمالان لا ثالث لهما، فالأمر أشبه باعتناق مذهب متشدد.

تتمتع الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر بسياسات واضحة جدًّا فيما يخص مواقفها وأهدافها المنشودة بحيث لا تفسح المجال لمن لا يمتلك القدرة أو الإرادة للتوافق مع المعايير المحددة لها.

8- تقوم الشركات الناجحة بأفضل خطواتها وفقًا لتخطيط استراتيجي يتسم بالفطنة والتعقيد

الواقع: تقوم الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر بتنفيذ بعض أفضل خطواتها عن طريق التجريب، والمحاولة والخطأ، وانتهاز الفرص، والصدفة المحضة في أحيان كثيرة.

وما يُنظر إليه "فيما بعد" على أنه خطوة تدل على الحنكة وبعد النظر والتخطيط المسبق يكون في العادة ناتجًا عن فكرة "دعونا نجرب العديد من الأمور ونُبقي على ما يثبت نجاحه".

9- يجب على الشركات توظيف رؤساء تنفيذيين من خارج الشركة لبث روح التغيير الجوهري

الواقع: على مدار ألف وسبعمائة عام من مجموع أعمار الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر، لم نجد سوى "أربع" حالات فقط للاستعانة برؤساء تنفيذيين من خارج الشركة، وكانت في شركتين فقط، فسيطرة أبناء المؤسسة على الإدارة تزيد في الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر عنها في الشركات المناظرة زيادة كبيرة "نحو ستة أضعاف". ومرة بعد مرة هدمت هذه الشركات الاعتقاد السائد بأن التغيير الحقيقي والأفكار الجديدة لا تأتي إلا من خارج الشركة.

10- تركز أنجح الشركات في المقام الأول على التغلب على الشركات المنافسة

الواقع: تركز الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر في المقام الأول على التفوق على نفسها، فهذه الشركات تنظر للنجاح والتفوق على المنافسين ليس كهدفين منشودين في حد ذاتهما، بل كـ"نتيجة" تابعة لطرح السؤال الملح "كيف يمكننا رفع مستوانا وتحسين أدائنا غدًا عما كان عليه اليوم؟" تطرح الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر هذا السؤال يوميًّا - حتى يصبح طريقة حياة - وفي بعض الحالات قد تظل تطرحه لمدة تصل إلى أكثر من 150 عامًا.
وبصرف النظر عن مدى التقدم الذي تحرزه على منافسيها، لا يغلب عليها أبدًا الشعور بالرضا عن النفس.

11- لا يمكنك إعداد الكعك وتناوله في آن واحد!

الواقع: لا تجذب الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر نفسها للخلف بالاعتقاد في مبدأ الـ"أو"، وهو المبدأ العقلاني الذي يفيد بأنه يمكنك الحصول على أ "أو" ب ولكن ليس كلاهما، فهي ترفض الاختيار بين ضمان الاستقرار "أو" التقدم، وبين التمسك بالثقافات السائدة "أو" الاستقلالية، وبين توظيف الرؤساء المحليين "أو" إحداث تغيير جذري، وبين تبني ممارسات محافظة "أو" الأهداف الكبيرة التي تنطوي على الجرأة والمخاطرة، وبين كسب المال "أو" التمسك بالقيم والغايات.

بدلًا من ذلك، تعتنق هذه الشركات مبدأ "عبقرية الـ"و"، وهو المبدأ المناقض الذي يُتيح للشركة السعي للحصول على أ "و" ب في الوقت ذاته.

12- الشركات ذات استراتيجيات بعيدة النظر بالاعتماد على "بيان الرؤية"

الواقع: لم تصل الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر إلى تلك المكانة لأنها أعدت بيان الرؤية (مع أنها غالبًا ما تعد هذا البيان)، كما أنها لم تصل إلى تلك المكانة العظيمة بوضع بيان للرؤية أو القيم أو الغايات أو المهام أو الطموحات، وهي البيانات التي شاع الاعتماد عليها في مجال الإدارة اليوم، مع أن هذه الشركات قد وضعت مثل هذه البيانات بصورة دائمة ومنتظمة أكثر من الشركات المناظرة وقبل أن يشيع استخدامها بعشرات السنوات.

إن وضع بيان قد يمثل "خطوة" ذات جدوى في طريق تأسيس شركة ذات استراتيجيات بعيدة النظر، إلا أنها لا تتعدى كونها خطوة واحدة من بين آلاف الخطوات التي تشتمل عليها العملية التي لا تنتهي لتحديد الصفات الجوهرية التي تميز الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر.


من كتاب : العادات الناجحة للشركات ذات الرؤية