6 مظاهر غريبة .. تؤكد هراء التنمية البشرية !

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...تمتلئ كتب "التنمية البشرية" بقصص النجاح (المُلهمة)، لمشاهير العالم وأثريائه وقادته، الذين نجحوا في "إخراج المارد من داخلهم"، و"تسلّق قمة الجبل"، و"قهر المستحيل"، و"صناعة الفارق"، ونقش أسمائهم في "سجل الخالدين"، إلى آخر هذه العبارات المنمّقة...

التنمية البشرية

يقول مؤلفو تلك الكتب إنهم يعرضون هذه القصص بهدف "التحفيز"، ودفع فئة الشباب تحديداً، إلى محاولة "تقليد الناجحين"، وعدم الاستسلام لليأس، ولرفع همتهم وروحهم المعنوية. لكننا إذا تمعنا قليلا في نوعية هذه القصص، نجد أن غالبيتها صُنعت في أميركا (هكذا رأيت من قراءتي عدة كتب مترجمة، ولاطلاعي على بعض ما ينشر عبر شبكة الإنترنت)، أي أنها حدثت في "بلاد الفرص"، حيث الإمكانات الهائلة، واللامحدودة، وحيث يستطيع أي مجتهد مثابر أن يحقق نجاحات كثيرة.

هذا يعني، من وجهة نظري، أن غالبيتها قصص نجاح عادية، وليست "مُلهمة"، كما يقولون، وأن إمكانية تكرارها، في أماكن أخرى، ليست أمراً سهلاً، إلا إذا توفرت الشروط نفسها. ففي المناطق المُعدمة، لا توجد "قمم" أصلا، كي يتسلّقها الشاب، والمارد الذي بداخلهم، إما أن يكون قد هرم ومات، أو فرّ إلى الخارج منذ زمن، ولا جدوى من محاولة إيقاظه. وعليه، يتحول عرض هذه القصص بشكلها الحالي إلى "أدوات تعذيب" للشباب، بدلا من أن تصبح "أساليب تحفيز".

تحفيز

فقصة نجاح شاب في بيئة فقيرة، مُحاصرة، معدمة، هي القادرة على إلهام الشباب في كل مكان، وتشجعيه وتحفيزه، لأنه سيكون كالكف التي ناطحت المخرز، وانتصرت عليه. سأعطيكم مثالاً، من غزة، وسأروي باختصار قصة الفتاة، حنان عبد الغفور.

تنتمي حنان لأسرة فقيرة، وتسكن مع أهلها في بيت مسقوف بالصفيح، وعلى الرغم من ذلك، نجحت في امتحانات الثانوية العامة، وحصلت على معدل 98.1%، وتستعد حاليا لدراسة الطب.

للوهلة الأولى، تجد أن هذا طبيعي. لكن، ليس هذا كل شيء، فحينما تعرف أن حنان انتشلت، العام الماضي، من تحت أنقاض منزلها الذي دمرته إسرائيل في الحرب على غزة، ستعرف أن الأمر فعلا مختلف.

أيضا، ليس هذا كل شيء، فقد عانت الفتاة، خلال الدراسة، من التشرد مع أسرتها ستة شهور، ثم اضطرت للعودة إلى منزلها المدمر، بعد إصلاح بعض غرفه بواسطة ألواح خشبية، وبعض الأقمشة والنايلون، ودرست وسط الحر والبرد الشديدين، في بيئة فقيرة، وغير صالحة إطلاقا للدراسة، لكنها تمكنت من تحقيق هذا الإنجاز الكبير الذي يعجز عن تحقيقه مترفون كثيرون. 

حبذا لو اتجه "خبراء" التنمية البشرية العرب، وما أكثرهم اليوم، إلى تدوين هذه التجارب والقصص المحلية، والتوقف عن اتحافنا بالقصص المترجمة، عن كيفية جمع بعض أصحاب المليارات أموالهم، فتلك القصص "مُلهمة" لشباب تلك البلاد التي وقعت أحداثها فيها فقط. ونتمنى أن يتوقفوا كذلك عن ترديد العبارات الممجوجة، فالشباب ليس بحاجة إلى من "يُنظّر" عليه، ويتهمه ضمناً بالفشل والكسل، ولا إلى من يطلب منه أن "يصعد الدرج بسرعة، من دون أن يتأمله"، ولا من يعلّمه كيف يكون أكثر تفاؤلاً.

كل ما عليك فعله فقط هو قراءة كتابٍ أو اثنين ثم مشاهدة مجموعة من الفيديوهات وترتيب كلماتٍ بنظامٍ معين من أجل أن تصبح بائعًا للكلمات الجيدة أو بوصفٍ آخر من أجل أن تصبح مدربًا في مجال التنمية البشرية..!

أنا لا أنكر من خلال هذا المقال أن هناك العديد من المهارات التي يمكن تعلمها في مختلف المجالات مثل تنمية مهارات التواصل، أو طرق العرض الفعّال، أو التسويق الجيد، أو كيفية إدارة الأعمال، كل هذه أمورٌ يمكن تعلمها على يد مدربين لكن على ما يبدو أن الجميع يتجاهل ذكر كلمة المتخصصين ويكتفي بذكر كلمة "مدربين"!

إذا كنت تود معرفة المزيد عن التسويق إذا عليك التعلم من خبيرٍ في هذا الأمر، إذا كنت تودّ دراسة التخطيط الجيد، فهناك العديد من مسئولي التخطيط في أفضل الشركات يمكنك التعلم منهم! أما أن تتعلم كل شىء من أشخاص ليسوا بارعين سوى في ارتداء البدل  الأنيقة واستخدام الكلمات المرتبة و التبسم فهذا هو الهُراء بذاته.

لن أخوض طويلًا في التحدث عن التنمية البشرية بل كل ما سأتحدث عنه هو المظاهر الغريبة التي تراها مجتمعة عند أغلب المدربين في الوطن العربي والتي ليس لها أي دلالة مفهومة أو أي دليل يثبت صحتها!

1- الشهادات المزيفة

الشهادات المزيفة

من هذا العبقري الذي يستطيع جمع هذا العدد من الشهادات التي تراها في السير الذاتية لهؤلاء المدربين بالرغم من صغر أعمارهم! بالطبع هذا غير ممكن إلا إذا كانت هذه الشهادات مزيفة.

إذا لم تكن مقتنعًا بهذا الأمر فحاول البحث عن أصل هذه الشهادات، بالتأكيد لن تجد الوقت الكافي لذلك! ولكن إذا كنت مصرًا على هذا الأمر  كل ما عليك فعله هو ارسال "ايميل" إلى الجامعات التي حصل منها صديقنا المدرب على شهاداته وستقوم هذه الجامعات بدورها بالرد على كافة استفساراتك.

2- صورة "ابراهيم الفقى"

ابراهيم الفقى

هذا الأمر هو الأغرب على الإطلاق بين مدربي التنمية البشرية! إذا كنت واثقًا في نفسك وفي المحتوى الذى تقوم بتقديمه، إذن ما الحاجة لوضع صورة ابراهيم الفقي في خلفية "البوستر" الخاص بالدورة التي تقدمها!

ربما نتفق أو نختلف حول شخصية ابراهيم الفقي ، إلا أننا لا ننسى أنه بالفعل قد قام أثر إيجابيًا في العديد من الشباب وهذا ما جعله واحدًا من أفضل وأشهر المدربين على الإطلاق، إلا أن هذا أيضًا ليس مبررًا من أجل استخدام صورته في كل دورة يتم انتاجها في مجال التنمية البشرية!

كذلك الإدعاء بأنك كنت واحدًا من مساعدي ابراهيم الفقي لن يضيف الثقة إليك! وحسب الإحصائيات الغير رسمية الأخيرة فإن نسبة 83 % من مدربيّ التنمية البشرية كانوا معاونين ومساعدين ابراهيم الفقي في مرحلة ما من مراحل حياتهم.

3- الأسعار الباهظة!

 الأسعار الباهظة

لم علىّ دفع أموال طائلة من أجل حضور محاضرة يخبرني بها شخصٌ ما أن عليّ أن أصبح أكثر تفاؤلًا و أن أركز على الأمور الجيدة في الحياة! هذه معلومة الكل يعلمها، لسنا في حاجة لدفع أموالٍ من أجل إعادتها مرارًا وتكرارًا!

إذا كنت تبحث عن التفاؤل والأمل فيمكنك تصفح صفحات الإنترنت والفيس بوك وستجد ملايين الأمثلة المجانية لعظماء واجهوا الإحباط والفشل إلا أنهم نجحوا في نهاية المطاف!

كذلك من الأمور الغريبة هي كلمة "استثمار"! إذا كان عليّ دفع الآلاف من الجنيهات من أجل سماع هذه الكلمات التي لا تمثل أي قيمة حقيقية والتي يمكن الحصول عليها مجانًا من الكتب وصفحات الإنترنت، فأين يكمن الاستثمار في هذا؟!

الوصف الدقيق هو استخدام كلمة النصب بدلًا من كلمة استثمار، فالاستثمار الوحيد الذي سيحصل عليه الحاضرون هو التيقن الحقيقي من أن هذا الهراء وهذه الكلمات الشائعة لا تصنع قائدًا ناجحًا، ولا تمثل مصباحًا سحريًا سيكون سببًا في كسب الملايين..

هذه بعض مظاهر الخداع التي يتمتع بها أغلب مدربي التنمية البشرية، إلا أن هذا لا يمنع من وجود قلة من المدربين الذين يسعون بكامل طاقتهم الى تطوير مهارات غيرهم دون أي مقابل.. وهذا هو ما سيتم استكماله في باقي المقال بعد سرد باقي مظاهر الكذب والخداع.

4- الأوهام العظيمة

 الأوهام العظيمة

أفضّل دائمًا إطلاق لقب "بائعي الكلمات والوهم" على مدربي التنمية البشرية، وذلك لقدرتهم العظيمة على التلاعب بالألفاظ وسرد وترتيب الأوهام التي قد تُشعرك بسهولة وإمكانية تحقيقها فقط من خلال الاشتراك في دورة لمدة ثلاث  أيام!

إذا كنت تسعى بالفعل الى النجاح والتميز فكل ما ستواجهه هو الصعاب، وكل ما عليك فعله هو الابتكار في حل هذه الصعاب، أي أن الكلمة السحرية هنا هي "بذل الجهد".

5- انعدام الخبرة

الخبرة

بالإمكان الحصول على جزء من المعلومات من خلال الكتب أو مواقع الإنترنت، لكن الجزء الأكبر تحصل عليه من خلال الممارسة ومصاحبة المتخصصين والخبراء.

لذا حينما يتحدث أحد هؤلاء المدربين عن كيفية أن تصبح قائدًا متميزًا فهذا يعني أنه نفسه قائدًا في المقام الأول، أو عندما يتحدث عن النجاح والشهرة والأموال، فعليه أيضًا أن يمتلك هذه الصفات قبل أن يتحدث عنها! وإلا فالخبرة التي نحصل عليه منها هي مجرد كلمات تم الحصول عليها من صفحات الكتب ليس أكثر!

وهنا لا بد من التفرقة بين الكاتب والمدرب! فالكاتب حينما يودّ أن ينفع قرائه بطرق الثراء، فإنه يقوم بقراءة المقالات التي كتبها الأثرياء بالفعل ثم يعيد صياغتها بأسلوبه الخاص من أجل إفادة قرائه، وقد يكتب هو أيضا طرقًا خاصة به إن كان ثريًا بالفعل!

أما المدرب فإنه بإلقائه محاضرة أو تأليفه لكتابٍ ما عن الغنى والثراء، فإنه في هذه الحالة ينقل خبرته الخاصة، فالجمهور قد قام بشراء تذاكر الحضور أو الكتب الخاصة من أجل معرفة الخبرة الشخصية وهو بالطبع أمرٌ ليس له وجود!.

كما قلتُ مسبقًا الموضوع عبارة عن قراءة مواضيع ثم اعادة صياغتها بشكلٍ احترافي مبهر ليس أكثر!

6- الأخطاء والمخالفات العلمية !

الأخطاء والمخالفات العلمية

لا بأس إن كان الأمر قاصرًا على الأموال التي قد تُدفع مقابل بعض الكلمات التافهة والمرتبة ترتيبًا جيدًا! لكن الأمر يتعدى هذا ويتخطى حدود الصحة العلمية!

هنا أقصد بعض الممارسات مثل البرمجة اللغوية العصبية والعلاج بالطاقة وما شابه من أمور النصب هذه التي يتم صياغتها على أنها علوم حقيقية وهي في الأصل علوم مزيفة ليس لها أساس من الصحة، بل قد  تؤثر تأثيرًا سلبيًا على صحة الإنسان وحياته في بعض الأحيان !

كذلك المحزن في هذا الأمر أن هؤلاء المدعين ومؤيديهم لا يكفون عن تبرير هذه الأفعال وادعائهم بصحتها رغم عدم وجود أي أدلة علمية تدعم هذه الآراء بل بالعكس هناك العديد من الدراسات التي قد أثبتت خطأ هذه الممارسات بالفعل.

إذا كان يظن هؤلاء المدعين أن ممارسات البرمجة اللغوية أو العلاج بالطاقة له تأثيرٌ جيد في علاج الأمراض، حسنًا نودّ أن نرى مريضًا بالسرطان قد تم شفاؤه من خلال هذه الوسائل…

""هذا بالنسبة إلى المظاهر التي تراها مجتمعة عند أغلب هؤلاء المدربين، لكن الوضع ليس عامًا! فهناك قِلّة من هؤلاء يحرصون على تعليم المهارات لغيرهم دون أي مقابل..

هؤلاء لا أكن لهم سوى كل تقدير، أما ما يحدث من استغلال للأوضاع ونشرٍ للجهل ونصبٍ من أجل الحصول على الأموال هو أمرٌ غير مقبول ويجب أن يكون هناك رادع لأمثال هؤلاء.""


لا تنسى مشاركة الموضوع مع أصدقائك