بحث جاهز حول نظرية الدعوى

كانت النزاعات بين البشر في القديم تحسم عن طريق القصاص أو الثأر الأمر الذي أدى إلى عدم الإستقرار مما أدى إلى ضرورة إيجاد قواعد تضبط المعاملات بين أفراد المجتمع. إلا أن المفهوم الحديث تطلب إيجاد هيأة عامة تكفل هته النزاعات تدعى بالسلطة القضائية ولذلك فقد ارتأينا لدراسة موضوع بحثنا المتعلق بإجراءات رفع دعوى تقسيمه إلى ثلاث مباحث, لنتناول كمبحث أول نظرية الدعوى, وكمبحث ثاني نتناول إجراءات افتتاح الخصومة والسير فيها, وفي المبحث الثالث نتطرق إلى عوارض الخصومة, معتمدين في ذلك على المنهج الوصفي لأنه أكثر ملائمة للموضوع قيد البحث. وعليه يمكننا طرح الإشكاليات التالية: ما سر اختلاف الفقهاء في تعريف الدعوى وأي منحى سلكه المشرع الجزائري في هذا الشأن؟ ما هي الإجراءات المتبعة لرفع دعوى أمام الجهات القضائية المختلفة؟

المبحث الأول  : نظرية الدعوى
إن الحديث عن الطبيعة القانونية للدعوى القضائية يؤدي إلى تعريف الدعوى حتى يتضح مفهومها وخصائصها.

المطلب الأول : مفهوم الدعوى

تجدر الإشارة, عند دراسة الدعوى القضائية أن هذه الأخيرة, تعد من أهم المواضيع التي خاض فيها العديد من رجال القانون والفقه ولم يتمكن أحد من وضع تعريف دقيق وشامل لها وهذا ناتج أساسا من اقتراب مفهومها من عدة مفاهيم قانونية متشابهة, ولعدم وضع التشريعات لتعريف خاص بها, وكذا لارتباطها بالوسائل والإجراءات المتبعة أمام مرفق القضاء أو بتعبير آخر نظرا لتأرجحها بين المفهوم المجرد للحق في الدعوى وبين حق ممارستها أمام القضاء وبالتالي فإنه يتعين دراستها في عنصرين: الأول يتعلق بتعريفها الفقهي والثاني يتعلق بخصائصها.

  الفرع الأول : تعريف الدعوى
تعد الدعوى الوسيلة التي بموجبها يلجأ المواطن إلى السلطة القضائية للحصول على الحماية القضائية لحقه المعتدى عليه. أما المشرع الجزائري فإنه لم يورد تعريفا للدعوى متأثرا في ذلك برأي المشرع الفرنسي الذي يرى أن نظرية الدعوى لا تحتمل التنظيم التشريعي وإنما محلها في الفقه وليس في التشريع.

الفرع الثاني : خصائص الدعوى

تختلف الدعوى عن الحق من حيث سبب كل منهما, فالحق سببه واقعة قانونية عقدا كان أو عملا غير مشروع وغير ذلك من مصادر الالتزام, في حين الدعوى سببها النزاع بين المدعي والمدعى عليه مما يقتضي تدخل السلطة القضائية لحسمه, فالدعوى لها كيان مستقل عن الحق الذي تحميه فهي وسيلة قانونية لحماية الحق وليست الحق نفسه, كما أن الدعوى تختلف عن الحق في اللجوء إلى القضاء لكون هذا الأخير من الحقوق العامة التي كفلها الدستور لكل شخص طبقا للمادة 140/02 من الدستور الجزائري لسنة 1996. كما تتميز الدعوى عن المطالبة القضائية والخصومة والقضية في كون هذه الأخيرة عبارة عن الإجراءات والحالة القانونية لتي تنشأ عن استعمال حق الدعوى, ويترتب عليها حقوق وواجبات للخصوم.


المطلب الثاني : شروط قبول الدعوى

إذا كان حق رفع الدعوى مكفولا للناس كافة إلا أن المشرع قيده بشروط معينة يجب على القاضي البحث في مدى توافرها قبل الخوض في موضوعها, ويترتب عن تخلفها التصريح بعدم قبول الدعوى شكلا, ولا يعد ذلك فصلا في موضوع النزاع, وقد أوردها المشرع الجزائري في المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية والتي تنص على "لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لصفة وأهلية التقاضي وله مصلحة في ذلك". فكل مدع ملزم بإثبات صفته ومصلحته في رفع دعوى ويتأتى ذلك بإرفاقه للوثائق والمستندات وكذا الأدلة الكافية التي تثبت وجود الحق المطالب به وعلاقته بالمدعى عليه وهذا تفاديا لرفع دعاوى تعسفية وكيدية الغرض منها الإضرار بالأشخاص وسمعتهم.

  الفرع الأول : الصفة
ويقصد بالصفة المركز القانوني للشخص الذي يمنح له الحق في المطالبة بحق معين, إذ أن المدعي يكون في مركز المعتدى عليه, وأما خصمه المدعى عليه فيعتبر في مركز المعتدي. وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن أغلب الفقهاء يشترطون توفر الصفة في المدعي والمدعى عليه على حد سواء ومؤكدين على أن الدعوى يجب أن ترفع من ذي صفة على ذي صفة, رغم أن المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية اقتصرت على رافع الدعوى أي المدعي.

الفرع الثاني : المصلحة
وأما المصلحة فيقصد بها الفائدة العملية التي تعود على رافع الدعوى وإلا اعتبرت مجرد دعوى كيدية , ويشترط في المصلحة أن تكون قانونية بمعنى أن يتم فعلا هذا الاعتداء.

الفرع الثالث : أهلية التقاضي
أما بالنسبة لأهلية التقاضي فإنها تعني مدى صلاحية الشخص من الناحية القانونية لمباشرة إجراءات التقاضي وهي ذاتها الأهلية المشترطة في إبرام التصرفات القانونية, فكل شخص بلغ سن الرشد القانوني المحدد ب 19 سنة بموجب المادة 40 من القانون المدني يملك الأهلية في مباشرة إجراءات التقاضي بنفسه, وأما القاصر فإن وليه أو ممثله القانوني هو الذي يملك أهلية التقاضي, وأما الشخص المعنوي فإن ممثله القانوني هو الذي يملك هذه الأهلية.

المبحث الثاني : إجراءات افتتاح الخصومة والسير فيها
  المطلب الأول : افتتاح الخصومة وتهيئة الدعوى للفصل فيها
  الفرع الأول : كيفية المطالبة القضائية
أولا : أمام المحكمة
إن رفع الدعوى يتم حسب طريقتين: قد ترفع الدعوى بإيداع عريضة مكتوبة تتضمن الطلب القضائي أو بحضور المدعي أمام الجهة القضائية. (م 12 – م28 من ق.إ.م). تعريف العريضة الافتتاحية : يقصد بالعريضة الافتتاحية الورقة التي يحررها المدعي بنفسه أوعن طريق وكيله قصد عرض وقائع قضيته وتحديد طلباته للمحكمة. 1- إن المادة 12 من ق.إ.م بينت الشكل الذي حسبه ترفع الدعوى، وهكذا يكون رفعها إلى المحكمة بإيداع عريضة مكتوبة (Requête écrite) من المدعي أو وكيله. وترفع كذلك الدعوى بمجرد تصريح بصفة شفهية من المدعي عند حضوره أمام المحكمة وفي هذه الحالة يقوم كاتب الضبط، أو من يساعده من أعوان كتابة الضبط بتحرير محضر عن تصريح المدعي ويوقع عليه المدعي وإن كان المدعي لا يحسن الكتابة و القراءة، فيشير إلى ذالك كاتب الضبط في المحضر ويوقع عليه. ثم يقيد كاتب الضبط الدعوى في سجل خاص حسب الترتيب لورودها مع ذكر أسماء الأطراف ورقم القضية وتأريخ الجلسة. 2- وبعد إيداع العريضة المكتوبة أو تحرير المحضر المتضمن تصريح المدعي، يبلغ التكليف بالحضور للمدعى عليه أمام المحكمة. فالمادة 13 من قانون الإجراءات المدنية نصت على أن يكون التكليف بالحضور (La citation) محتويا على اسم ولقب ومهنة وموطن المدعي و اسم ولقب المدعى عليه ومهنته و موطنه مع ذكر المحكمة المختصة بالطلب و تأريخ الحضور بالضبط، و يعني تحديد اليوم و الساعة للمثول أمام المحكمة.كما أنه يجب أن يحتوي التكليف بالحضور على عرض ملخص لموضوع الطلب و الأسباب التي يرتكز عليها, و إذا رفعت الدعوى من طرف شركة، فيجب أن يذكر في التكليف بالحضور العنوان للشركة ونوعها ومركزها الرئيسي. كيف يحصل التكليف بالحضور إن التكليف بالحضور يتم بتسليمه مع نسخة من العريضة المتضمنة للطلب إلى شخص المدعى عليه. بواسطة المنفذ الشرعي وهو عون كتابة الضبط أو عن طريق البريد بمقتضى رسالة مضمنة مع إيصال أو بواسطة الإدارة (م 24) وكذالك بواسطة المحضر القضائي, ويجب أن يسلم التكليف بالحضور ضمن ظرف مغلق، وعليه اسم ولقب وموطن الخصم مع تأريخ التبليغ وتوقيع الموظف الذي قام به ويوضع عليه خاتم الجهة القضائية, وإذا كان المدعى عليه شخصا اعتباريا فإن التبليغ في هذه الحالة يتم إلى كل من يمثله قانونا (م 23 فقرة 4). لابد من أن يقع التبليغ في مهلة عشرة أيام على الأقل من تأريخ تسليم التكليف بالحضور. أو من يوم رجوع وصل البريد أو السلطة الإدارية.

ثانيا : أمام المجلس القضائي
إن المجالس القضائية هي الجهات القضائية التي تقع في الدرجة الثانية من تدرج القضاء, وهي التي تنظر في استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم في الدرجة الأولى. تنص المادة 110 من ق.إ.م أن الاستئناف يرفع بعريضة معللة من المستأنف أو محاميه المقيد في جدول النقابة الوطنية للمحاميين. وتودع العريضة في كتابة الضبط للمجلس القضائي. و تقيد حالا في السجل الخاص وفقا لترتيب الاستلام مع بيان أسماء الطرفين و رقم القضية و تأريخ الجلسة. كما أنه يتعين على المستأنف أن يوقع على عريضة الاستئناف، أو محاميه. و يجب أن تكون العريضة مصحوبة بعدد من النسخ موافق لعدد المستأنف عليهم (م 111)، وورد ذلك في النص على صيغة الوجوب. و يتم تبليغ الاستئناف للمستأنف عليه مع التكليف بالحضور حسب القواعد التي نصت عليها (م 111)، وورد ذلك في النص على صيغة الوجوب. هذا، و إن العريضة تقيد من طرف كاتب الضبط في سجل خاص تحت الترتيب الذي وردت فيه مع بيان أسماء الخصوم ورقم القضية و تأريخ الجلسة (م 110 و الفقرة الأخيرة منها). كما يجوز للنيابة العامة الإطلاع على كل القضايا الأخرى إن رأت أن تدخلها ضروري. وكذالك قد يأمر المجلس تلقائيا إطلاع النيابة العامة على القضية. و عند الانتهاء من هذه الإجراءات يعلن المجلس إقفال باب المرافعة ويجعل القضية في المداولة مع تحديد تأريخ الجلسة التي يصدر فيها الحكم، وأن المجلس يداول على إنفراد وبدون حضور النيابة العامة و الأطراف و محاميهم وكاتب الضبط (م 142).

ثالثا: أمام المحكمة العليا
1) في شكل الطعن يرفع الطعن بالنقض بعريضة مكتوبة و موقعة من محام مقبول ومعتمد لدى المحكمة العليا. تقديم العريضة من محام هو شرط أساسي لقبول الطعن بالنقض في الشكل (م 240). ويجب أن تكون العريضة مستوفية الشروط التالية: 1- أن تحتوي على اسم ولقب ومهنة وموطن كل من الخصوم. 2- أن يرفق بها صورة رسمية من الحكم المطعون فيه. 3- أن تحتوي على موجز للوقائع وعلى الأوجه التي يستند إليها الطعن. كما يجب أن يرفق بالعريضة عدد من النسخ بمثل عدد الخصوص و الإيصال الذي يثبت دفع الرسوم القضائية المقررة (م 241). وتودع العريضة المتضمنة الطعن بالنقض بكتابة الضبط لدى المحكمة العليا. (م 424) 2) في تعيين المقرر بعد إيداع عريضة الطعن يقدمها كاتب الضبط للرئيس الأول للمحكمة العليا الذي يحيلها على رئيس الغرفة المختصة الذي يعين هو بدوره القاضي المقرر.(م244). هذا و إن كاتب الضبط يتعين عليه تقديم العريضة في خلال ثمانية أيام من يوم إيداعها. و على المقرر أن يبلغ العريضة برسالة مضمنة مع إيصال التسليم إلى جميع المدعى عليهم و المطعون ضدهم مع إخطارهم بإيداع مذكرة للرد موقع عليها من محام مقبول لدى المحكمة العليا، وذلك في مهلة شهرين ابتداء من يوم التبليغ .