إنّ الأهداف العظيمة البراقة هي التي تحدِّد بوصلة حياة المرء منا و توجهه إلى الاتجاه السليم، و ترسم له معالم الطريق، فإن لم تفعل، فلا يجب أن نُطلق عليها أهدافا حقيقية، إنها تكون حينذاك أضغاث أحلامٍ، و أمنية عاجز.
بيد أن هناك طرحاً ، كثيرا ما يدور في ذهن شبابنا، و هو "لا أعرف هدفا لي في الحياة" أو بصياغة أكثر دقة "عندي طموح وهمّة ، لكنني لا أستطيع تحديد هدف دقيق و صحيح أسّخر هذه الطاقة في تحقيقه"
و هذا الطرح على غرابته متوقع في مجتمع كالذي نحيا فيه ، حيث تحكمنا كثير من القوانين الصارمة القاسية ، و تسلب منا حقنا في الاكتشاف و التجريب و اتخاذ القرارات و لعل أحد أخطر الجرائم التي ترتكب ضد شباب هذه الأمة و هو إلغاء إرادتهم في اختيار تخصصاتهم الأكاديمية ، وترك الأمر لمكتب التنسيق أو رغبة الوالدين !
غير أنني أؤمن دائما أن الوقت لم يفت بعد .. و قدرة المرء منا على صياغة أحلامه و أمانيه ممكنة بغض النظر عن عمره ، و أن مقولات من نوعية "فات الوقت" ،و "لم يعد ممكنا" هي عبارات تشاؤمية تفرزها همّة خاملة ..
و يكفي أن أخبرك أن الوحيد الذي لقب " بسلطان العلماء" في تاريخنا الإسلامي ، هو الشيخ الجليل " العز بن عبد السلام " و الذي قاد الثورات في الشام ، و كانت له مواقف عظيمة هناك ، ثم جاء إلى مصر ليقود مع قطز حملة شعبية كبيرة .. قضت على التتار ، هذا الرجل بدأ في طلب العلم و هو في الخمسين من عمره ، و بالتعب و الصدق و الكد و الكدح و الإخلاص صار.. سلطان العلماء.
يجب إذن قبل أن تجلس لتكتب هدفك ، أن تؤمن بأن المستقبل يحمل بين طياته أملا و إشراقا لك ،و النبي صلى الله عليه و سلم يؤكد لنا هذا المعنى بقوله "استبشروا بالخير تجدوه"
أحضر ورقة و قلماَ ، ابحث عن مكان هادئ لا يقاطعك فيه أحد ، ثم ابدأ في تحديد مالذي تريد تحقيقه في الحياة و بدقة ، يجب أن تختار هنا بحسم :
هل هدفي يتماشى مع تخصصي الأكاديمي أم لا ؟
بمعنى أنا تخرجت من كلية (التجارة ، الهندسة أو الحقوق ) ، هل أريد أن أقضي حياتي في هذا التخصص الذي درسته أم لا ، هنا أنت الذي تختار ، لا والديك ولا أصدقاؤك ، القرار لك وحدك.
يجب و أنت تختار أن تراعي بعض الأمور و هي :
أن تكون أهدافك مشروعة و متصلة على نحو ما بطاعة الله سبحانه .
أن تكون طموحة حيث إن الأهداف المتواضعة البسيطة لا تتحدى القرارات ، ولا تستفز طاقتك الكامنة ، و في المقابل احذر أن تكون أهدافك خيالية أو مستحيلة ، بل يجب أن تكون قابلة للتحقيق كي لا تشعر حيالها بالعجز و الانكسار ، و تصبح مصدراَ لشعورك بالشقاء ، فيكون اليأس في انتظارك آنذاك..
حان الآن أوان الجزء الأخطر ، وهو وضع الخطة للوصول إلى الهدف.
يقسم أساتذة الإدارة الخطط إلى نوعين رئيسيين :
الأولى : طويلة المدى ، أو " الخطط الاستراتيجية " .. تتراوح من خمس سنوات إلى عشرين عاما أو أكثر ، وهنا نحتاج إلى أن نكتب بوضوح هدفنا ، ولا يكفي أن أقول "أريد بعد عشر سنوات أن أكون رجل أعمال ناجح"
يل يجب أن أحددّ أيضا مالذي أعنيه بهذه الكلمة ، مثلا في عام 2021- إن شاء الله – سأكون صاحب شركة استيراد و تصدير تعمل في مجال كذا و كذا.
أكرر ، انت تكتب بناء على رؤية و قناعة و تفكير ،و فوق هذا إيمان بقدراتك على تحقيق هذا الهدف.
القراءة عن شركات الاستيراد ، ومتابعة أعمالهم لمعرفة بعض المعلومات عن طريقة عملها – سؤال محاسب قانوني عن كيفية تأسيس شركة في هذا المجال – حضور دورات في إدارة الأعمال و اللغة و الكمبيوتر مثلا – توفر مبلغ مالي قدره كذا – عمل شبكة من العلاقات مع رجال أعمال و سياسيين.
ضع هذه الأمور على شكل خطط قصيرة المدى محددة الزمن ، مثلا في خلال 7 أشهر سأنتهي من كذا ، في السنة الأولى سأفرغ من دورات كذا ، سأحتاج إلى العمل لبعض الوقت من أجل توفير المبلغ الذي سأحتاجه كَلَبِنة أولى ، أو سأحتاج للبحث عن شركاء مواصفاتهم كذا و كذا.
مجرد وضعك لخطط مقَيَدة بأوقات انتهاء ، يعني أنك موضوع وجها لوجه أمام هدفك ،و عليك أن تثبتَ جِدِيتكَ في تحقيق هذا الهدف.
هل سأبلغك تحياتي و أختم المقال : متمنيا لك حظا سعيدا؟
في الحقيقة لا .. أنا بحاجة لتأكيد أمر مهم ،و هو أن الحياة معترك ، ميدان كفاح ، خلقنا الله فيها ، و هو يؤكد "لقد خلقنا الإنسان في كَبد" ، أي أننا في اختيار صعب و قاسٍ ، ولا يوجد من بني البشر من عاش أو يعيش ، أو سيعيش مرتاحا ، لذا فتأكد أن الصعوبات من سنن الحياة ، فلا تبتئس أو تحزن إذا ما تعثرت أو كبوت أو فشلت في تحقيق أي من الأهداف التي كتبتها ، بل حاول ثانية و ثالثة و عاشرة ، انهض من كبوتك سريعا ، ولا تسمح للقنوط و اليأس أن يقيدك.
و بقي أن أقول: إننا مهما فعلنا ثم حُرمنا عناية الله ، فلن نكون !
ادع الله دائما أن يلهمك الصواب ، و أن يقويك و يوفقك و توكل عليه و كفاك به ناصرا و معينا
المصدر: كتاب كم حياة ستعيش ؟ كريم الشاذلي.
بيد أن هناك طرحاً ، كثيرا ما يدور في ذهن شبابنا، و هو "لا أعرف هدفا لي في الحياة" أو بصياغة أكثر دقة "عندي طموح وهمّة ، لكنني لا أستطيع تحديد هدف دقيق و صحيح أسّخر هذه الطاقة في تحقيقه"
و هذا الطرح على غرابته متوقع في مجتمع كالذي نحيا فيه ، حيث تحكمنا كثير من القوانين الصارمة القاسية ، و تسلب منا حقنا في الاكتشاف و التجريب و اتخاذ القرارات و لعل أحد أخطر الجرائم التي ترتكب ضد شباب هذه الأمة و هو إلغاء إرادتهم في اختيار تخصصاتهم الأكاديمية ، وترك الأمر لمكتب التنسيق أو رغبة الوالدين !
غير أنني أؤمن دائما أن الوقت لم يفت بعد .. و قدرة المرء منا على صياغة أحلامه و أمانيه ممكنة بغض النظر عن عمره ، و أن مقولات من نوعية "فات الوقت" ،و "لم يعد ممكنا" هي عبارات تشاؤمية تفرزها همّة خاملة ..
و يكفي أن أخبرك أن الوحيد الذي لقب " بسلطان العلماء" في تاريخنا الإسلامي ، هو الشيخ الجليل " العز بن عبد السلام " و الذي قاد الثورات في الشام ، و كانت له مواقف عظيمة هناك ، ثم جاء إلى مصر ليقود مع قطز حملة شعبية كبيرة .. قضت على التتار ، هذا الرجل بدأ في طلب العلم و هو في الخمسين من عمره ، و بالتعب و الصدق و الكد و الكدح و الإخلاص صار.. سلطان العلماء.
يجب إذن قبل أن تجلس لتكتب هدفك ، أن تؤمن بأن المستقبل يحمل بين طياته أملا و إشراقا لك ،و النبي صلى الله عليه و سلم يؤكد لنا هذا المعنى بقوله "استبشروا بالخير تجدوه"
"الأهداف الكبيرة لا تسمح لأصحابها بهناء النوم ، و لا لذة الركون أو رغد المستقر ."
أحضر ورقة و قلماَ ، ابحث عن مكان هادئ لا يقاطعك فيه أحد ، ثم ابدأ في تحديد مالذي تريد تحقيقه في الحياة و بدقة ، يجب أن تختار هنا بحسم :
هل هدفي يتماشى مع تخصصي الأكاديمي أم لا ؟
بمعنى أنا تخرجت من كلية (التجارة ، الهندسة أو الحقوق ) ، هل أريد أن أقضي حياتي في هذا التخصص الذي درسته أم لا ، هنا أنت الذي تختار ، لا والديك ولا أصدقاؤك ، القرار لك وحدك.
يجب و أنت تختار أن تراعي بعض الأمور و هي :
أن تكون أهدافك مشروعة و متصلة على نحو ما بطاعة الله سبحانه .
أن تكون طموحة حيث إن الأهداف المتواضعة البسيطة لا تتحدى القرارات ، ولا تستفز طاقتك الكامنة ، و في المقابل احذر أن تكون أهدافك خيالية أو مستحيلة ، بل يجب أن تكون قابلة للتحقيق كي لا تشعر حيالها بالعجز و الانكسار ، و تصبح مصدراَ لشعورك بالشقاء ، فيكون اليأس في انتظارك آنذاك..
إن الهدف الجيد هو الذي يتحدّاك ، لكنه لا يزعجك..
تريد مثلا أن تصبح رجل أعمال مرموق ، أو سياسيا بارعا ، أو عالما يفيد الآخرين بعلمه..
كلها أهداف مشروعة ، و لديك القدرة على تحقيقها ، قد تكون صعبة، هذا أمر جيد و مطلوب ، لكنها – كما قلنا – ليست مستحيلة أو خيالية.حان الآن أوان الجزء الأخطر ، وهو وضع الخطة للوصول إلى الهدف.
يقسم أساتذة الإدارة الخطط إلى نوعين رئيسيين :
الأولى : طويلة المدى ، أو " الخطط الاستراتيجية " .. تتراوح من خمس سنوات إلى عشرين عاما أو أكثر ، وهنا نحتاج إلى أن نكتب بوضوح هدفنا ، ولا يكفي أن أقول "أريد بعد عشر سنوات أن أكون رجل أعمال ناجح"
يل يجب أن أحددّ أيضا مالذي أعنيه بهذه الكلمة ، مثلا في عام 2021- إن شاء الله – سأكون صاحب شركة استيراد و تصدير تعمل في مجال كذا و كذا.
أكرر ، انت تكتب بناء على رؤية و قناعة و تفكير ،و فوق هذا إيمان بقدراتك على تحقيق هذا الهدف.
"لا تخف من المسافة بين الحلم و الحقيقة ، فما دمت استطعت أن تحلم بشيئ فبإمكانك تحقيقه" ...بيلفا دافيز
"قد يشك الناس فيما تقول ، و لكنهم سوف يؤمنون بما تفعل" .. لويس كايس.
الثانية : الخطط قصيرة المدى أو الخطط التكتيكية : و هي التي تصبّ في خدمة الهدف الاستراتيجي .. اسأل نفسك : مالذي يجب أن أفعله كي أكون رجل أعمال يمتلك شركة استيراد و تصدير ؟
اكتب الإجابة و لتكن مثلا :القراءة عن شركات الاستيراد ، ومتابعة أعمالهم لمعرفة بعض المعلومات عن طريقة عملها – سؤال محاسب قانوني عن كيفية تأسيس شركة في هذا المجال – حضور دورات في إدارة الأعمال و اللغة و الكمبيوتر مثلا – توفر مبلغ مالي قدره كذا – عمل شبكة من العلاقات مع رجال أعمال و سياسيين.
ضع هذه الأمور على شكل خطط قصيرة المدى محددة الزمن ، مثلا في خلال 7 أشهر سأنتهي من كذا ، في السنة الأولى سأفرغ من دورات كذا ، سأحتاج إلى العمل لبعض الوقت من أجل توفير المبلغ الذي سأحتاجه كَلَبِنة أولى ، أو سأحتاج للبحث عن شركاء مواصفاتهم كذا و كذا.
مجرد وضعك لخطط مقَيَدة بأوقات انتهاء ، يعني أنك موضوع وجها لوجه أمام هدفك ،و عليك أن تثبتَ جِدِيتكَ في تحقيق هذا الهدف.
هل سأبلغك تحياتي و أختم المقال : متمنيا لك حظا سعيدا؟
في الحقيقة لا .. أنا بحاجة لتأكيد أمر مهم ،و هو أن الحياة معترك ، ميدان كفاح ، خلقنا الله فيها ، و هو يؤكد "لقد خلقنا الإنسان في كَبد" ، أي أننا في اختيار صعب و قاسٍ ، ولا يوجد من بني البشر من عاش أو يعيش ، أو سيعيش مرتاحا ، لذا فتأكد أن الصعوبات من سنن الحياة ، فلا تبتئس أو تحزن إذا ما تعثرت أو كبوت أو فشلت في تحقيق أي من الأهداف التي كتبتها ، بل حاول ثانية و ثالثة و عاشرة ، انهض من كبوتك سريعا ، ولا تسمح للقنوط و اليأس أن يقيدك.
و بقي أن أقول: إننا مهما فعلنا ثم حُرمنا عناية الله ، فلن نكون !
ادع الله دائما أن يلهمك الصواب ، و أن يقويك و يوفقك و توكل عليه و كفاك به ناصرا و معينا
المصدر: كتاب كم حياة ستعيش ؟ كريم الشاذلي.
محول الأكوادإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء الإبتسامات