تعرف إلى أحد أكثر الأمراض فتكًا على سطح الكوكب إحذر أن تصاب به

رواد عالم تعلم ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، مرض الاكتئاب هو اكثر من الشعور بوعكة او حزن شديد. الاكتئاب هو مرض منتشر، خطير، معقد وحسب الاحصائيات يصيب اكثر من 121 مليون شخص حول العالم . ويصاب به 15%-25% من النساء و10%-15% من الرجال. من حيث النظرة الجديدة والمعاصرة فان الاكتئاب يعتبر ناتج عن نقص او عدم توازن بالمواد الكيميائية الموجودة بالمخ والجسم كافة. هذه المواد تسمى نويروترانسميترات ( ناقلات كيماوية بين عصبية مثل سرطونين، نورابنفرين ودوبامين ) .


وهذا المرض يصيب الجسم كله : فهو يساهم في رفع نسبة التعرض لمرض القلب، يخل بعمل جهاز المناعة وأمور أخرى . بالاضافة الى ذلك كلما بقي الشخص المصاب بالاكتئاب فترة اكبر من دون علاج، زاد وضعه سوءاً وقل احتمال تخلصه من المرض نهائياً . دون علاج للاكتئاب قد تتفاقم الامور وتؤدي لمشاكل عائلية واسرية (على الاغلب مشاكل بالحياة الزوجية)، مشاكل بالعمل ومع الاسف فان البقاء  دون تلقي العلاج قد يؤدي للتفكير بالانتحار .

الروائي “مات هيج” يحكي تجربته الخاصة مع الأفكار الانتحارية وطريقه الطويل نحو التعافي:


يمكنني تذكُّر اليوم الذي ماتت فيه نَفسي القديمة، بدأ الأمر بفكرةٍ، كان هناك شيئًا خاطئًا. كانت هذه البداية، قبل أن أدرك ما كانت. ثم بعد ثانيةٍ تقريبًا، كان هناك إحساس غريب داخل رأسي، نشاطٌ بيولوجي ما في مؤخرة جمجمتي، فوق رقبتي بقليل؛ المُخَيْخ. هناك نبض أو خفق حاد، كأن فراشة محاصرة بداخلي، وإحساس بوخزٍ. لم أكن أعرف بعد الآثار الجسدية الغريبة التي يمكن أن يسببها الاكتئاب والقلق، اعتقدتُ فقط أنني على وشك الموت، ثم بدأ قلبي في التوقف، ثم بدأتُ أنا في التلاشي. غرقتُ، بسرعةٍ سقطتُ في واقعٍ خانقٍ جديد، وسيمر أكثر من عامٍ قبل أن أستطيع أن أشعر بأني شبه طبيعي مجددًا.


لم يكن لدي، حتى تلك المرحلة، أي فهمٍ أو وعيٍ حقيقيٍ بالاكتئاب، سوى معرفتي بأن أمي كانت قد عانت منه لفترةٍ قصيرةٍ بعد ولادتي، وأن جدة جدتي لأبي انتهى بها الأمر بالانتحار. إذًا أعتقد أنه كان هناك تاريخ مرضي بالعائلة، ولكنه تاريخ لم أكن قد فكرت فيه كثيرًا.


على أي حال، كنت في الرابعة والعشرين من عمري، كنت أعيش في إسبانيا؛ في أحد أهدأ وأجمل جوانب جزيرة إيبيزا. كنا في شهر سبتمبر، وكان عليَّ أن أعود إلى لندن، وإلى الواقع، خلال أسبوعين. بعد ستة أعوام من حياة الطلاب والوظائف الصيفية، كنتُ قد أجلت مرحلة النضج لأطول فترةٍ ممكنة، وكانت تلوح أمامي مثل سحابة؛ سحابة بدأت تُمطِر فوقي.


أغرب شيء فيما يخص العقل أنه قد تدور بداخله أكثر الأشياء حدةً ولكن لا يستطيع أحدٌ غيرك أن يراها، لن يبالي بك العالم، قد تتسع عيناك، ربما تبدو غير متماسك، وقد تتصبب عرقًا. وكان من المستحيل لأي شخص يراني في ذلك المنزل أن يعرف بِمَ كنتُ أشعر، كان من المستحيل أن يقدر الجحيم الغريب الذي كنت أعيش فيه، أو أن يفهم لِمَ بدا الموتَ فكرةً جيدةً بصورةٍ هائلة. رقدتُ على السرير لثلاثة أيام، ولكنني لم أنَم .

كانت النافذة مفتوحة لتدع الهواء النقي يدخل إلى الغرفة، ولكنها كانت جامدة وحارة، أتذكر أنني كنت مذهولًا لكوني ما زلتُ على قيد الحياة، أعرف أن ذلك يبدو ميلودراميًّا، ولكن الاكتئاب والهلع لا يمنحانك سوى أفكار ميلودرامية لتتسلى بها. على أي حال، لم تكن هناك راحة، أردتُ أن أكون ميتًا، لا ليس ذلك صحيحًا تمامًا، لم أرد أن أكون ميتًا، ولكنني فقط لم أرد أن أكون حيًّا. كان الموت يخيفني، والموت يحدث فقط لمن كان حيًّا، كان هناك عدد لا نهائي من الناس الذين لم يعيشوا قط، أردتُ أن أكون واحدًا من هؤلاء؛ تلك الأمنية الكلاسيكية القديمة، ألا أكون قد وُلِدت أبدًا، ألا أكون واحدًا من الثلاثمائة مليون حيوانًا منويًّا الذين لم يتموا مهمتهم.


لم تكُن في رأسي كلمات مثل “اكتئاب” أو “اضطراب الهلع”، فلم أعتقد لسذاجتي المثيرة للضحك أن ما كنتُ أمر به هو أمرٌ شعر به أشخاصٌ آخرون مطلقًا، لأنني كنتُ غريبًا للغاية عن نفسي فاعتقدتُ أنني كنتُ غريبًا عن البشرية بأكملها.

في اليوم الثالث تركتُ الغرفة، وتركتُ المنزل، وخرجتُ لكي أقتل نفسي. كانت الشمس حاميةً، وكان الهواء يحمل رائحة الصنوبر والبحر، كان البحر أمامي مباشرةً، أسفل المنحدر. كانت حافة المنحدر على بعد خطواتٍ فقط، أعتقد أنها أقل من 20 خطوة. كانت خطتي أن أخطو 21 خطوة في ذلك الاتجاه.

أريد أن أموت

كان المنزل ورائي؛ أفضل مكان أقمتُ فيه على الإطلاق، وأمامي كانت أروع إطلالة رأيتها على الإطلاق. البحر الأبيض المتوسط المتلألئ، كأنه غطاء مائدة فيروزي تتناثر فوقه قطع ألماس صغيرة، يحفه خط ساحلي مثير من المنحدرات الجيرية والشواطئ المحرمة الصغيرة التي يقترب لونها من الأبيض. كان ينطبق عليه كل تعريفات الجمال، ومع ذلك لم تستطع أكثر إطلالة جمالًا في العالم أن تمنعني من الرغبة في قتل نفسي.


قبل ذلك الوقت بما يزيد عن عامٍ كنتُ قد قرأت الكثير من كتب ميشيل فوكو من أجل درجة الماجستير، وقرأتُ الكثير من كتاب الجنون والحضارة، وفكرته أنه ينبغي السماح للجنون بأن يكون جنونًا، وأن المجتمع الخائف القمعي يلقِّب كل المختلفين بالمرضى. ولكن ذلك كان مرضًا، لم يكن امتلاك فكرةٍ مجنونةٍ، لم يكن التصرف بلا عقلانية قليلًا، لم يكن مثل قراءة بورخيس، أو الاستماع إلى كابتن بيفهارت، أو تدخين غليون، أو هلوسة وتصور حانة عملاقة بالمريخ. كان ذلك ألمًا، كنتُ في حالٍ جيد والآن فجأةً لم أعُد كذلك، لم أكُن في حالٍ جيد، إذُا كنتُ مريضًا، ولم يهمني إذا ما كان هذا الأمر خطأ المجتمع أو العلم، ببساطة لم أعد أستطيع تحمل ذلك الشعور لثانيةٍ أخرى، كان عليَّ أن أنهي حياتي.



ولكن الأمر لم يكن سهلًا، فالأمر الغريب في الاكتئاب أنك على الرغم من أنك قد تكون لديك المزيد من الأفكار الانتحارية، إلا أن الخوف من الموت يظل كما هو. الفرق الوحيد أن ألم الحياة كان قد تزايد بسرعةٍ، لذا عندما تسمع عن شخصٍ قتل نفسه، من الهام أن تعرف أنه لم يكن أقل خوفًا من الموت، لم يكن الأمر ‹‹اختيارًا›› من الجانب الأخلاقي. فإن تناولتَ الموضوع من الناحية الأخلاقية أسأت فهمه. وقفتُ هناك لفترةٍ، أستجمع شجاعتي لأموت، ثم أستجمع شجاعتي لأموت، أكون، أو لا أكون. في تلك اللحظة، كان الموت وشيكًا للغاية. ربما كنت لأتخذ تلك الخطوة في كونٍ آخر، ولكن ليس في هذا الكون.

كان لدي أم وأب وأخت وصديقة، هؤلاء أربعة أشخاص أحبوني، تمنيتُ في تلك اللحظة بشدة ألا يكون لي أحد على الإطلاق، لا أحد، كان الحب يقيدني هنا، وهم لم يعرفوا كيف كان الأمر، لم يعرفوا كيف كان الوضع في رأسي. ربما إذا دخلوا إلى رأسي لعشر دقائق كانوا سيقولون: ‹‹حسنًا، أجل، في الحقيقة عليك أن تقفز، ليس هناك ما يحتم عليك الشعور بهذا القدر من الألم، اجري واقفز وأغلق عينيك وافعلها. نعني أنك إذا كنت تحترق كان يمكننا وضع بطانية حولك لنطفئ النيران، ولكن اللهب الآن خفي، ليس هناك ما يكننا فعله، لذا اقفز، أو اعطنا مسدسًا لنطلق عليك النار، نقتلك قتلًا رحيمًا››.

 ولكن ليس هكذا تسير الأمور، إذا كنت تعاني من الاكتئاب فألمك خفي، كما أنني بصراحة كنت خائفًا، ماذا إذا لم أمُت؟ ماذا إذا أصبت بالشلل فقط وظللت محاصرًا بدون حركةٍ في تلك الحالة للأبد؟ أعتقد أن الحياة دائمًا ما تقدم أسبابًا لعدم الموت، إذا استمعنا جيدًا. يمكن أن تنبع تلك الأسباب من الماضي – ربما من الأشخاص الذين ربونا، أو أصدقائنا أو أحبائنا- أو من المستقبل؛ من احتمالاتٍ سنلغيها بوفاتنا.


لذا بقيتُ على قيد الحياة، عدتُ إلى المنزل وانتهى بي الأمر أتقيأ بسبب الضغط الذي سبّبه لي الأمر بأكمله.

يُعد الانتحار الآن – في أماكن مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة- سببًا رئيسًا للوفاة، فهو مسئول عن أكثر من حالة وفاة من بين كل مائة حالة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية فهو يقتل عددًا من الناس أكثر من ذلك الذي يقتله سرطان المعدة وتليف الكبد وسرطان القولون وسرطان الثدي والزهايمر. وبما أن الأشخاص الذين يقتلون أنفسهم غالبًا ما يكونون مكتئبين، فالاكتئاب هو أحد أكثر الأمراض فتكًا على الأرض، وهو يتسبب في قتل أشخاصٍ أكثر مما تفعل الأشكال الأخرى للعنف؛ مثل الحرب والإرهاب والعنف الأسري والاعتداء وجرائم السلاح، مجتمعةً. ومع ذلك ما زال الناس يعتقدون أن الاكتئاب ليس حقًا بهذا السوء، فإذا لم يكونوا يعتقدون ذلك، لم يكونوا ليقولوا ما يقولونه.


عندما تكون محاصرًا بداخل شيءٍ تشعر أنه غير حقيقي، تبحث عن أي شيءٍ يمنحك إحساسًا بشأنك. فالتمستُ المعرفة، التمستُ الحقائق، وبحثت عنهم كطوق نجاةٍ في البحر. ولكن الإحصاءات خادعة، فما يحدث داخل العقل يمكن إخفاؤه. في بداية مرضي كنت أبذل الكثير من الجهد لأبدو طبيعيًّا، لا يعرف الناس غالبًا أن شخصًا ما يعاني إلا إذا أخبرهم بنفسه، ولا يحدث ذلك دائمًا في حالة الاكتئاب، وبخاصةٍ إذا كان المريض ذكرًا. 

كما أن الحقائق قد تغيرت بمرور الوقت، فالاكتئاب لم يكُن يُدعى اكتئابًا، بل كان يُدعى سوداوية، وكان الأشخاص الذين يعانون منه أقل كثيرًا ممن يعانون من الاكتئاب الحالي. ولكن هل كانوا أقل بالفعل؟ أم أن الناس الآن قد أصبحوا أكثر انفتاحًا فيما يتعلق بمثل تلك الأمور؟


أريد أن أتحدث عن كَوني رجلًا، إن عدد الرجال الذين يقتلون أنفسهم أكبر بصورةٍ مدهشةٍ من النساء اللاتي تقتلن أنفسهن، فالنسبة في المملكة المتحدة 5,3 إلى 1، وفي اليونان 6 إلى 1، وفي الولايات المتحدة 4 إلى 1، فهذه النسب تمثِّل متوسطًا. إن الدول الوحيدة التي تقتل النساء أنفسهن فيها أكثر من الرجال هي الصين وهونج كونج وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، بينما في بقية الدول ينهي الرجال حياتهم أكثر مما تفعل النساء. ذلك أمر غريب خاصةً وأنه وفقًا لكل الدراسات فالنساء تعاني من الاكتئاب أكثر من الرجال بمقدار الضِعف تقريبًا.

لماذا ما يزال العديد من الرجال يقتلون أنفسهم؟ ما المشكلة؟ الإجابة الشائعة هي أن الرجال عادةً ما ينظرون إلى المرض العقلي باعتباره علامةً على الضعف، ويعزفون عن السعي للحصول على المساعدة، فالفتيان لا يبكون. ولكنهم يبكون! نحن نبكي! أنا أبكي !!


جاءت لحظة التعافي في حالتي في أبريل 2000، كانت غير منطقية تمامًا، في الحقيقة ليس هناك الكثير مما يمكن أن أكتبه عنها. كان هذا بيت القصيد، كانت لحظة من اللاشيء، من الغفلة، من قضاء 10 ثوانٍ تقريبًا مستيقظًا دون التفكير في اكتئابي أو قلقي، كنت أفكر في العمل، في محاولة نشر مقالٍ في صحيفة.

لم تكن فكرةً سعيدة ولكنها كانت فكرة محايدة، ولكنها كانت نقطةً مضيئةً، علامةً على أن الشمس ما زالت مشرقة في مكانٍ ما. انتهى الأمر بسرعةٍ، ولكن عندما عاد الضباب مرةً أخرى كان هناك أمل، في أن سيكون هناك وقت تصبح فيه تلك الثواني الهادئة دقائق وساعات وربما حتى أيامًا.

ماذا علينا أن نفعل إذًا؟ نتحدث، نستمع، ونشجّع على الحديث، ونشجّع على الاستماع، ونستمر في الإضافة إلى المحادثة، ونظل متنبهين لهؤلاء الذين يريدون الانضمام للمحادثة، ونظل نعيد مرارًا وتكرارًا أن الاكتئاب ليس أمرًا تعترف به ولا أمرًا عليك أن تخجل منه، إنه تجربة إنسانية.

الأمر لا يتعلق بك، إنه ببساطة أمر يحدث لك، وهو أمر يمكن تخفيفه غالبًا بالحديث، بالكلمات، بالراحة، بالدعم. استغرقني الأمر أكثر من عقدٍ لكي أستطيع الحديث بصراحة وعلى نحوٍ سليم عن تجربتي، للجميع. وسرعان ما اكتشفتُ أن فعل الحديث نفسه علاجٌ، فطالما وُجد الحديث وُجد الأمل.

المصدر : theguardian.com

إذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته مع زملائك لتعم الفائدة