كيف تم نهب 15% من الثروة العالمية لكوكب الأرض! .. مايعادل 34 تريليون دولار!!

.. إن كنت مهتمًا بالاقتصاد الدولي، التهرب الضريبي، عالم استشارات الأعمال أو الصحافة الاستقصائية الاقتصادية، فمن المرجح أن اسم "جيمس هنري" قد طرق مسامعك قبلًا، خريج جامعة "هارفارد"، وأحد أفضل استشاري الأعمال، وكبير الخبراء الاقتصاديين السابق في "ماكنزي"، شركة استشارات وإدارة الأعمال الأهم، والأكثر نفوذًا في العالم، والرجل الذي كرس السنوات السابقة من حياته لتتبع أموال الشركات، والإمبراطوريات الاقتصادية، وملوك "الأوف شور"، والتهرب الضريبي.

كيف تم نهب 15% من الثروة العالمية لكوكب الأرض!

والأهم أن جيمس هو أحد مستشاري مشروع "وثائق بنما" الرئيسين.

على مدار السنوات الماضية، وكجزء من مشروعه الخاص الطويل، عمل جيمس على تجميع البيانات الإحصائية الاقتصادية من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي (IMF)، وكل ما أمكن رصده من بيانات حكومية في ما يقارب 150 دولة، بيانات تلخص اقتصاديًا حجم ما خرج من أموال مهربة، سواء من قادة هذه البلدان أو رجال أعمالها أو شركات متعددة الجنسيات، مع رصد شبه دقيق لإمبراطوريات التهرب المالي، التي ترعاها شركات الأوف شور، وكما يحكي "ديفيد كاي جونستون"، الصحافي الاستقصائي الأمريكي المعروف، والمتخصص في الاقتصاد والاحتيال والتهرب الضريبي، فإن جيمس قام بما لم يقدم عليه أحد من المنظمات الدولية الرسمية أو غيرها، وعكف في منزله الكائن في "ساج هاربور"، بولاية نيويورك، على فحص وترتيب البيانات الاقتصادية الخاصة بمدة 45 عامًا، منذ عام 1970، ومقارنة هذه البيانات غير المتطابقة؛ للخروج منها بأرقام توضح حجم ما سُرق من شعوب العالم الأفقر.

يشرح جيمس الأمر، فيقول إن جميع الدول الفقيرة، المقدر عددها بـ150 دولة، تمتلك أنظمة ضريبية شديدة الهشاشة بمعدلات ضئيلة، مما يسمح بتهريب الأموال إليها، أو استخدامها كملاذات ضريبية مؤقتة، أو التعامل معها من قبل عمالقة الأعمال، كآلات عملاقة لغسيل الأموال، وبالتالي تمثل هذه الدول الخيارات الأولى لأثرياء الولايات المتحدة وأوروبا..
 ويمثل مجموع الديون الخارجية لهذه الدول، بحسب جيمس، رقمًا قدره 8.1 تريليون دولار، ما يعنيه ذلك إحصائيًا من أن تلك الأموال، والتي تم اقتراضها بالأساس من الولايات المتحدة وأوروبا، قد أرسلت لملاذات ضريبية "أوف شور" في الخارج..

 بالإضافة إلى ما استولى عليه زعماء وقادة حكومات ومسئولو هذه الدول، من الاحتياطات النقدية والبنوك الوطنية، والمقدر قيمته بأربع تريليونات دولار، ليصل الرقم المُستولَى عليه، والمعروف لنا، في 45 عامًا السابقة، إلى 12.1 تريليون دولار، رقم يمثل ثلثي الناتج المحلي للولايات المتحدة في عام واحد، ويعني أنه تمت سرقة نيكل "خمسة سنتات" من كل دولار في ثروة العالم منذ عام 1970، وحتى الآن!

بينما يفرض النظام المالي السويسري نسبة الرسوم الأعلى عالميًا، بين جميع الأنظمة المصرفية الأخرى، فإن رجال الأعمال والحكام، وزعماء إمبراطوريات المخدرات والجريمة، لا يبالون بارتفاع الرسوم، مقابل منفعة "سرية الحسابات" التي يوفرها النظام، مما يضمن لهم تقاعدًا مريحًا وأموالًا مؤمنة من المصادرة، فضلًا عن وجود ما يسمى بالموانئ الحرة (Freeports)، الملجأ الجديد لأثرياء العالم.

تمثل الموانئ الحرة طريقًا جديدًا لأثرياء الكوكب، الذين يستثمرون جزءً لا بأس به من ثرواتهم في إنشاء نظام محكم، يضمن حماية هذه الثروات، والتخفيف والبعد عن قبضة إدارات مكافحة التهرب الضريبي، في الولايات المتحدة وأوروبا، هذا الطريق الجديد عبارة عن مخازن معدنية ضخمة، توضع في مطارات معينة، غالبًا تتبع لملاذات التهرب الضريبي المعتادة، في جزر "الكايمان" و"لوكسمبورغ" و"بنما" وغيرهم، يقومون بتخزين ممتلكاتهم القيمة الشرعية فيها، كالألماس والذهب والأحجار الكريمة، والأعمال الفنية النادرة والآثار، وكل ما ليس بمال..

لكن تقدر قيمته بمليارات الدولارات، وهذه النقاط تعتبر في حكم القوانين نقاط تخزين مؤقت، وحتى ينقل ما فيها إلى مكان آخر، مما يعنيه هذا أنها ممتلكات في وضع قانوني مؤقتة الوجود، ووضع فعلي "دائمة الوجود، ليستفيد الأثرياء قانونًا من الضرائب التي لا تذكر، وانعدام الرقابة عليها، فضلًا عن توجههم للاستثمار في هذه الممتلكات، بعيدًا عن الأصول المالية المتغيرة قيمتها صعودًا وهبوطًا.

الطغيان العالمي

الطغيان العالمي

في عام 2006 قدم بروفيسور جامعة هارفارد "جورج لودج"، وخبير التمويل الدولي "جريج ويلسون"، كتابًا يدور حول فكرة الشركات المتعددة الجنسيات، وامتلاكها لإمكانية التخلص أو المساهمة في التقليل من الفقر العالمي، فضلًا عن رفع أسهمهم لدى الفقراء عن طريق مساعدتهم، كتابًا بدا وكأنه محاولة أكاديمية منمقة للعيش في عالم مثالي، محاولة تتجاهل ملايين الفقراء، أمثال السيدة جويس، الذين تقوم الشركات متعددة الجنسيات بالاغتناء المستمر على حسابهم، كما أوضح جيمس هنري في دراسته، رافعًا حجم الأموال المنهوبة من الثروة العالمية، بإضافة دول العالم المتقدم، والمحولة في أغلبها إلى ملاذات ضريبية، إلى 34 تريليون دولار، وهو رقم يوازي ما نسبته 15% من الثروة العالمية لكوكب الأرض بأكمله، والمقدرة حسب أرقام عام 2014 بـ240 تريليون دولار.

ما اعتبره المؤلفان المرموقان "مفتاح الحد من الفقر العالمي"، أي إمبراطورية الشركات المتعددة الجنسيات، المقدر عددها بما يفوق الـ63 ألف شركة، هو في حقيقته مفتاح زيادة معدل الفقر العالمي، وبحسب إحصاءات البنك الدولي فإنه، وبالرغم من الزيادة المطردة في عدد الشركات متعددة الجنسيات، فإن عدد الفقراء يزيد أيضًا، ليبلغ ما يفوق اثني مليار بشري، وبالرغم من أن بيانات البنك الدولي، لعام 2015/2016، رصدت انخفاضًا في أعداد الفقراء، الذي يعيشون على أقل من 1.9 دولار يوميًا، إلى ما نسبته 9.6% من سكان العالم، أي بانخفاض قدره 200 مليون شخص عن 2012، إلا أن هذه الإحصائية، يبدو وأنها لم تراع ارتفاع الأسعار ومعدلات الشراء، وانخفاض قيمة العملة العالمية الأولى "الدولار" المستمر، بمعدل سنوي منذ سبعينات القرن الماضي.

يوضح مايكل هوبس أن الشركات متعددة الجنسيات، العاملة في إفريقيا، تعتبر المولد الرئيس، بمساعدة الحكومات، لأسوأ انتهاكات الأعمال في البلدان الفقيرة؛ إذ تستولي على الأراضي المملوكة للسكان الأصليين، وتقوم بتعيين آلاف العمال بأجور غير آدمية..

وكمثال على ذلك .. تم سحب أراضي أغلب سكان قرى زيمبابوي، لإقامة أكبر مصنع لغاز الإيثانول، فإن شركة "Green Fuel" قامت بإطلاق مفاوضات "الاستيلاء على الأراضي" بشراء سيارة لزعيم القرية، وبعد أخذ الأراضي بالكامل، وقول زعيم القرية للسكان المحليين إن هذه الأراضي "لم تكن أبدًا ملكًا لكم، وإنما تم تأجيرها بشكل مؤقت"، فإن الزعيم نفسه، وبطانته، منحوا أراضي بديلة، وهو الأسلوب المتبع ـ بشكل متصاعد ـ مع جميع الساسة، وأصحاب القرار في الدول الإفريقية.

في 25 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أطلقت الأمم المتحدة، بعيد قمة التنمية المستدامة، أجندة أهداف العالم المطلوب تحقيقها حتى عام 2030، أهداف من ضمنها القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، وتحسين الإنتاج الزراعي، وتحقيق المساواة بين الجنسين، لكن الهدف الأهم كان "إنهاء الفقر في العالم"، وهو الهدف الذي يبدو إنشائيًا ومستحيل التحقق، بدون هيكلة شاملة وهائلة للاقتصاد العالمي، وهو ما أكده الاقتصادي "ديفيد وودوارد" في دراسة له، عندما قال "إن القضاء على الفقر، في ظل النظام الاقتصادي العالمي الحالي، هو أمر مستحيل"!


وبينما يزداد الفقراء فقرًا، وترتفع الشركات متعددة الجنسيات فوق الجميع، وتعاون شبكة الأنظمة المصرفية العالمية، أكبر مجموعة ممكنة من الفاسدين والسياسيين المستبدين، على إخفاء ثرواتهم المنهوبة من هؤلاء الفقراء، تتمتع المؤسسات المالية العالمية، كالبنك الدولي وصندوق النقد، بأسوأ سمعة ممكنة منذ عقود، من خلال تكرارهم لدعوات وأهداف لا تتوافق مع سياساتهم هم أنفسهم، أو ما يحدث بالفعل في منظومة الاقتصاد العالمي، أو كما يقول محتجون على معدلات الإفقار العالمية "إنهم يقولون هناك ضحايا، وفقراء، وكيف سنقضى على الفقر؟.. إنهم يسألون الأسئلة الخاطئة.. والسؤال الصحيح أنه هناك ضحايا بالفعل، فمن وأين الجناة؟"

مصدر : sasapost