رواد عالم تعلم ، السلام عليكم ورحمة الله ، عديدة هي النظريات التي تناولت مسألة الذكاء ، كنظرية بياجيه والنظرية السيكومترية ، و ما يجمع بين هذه النظريات كونها تتفق كلها في القول على أن الذكاء بنية متكاملة والأداء في مهمة ما ، يرتبط بالأداء في مهام أخرى. وجل هذه النظريات يركز على الجانب الخارجي (المظهر) لعملية التعليم و التعلم ولم تصل إلى جوهر الطالب و تحليل قدراته الفعلية كالذكاء مثلا والقدرة على مواجهة المواقف والمشاكل و إيجاد الحلول و التوصيفات لمثل هذه المسائل والمواقف. غير أنه و في سنة 1983 ، سيحدث عالم نفس أمريكي زلزالا في المسلمات المتعلقة بالذكاء البشري .
و أوضح هوارد جاردنر Howard Gardner من خلال ملاحظته لأطفال ما قبل المدرسة عدم صحة هذه المسلمات ، قائلا أن كثيرا من معلمي أطفال ما قبل المدرسة ، يدركون أنه يمكن أن يكون لدى طفل معين مهارات العلاقات بين الأشخاص أو ما يسمى الذكاء الاجتماعي ، بينما يكون لدى طفل آخر ذكاء رياضي . هذه الميول والنزعات لا تظهر فجأة بل من خلال مرور الأطفال بمواقف وأنشطة تحتوى على هذه الذكاءات .
لا تعد نظرية الذكاءات المتعددة طرحًا جديدًا فالبدايات الأولى للنظرية تعود إلى منتصف الثمانينات أما دخول النظرية إلى حيز التطبيقات العملية فيعود ربما إلى بداية الألفية، تقوم النظرية على عدة فرضيات تتناقض مع النظرة العامة والتقليدية لمفهوم الذكاء أو المعامل “G” الذي يتم قياسه باختبارات الذكاء المختلفة .
و هكذا قام هوارد جاردنر Howard Gardner بإعادة النظر جذريا فيما يتعلق بالذكاء وآثاره على العملية التعليمية التعلمية ، وتقدم بنظرية جديدة عن الذكاءات المتعددة في كتابه ” الأطر العقلية ”، ” Frames of Mind ” ، رافضا فكرة الذكاء الواحد و مؤكدا على وجود العديد من القدرات العقلية المستقلة نسبيا لدى كل فرد أطلق عليها ” الذكاءات البشرية ” لكل منها خصائصها وسماتها الخاصة بها . فما هي إذن هذه النظرية التي غيرت إلى الأبد مفهوم الذكاء البشري ، و ما أثرها على المنظومة التعليمية ؟
تقوم النظرية التي طورها هوارد جاردنر أستاذ العلوم العصبية في هارفارد على مجموعة من الفرضيات أهمها :
- الذكاء غير مفرد لكنه عبارة عن ذكاءات متنوعة ومتعددة لها بوادر فطرية لكنها قابلة للنمو بل والتغيير أيضًا “الإصدار الأول للنظرية كان العدد 7 ذكاءات أساسية”.
- كل شخص يمتلك خليطًا متنوعًا من هذه الذكاءات بنسب مختلفة ومتفاوتة، بعضها مرتفع وبعضها منخفض، ويتحدد نوع ذكاء الفرد حسب النوع المهيمن من هذه الذكاءات بالنسبة له.
- كل ذكاء له مجموعة من المهارات والقدرات والخاصة التي يمكن اختباره وتنميته من خلالها.
- كل ذكاء من هذه الذكاءات يرتبط بمنطقة معينة في مخ الإنسان.
- كل نوع من الذكاء يرتبط بنمط من أنماط التعلم “أسلوب خاص يجعل تلقي الإنسان للمعلومات أكثر كفاءة”، كما يرتبط بمجموعة من المهارات والوظائف التي يصير الإنسان أكثر قدرة على أدائها.
أنواع الذكاءات أو أنماط التعلم وفقًا لـ«جاردنر»:
الذكاء اللغوي - Word smart
أصحاب هذا النوع من الذكاء يتعلمون بشكل أفضل من خلال أنشطة كالقراءة والكتابة والاستماع والتحدث، بشكل عام، فإن أصحاب الذكاء اللفظي يجيدون التعلم عبر أي نشاط مرتبط بالكلمات سواء كانت مكتوبة أو منطوقة.
يمتلك أصحاب هذا النوع من الذكاء قدرات في التعبير عن أنفسهم سواء بالتحدث أو بالكتابة، كما يمتلكون قدرات لغوية جيدة ومهارة في استخدام الكلمات والتشبيهات، كما يُظهر أصحاب الذكاء اللغوي براعة في مواد اللغات والأدب.
لتعزيز هذا النمط من الذكاء يمكن أن يطلب من الطالب تسجيل النصوص بصوته وإعادة الاستماع إليها من حين لآخر، القراءة بصوت مسموع ومميز بدلاً من القراءة بالعين أو بصوت رتيب، تستخدم تدريبات المحادثة أيضًامن أجل تعزيز هذا النوع من الذكاء، كأن يطلب من التلميذ/الطالب الحديث أمام زملائه حول قضية ما أو أي مادة علمية أو ربما تعريف نفسه وعائلته، الحلقات النقاشية والمسابقات الجماعية والمناظرات كلها أنشطة تعليمية قد تستخدم في تعزيز الذكاء اللفظي.
الذكاء المنطقي/الحسابي - Logic smart
أصحاب هذا الذكاء يجيدون التعلم بشكل أكبر من خلال أنشطة التصنيف وتقسيم المعلومات إلى مجموعات وفصائل إضافة إلى العلاقة الرياضية والمعادلات والأنشطة المتعلقة بالأرقام.
حل المشاكل بطريقة منهجية، وضع الأهداف والخطط، تنظيم الميزانيات وجداول الأعمال وخطوط السير، أصحاب هذا الذكاء يظهرون تفوقًا في فهم مواد العلوم والرياضيات.
يمكن تنمية هذا النوع من الذكاء بتدريب الطلاب على استخراج النقاط وتمييز الأسباب والنتائج والعلاقات بينها وأسئلة التعليل، إضافة إلى التعامل مع القوانين وحل المعادلات الرياضية.
الذكاء البصري - Picture smart
يجيد أصحاب هذا الذكاء التعلم من خلال رسم الأشياء أو الصور أو حتى التخيل، جميع الوسائل البصرية كالرسوم البيانية والعروض التقديمية وجميع تقنيات الصورة قد تكون فعالة معهم بشكل كبير .
يتم تعزيز هذا النمط من الذكاء عبر التدريب على استخدام الألوان والرسوم التوضيحية واستخدام الخرائط الذهنية، وربط الكلمات بالصور وتظليل الكلمات المقروءة من خلال استخدام بعض الأقلام الملونة.
الذكاء السمعي - Music smart
أصحاب هذا الذكاء يجيدون التعلم من خلال الإيقاعات والألحان والأناشيد والأغاني والكلمات الموزونة والمسجوعة، والمواد التي تعتمد بشكل كبير على الأصوات، البيئة بالنسبة لأصحاب هذا النمط من الذكاء تتشكل عبر الأصوات، يمكنك ببساطة أن تنقل أحدهم إلى شاطئ البحر فقط إذا منحته تسجيلاً جيدًا لتلاطم الأمواج وحركة الرياح.
يمكن تنمية هذا الذكاء عبر تدريب الطلاب على تدريبات السماع وتمييز الأصوات واستحضار المعلومات من المواد المسموعة، غالبًا ما يربط أصحاب هذا الذكاء المعلومات الهامة بمقاطع موسيقية أو نغمات مفضلة بحيث يمكنهم استدعاء الكلمات والمفاهيم بسهولة مع سماع النغمات والمقطوعات أو العكس.
الذكاء الحركي - Body smart
أصحاب هذا الذكاء يميلون لاستخدام أجسامهم للتعرف إلى العالم والأشياء من حولهم. غالبًا ما تعمل حاسة اللمس بكفاءة أكبر لدى أصحاب هذا النوع من الذكاء، يميل أصحاب الذكاء الحركي إلى ممارسة الأنشطة البدنية كالرياضة والحرف والأعمال اليدوية، وغالبًا ما يؤكد هؤلاء أن قدرتهم على التفكير ومعالجة القضايا تزداد بشكل ملحوظ أثناء ممارستهم لأنشطة حركية.
قد لا يميل أصحاب الذكاء الحركي للقبول بجلسة الفصل التقليدية أثناء التعلم، قد يفضلون أكثر الوقوف أو الحركة، كما تزيد قدراتهم الاستيعابية إذا تم إدماج النماذج والمجسمات والتجارب العملية ضمن عملية التعليم، تقنيات تقمص الأدوار “Role playing” سواء بشكل فردي أو جماعي قد تكون تقنية متميزة في هذه الحالات.
الذكاء الاجتماعي - People smart
يبدي أصحاب هذا النوع من الذكاء قدرة أكبر على التعلم من خلال التواصل مع الآخرين، عقد المقارنات والتعاون، أصحاب هذا النوع من الذكاء يتمتعون بقدرات قيادية مرتفعة وقدرة أكبر على الإنتاج ضمن مجموعات وفرق العمل.
يُنمى هذا النوع من الذكاء من خلال انخراط الطالب في الأنشطة الاجتماعية، أصحاب الذكاء الاجتماعي يحصلون بشكل أفضل عند الدراسة أو المذاكرة بصحبة الأصدقاء، الانخراط في الرياضات أو حتى الألعاب الترفيهية الجماعية، الرحلات والأعمال الاجتماعية قد تكون مفيدة أيضًا.
الذكاء الفردي - Self smart
يأتي على النقيض من هؤلاء أصحاب الذكاء الفردي، يتمتع هؤلاء بقدرات أكبر على الاستيعاب والإنجاز عندما يكونون بمفردهم، ليس بالضرورة أن يكونوا خجولين أو انطوائيين، ولكن أصحاب هذا الذكاء هم شخصيات مستقلة نوعًا ما.
يقضي هؤلاء أوقاتًا طويلة نوعًا ما في التحليل والتقويم الذاتي، وتسجيل الملاحظات الشخصية، ومراجعة الأحداث السابقة وتقييم إنجازاتهم.هواياتهم غالبًا فردية حتى في السفر فإنهم يميلون إلى المناطق الهادئة وغير الصاخبة، وغالبًا ما يفضلون قضاء العطلات بمفردهم.
يفضل هؤلاء الدراسة الشخصية كما يبدو، وهم بارعون في وضع الخطط والأهداف، وغالبًا ما تكون محفزاتهم داخلية، وتنبع من الرضا الذاتي عن النفس والإحساس المستمر بالإنجاز.
يبقى التأكيد أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك نمط واحد أكثر بروزًا بشكل واضح عند الجميع، قد يكون النمط التعليمي خليطًا من نمطين وربما ثلاثة، بالتالي تحتاج الوسائل والأنشطة التعليمية أن تكون أكثر تنوعًابحيث تغطي مداخل التعلم للأنماط الأكثر تأثيرًا وهيمنة.
إذا أعجبك الموضوع لا تنس مشاركته مع زملائك لتعم الفائدة
محول الأكوادإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء الإبتسامات