هل يمكن للمماطلة أن تجلب لك "المتعة القصوى"حقا؟ .. وكيف تصبح منتجا ؟

المماطلة .. إن أفكارنا تدور باستمرار في عقلنا، وهو ما يحجب عنا التركيز... ويتفق علماء النفس أن مشكلة المماطلين هي أنهم يميلون للاستسلام للإشباع الفوري، ما يجلب للناس الراحة النفسية الفورية الذي يطلق عليها "المتعة القصوى"، وذلك عوضًا عن تحقيق الأهداف بعيدة المدى.

للماطلة

هومر الحاضر ضد هومر المستقبل

 يمتلك علماء النفس نماذج أخرى لفهم القوى الكامنة وراء المماطلة. يعتقد البعض أن المماطلة صعبة للغاية لأنها تتصل بالتصورات الأعمق للوقت، والفرق بين ما يسمونه "النفس في الحاضر والمستقبل".

وهناك من يؤكد أنه على الرغم من أننا ندرك أن الشخص الذي سنكون عليه خلال شهر من الآن لا يختلف نظريًّا عما نحن عليه اليوم، فإننا لا نقلق كثيرًا ولا ندرك بشكل كافٍ أو نتعاطف مع أنفسنا في المستقبل. فالناس منشغلون بما يشعرون به اليوم.

ويواصل المقال تفسير الأمر بتأكيد أنه "عند اتخاذ القرارات على المدى الطويل، يميل الناس إلى الشعور بالافتقار إلى الاتصال العاطفي مع أنفسهم في المستقبل" وفق ما ينقل عن هال هيرشفيلد، عالم نفس في كلية أندرسون للإدارة في جامعة لوس أنجلوس. ويضيف أوربان : "لذا حتى عندما أعرف أنه عند نقطة ما خلال عام سأظل كما أنا، فسوف أعامل نفسي المستقبلية كشخص آخر تمامًا، وكأنه لن يستفيد أو يعاني من عواقب أفعالي اليوم".

يدعم بحث هيرشفيلد هذه الفكرة. التقط هيرشفيلد أشعة مقطعية لأدمغة الناس أثناء تفكيرهم في أنفسهم في الحاضر، ثم في المستقبل. فوجد أن الناس يفكرون في أنفسهم في الحاضر والمستقبل بأجزاء مختلفة من الدماغ.

ويشير أيضًا إلى قيام إميلي برونين من جامعة برينستون بعمل دراسة أفضت إلى نتائج مشابهة في 2008. حيث قدمت خليطًا من صلصة الصويا والكاتشب سيئ الطعم، وجعلتهم يقررون مقدار ما سيشربونه هم أو غيرهم.
سمح لبعض الأشخاص بالاختيار لأنفسهم، وسمح لآخرين بالاختيار لمجموعة أخرى من الأشخاص، وقررت مجموعة ثالثة لنفسها بعد مضي أسبوعين. فأظهرت الدراسة أن الناس على استعداد لشرب نصف كوب من الخليط في المستقبل، لكنهم التزموا بتناول ملعقتين فقط في الحاضر.

إلا أن البحث يشير أيضًا إلى أن المماطلين يمكنهم التواصل بشكل أكبر مع أنفسهم في المستقبل، وهو تغيير قد يجعلهم سعداء على المدى الطويل.

في إحدى الدراسات التي أجراها هيرشفيلد، استخدم بعض الخاضعين للدراسة الواقع الافتراضي للنظر إلى صور رقمية تظهر هيأتهم في المستقبل. ثم سُئِل المشاركون عن الكيفية التي سينفقون بها 1000 دولار. فاختار من رأى الصورة منهم استثمار ضعف المبلغ في مدخرات التقاعد، على خلاف من لم يروا الصور.

وما يثير الدهشة هو أن شركات التأمين استغلت تلك النتائج في محاولة زيادة عدد زبائنها. فقد أطلق مصرف Bank of America Merrill Lynch خدمة أطلق عليها اسم Face Retirement أو "شكلك عند التقاعد"، حيث ترفع صورة لنفسك وتراها بعد أن تشيخ باستخدام الحاسوب. كما أنشأ البنك أداة مماثلة بمساعدة فريق العلوم السلوكية الخاص به.

كيف تصبح منتجًا؟

كيف تصبح منتجًا؟

ما الذي يمكن للناس فعله للكف عن المماطلة، بخلاف التفاؤل بشأن المستقبل؟

يرى تيم أوربان أن النصيحة النموذجية التي يجري توجيهها للمماطلين بالكف عما يفعلون، والبدء في العمل تثير السخرية، وذلك لأن المماطلة ليست شعورًا يمكن السيطرة عليه. معقبًا بالسخرية: "دعونا نخبر البدينين أن عليهم الكف عن الإفراط في الأكل، وللمكتئبين بأن عليهم تجنب اللامبالاة، وليخبر أحدكم رجاءً حيتان الشاطئ أن عليها تجنب الخروج من المحيط".

ولكن ثمة بعض النصائح، حسبما يقول الباحثون في هذا المجال، يمكنها أن تساعد المماطلين على العودة إلى العمل.

نشير إلى نصائح تيموني بيتشل للمماطلين. وهو يؤكد أن أحد أكثر التصرفات فعالية التي يمكن للمماطلين القيام بها، هي مسامحة أنفسهم على المماطلة. ففي دراسة أجراها بيتشل وآخرون، تبين أن الطلاب الذين يسامحون أنفسهم على المماطلة في الاختبار الأول، يماطلون بشكل أقل في الاختبار الثاني.

ويرجع السبب في نجاح ذلك هو ارتباط المماطلة بالمشاعر السلبية، فعندما تسامح نفسك فإن ذلك يقلل من ذنب شعورك بالمماطلة، وهو أحد أكبر الدوافع للمماطلة في المقام الأول.

لكن أفضل شيء يوصي به، هو أنه لا يلزم أن تكون في مزاج جيد حتى تنجز عملًا بعينه، تجاهل فحسب كيف تشعر وأنجز مهامك. "عليّ أن أقر بأنني على الأرجح لن أحب ما أفعل، ولا يهم كيف أشعر حياله".

بدلًا من التركيز على المشاعر، علينا أن نفكر في التحرك التالي. وينصح المقال الناس بتجزئة مهامهم إلى خطوات صغيرة جدًّا يمكن إنجازها. وحتى لو كانت الخطوة صغيرةً جدًّا، فإن أي تقدم من شأنه أن يشعرك بتحسن حيال المهمة، ويزيد ثقتك في نفسك، وهو ما سيقلل في المقابل الرغبة في المماطلة لتحسين شعورك.

يرى بيتشل أيضًا أنه على المدرسين والآباء أن يعلموا الأطفال التعامل مع إغراءات المماطلة من سن باكرة. حيث إن المشكلة لا تمكن في إدارة الوقت كما يرى معظم الآباء، ولكن في إدارة المشاعر. عليهم أن يتعلموا أن المرء لا يشعر شعورًا جيدًا طوال الوقت، وعليه التعايش مع ذلك.

وينقل بيتشل عن مارك توين قوله: "إذا كانت مهمتك هي أكل ضفدع، قم بأكله في الصباح الباكر، وإذا كانت مهمتك هي أكل ضفدعين، قم بأكل الأكبر حجمًا أولًا".


إذا أعجبك الموضوع شاركه مع أصدقائك