بحث جاهز حول عقد القرض العقاري

الفصل الأول : ماهية عقد القرض العقاري

يشهد قطاع السكن في الجزائر مشاكل كبيرة تتمثل في ندرة الوحدات السكنية حيث ان الطلب يفوق العرض وبما أن مشكل السكن يعتبر ذا أهمية بالغة لدى العائلات الجزائرية ومن أجل التخفيض من حدة هذه الندرة تبنت الدولة العديد من الاستراتيجيات في مجال السكن، ولعل من بين هذه الاستراتيجيات دعة المؤسسات المصرفية للاستثمار في مجال السكن من خلال تمويل القطاع عن طريق عن طريق تقديم قروض مختلفة الآجال وهو ما يطلق عليه بالقروض العقارية، والتي تكون في شكل عقد يطلق عليه القرض العقاري وفقا لمقاييس ومعايير يحدد بعضها البنك المقرض والبعض الآخر تحددها القوانين المعمول بها ولتوضيح ذلك سنتطرق في هذا الفصل إلى مفهوم القرض العقاري وتحديد طبيعته القانونية في المبحث الأول وأنواع القروض العقارية ومخاطرها في المبحث الثاني، ثم نتطرق إلى ضمانات مواجهة مخاطر القرض العقاري في المبحث الثالث.
المبحث الأول: مفهوم القرض العقاري وتحديد طبيعته القانونية
من خلال هذا المبحث سنحاول الإلمام بمفهوم القرض العقاري وذلك بالتطرق إلى تعريف القرض العقاري في (المطلب الأول) مستعرضين ذلك من عدة أوجه لغة واصطلاحا ثم قانونا وفقها، كما سنتطرق إلى مميزاته واختلافاته عن العقود المشابهة له في (المطلب الثاني)، ثم نحاول تحديد طبيعته القانونية في (المطلب الثالث).
المطلب الأول: مفهوم القرض العقاري
لا يمكن الإلمام بمضمون القرض العقاري إلا بعد التطرق إلى مفهوم القرض بوجه عام في (الفرع الأول) ثم تعريف العقار كذلك في (الفرع الثاني)، وهذا من أجل تكوين مرجعية معلوماتية من خلالها يتم التوصل إلى معرفة القرض العقاري في (الفرع الثالث).

الفرع الأول: تعريف القرض
للحديث عن مدلول لفظ القرض يقتضي تعريفه في اللغة والاصطلاح ثم في القانون والفقه.
أولا: تعريف القرض لغة واصطلاحا
1- تعريف القرض لغة: يعرف القرض لغة ما تعطي غيرك من المال على أن يرد إليك بعد أجل معلوم   والقرض الحسن هو القرض الذي يكون فائدة تجارية، وقال تعالى "... وأقرضوا الله قرضا حسنا..." الآية 18 من سورة الحديد.
وتقابل كلمة قرض في اللغة العربية العديد من المرادفات فنجد مفردة "الائتمان" فيقال ائتمن فلان فلانا، أي عده أمينا عليه وجديرا بالثقة ورد الأمانة إلى أهلها ، قال تعالى "فإن أمن بعضكم بعض فليؤدي الذي اؤتمن أمانته" الآية 283 من سورة البقرة، كما نجد مفردة السلفة وتعني المال المقترض وجمعها سلف، وكثيرا ما يصطلح القرض الاستهلاكي. 
2- تعريف القرض اصطلاحا: كلمة القرض تقابلها باللغة الفرنسية Credit وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية Creditum والتي تجد أصلها بدورها من الفعل اللاتيني Credere ومعناه وضع الثقة  (Avoir confiance)، وعنصر الثقة يعد أهم عنصر تقوم عليه عملية الاقتراض لأنها هي الأساس الذي يمكن المقرض من من منح المبلغ المالي للمقترض، ذلك لأنها تعطيه تأمينا على أنه سوف يرجع له المبلغ لاحقا.   

وفقا لكل هذه التعاريف يمكن أن نستنتج الآتي: 
- وجود اتفاقية بين المقرض والمقترض تتم في إطار عقد رضائي بين الطرفين والذي يخضع للقواعد العامة التي تحكم العقد.
- كذلك أنه لا يتطلب إفراغ إرادة طرفي العقد في الشكل الرسمي بمعنى استبعاد مبدأ الشكلية في عقد لقرض قانونا، لكن عمليا اقتضت الضرورة على تحرير شكلية معينة للقرض قصد الحجة والاثبات، وفي ذذلك أهمية كبيرة تكمن في توفير وسيلة لإثبات حقوق الأفراد عملا بنص المادة 333 من القانون المدني  قصد توفير الحماية القانونية الواجبة عند نشوب أي نزاع محتمل بين طرفي عقد القرض.
- كذلك أن محل العقد يكون شيئا مثليا وغالبا ما يكون المبلغ من النقود موجها إلى تمويل المشاريع فينتقل المقرض إلى المقترض ملكية الشيء المقترض على أن يسترده منه مثله في نهاية القرض وذلك دون مقابل أو مقابل هو الفائدة.
- ما يمكن أن نستخلصه أيضا أن أساس العلاقة في القرض هي علاقة مديونية مصدرها العقد.
2- التعريف الفقهي للقرض: يعطي رجال الفقه القانوني للقرض عدة تعاريف، فنجد الفقه العربي مثلا في عبد الرزاق السنهوري يعرفه بقوله "عقد القرض يكون محله دائما شيئا مثليا هذا في الغالب، نقودا فينقل المقرض إلى المقترض ملكية الشيء المقترض على أن يرده مثله في نهاية القرض، وذلك دون مقابل أو بمقابل والفائدة  ".
كما يعرفه البعض على أنه مبادرة مال حاضر، نقود أو بضاعة، بوعد وفاء أو تسديد أو دفع مقابل (قادم) معنى ذلك أن يتنازل أحد الطرفين للآخر عن المال على أمل استعادته فيما بعد.   
ويعرف أيضا بأنه تلك الخدمات المقدمة للعملاء والتي يتم بمقتضاها تزويد الأفراد والمؤسسات والمنشآت في المجتمع بالأموال اللازمة، على أن يتعهد المدين بسداد تلك الأموال وفوائدها والعمولات المستحقة والمصاريف دفعة واحدة أو على أقساط في تواريخ محددة، وتدعم هذه العملية بمجموعة من الضمانات التي تكفل للبنك استرداد امواله في حالة توقف العميل عن السداد بدون اي خسائر    
اما الفقه الفرنسي فانه يعتمد على عناصر اربعة لتحديد القرض (المدة – الثقة – الخطر- وغياب المضاربة) ولو كانت مدة القرض تمتد لساعات ، كما هو الحال في (credit sport)  وعنصر الثقة باعتباره اهم عنصر تقوم عليه عملية الاقراض ،وكذا عنصر الخطر الذي يوجد عنصر الثقة او يعدمه   ، حيث تتنوع هذه الاخطار بين خطر اعسار المدين وخطر عدم تحرير مبلغ القرض ،وكذا غياب المضاربة ، حيث يتلقى المقرض ايرادا على منحه القرض .
وما يعاب على الفقه الفرنسي انه هو الاخر لم يعطي تعريفا واضحا للقرض واكتفى بذكر وتحديد العناصر التي يستند اليها القرض ،ولهاذا نرى التعريف الاشمل والاقرب هو التعريف الذي استحدثه المشرع الجزائري في المادة 450 من القانون المدني الذي سبق ان اشرنا اليه  .وبعد استعراضنا  لتعريف القرض ومن عدة اوجه نحاول تعريف العقار حتى يمكن وضع مفهوم واضح ومحدد للقرض العقاري .

الفرع الثاني تعريف العقار: 
للحديث عن مدلول لفظ العقار يقتضي تعريفه فاللغة والاصطلاح ثم في القانون والفقه .
اولا- تعريف العقار لغة واصطلاحا .
1- تعريف العقار لغة: العقار بفتح عينه وقافه والذي جمعه عقارات هو الشيئ الثابت بطبيعته واصله، وهو كل مال ثابت له اصل كالارض والدار. وفي لسان العرب لابن منظور العقار: المنزل والضيعة (لايملك دار ولاعقار) اي ماله دار ولاعقار : لايملك شيئا  

2- تعريف العقار اصطلاحا : انتهج فقهاء الشريعة الاسلامية في تعريف العقار منهجين ، يتفقان في جزء ويختلفان في اخر ، فقد اتفق عامة الفقهاء من اصحاب المذاهب الاربعة على دخول الارض في مسمى العقار فساروا على اتجاهين :
- الاتجاه الاول:ان العقار لايشمل سوي الارض فقط ، وان الغراس والبناء لايدخلان في مسمى العقار وهو مذهب الحنفية والحنابلة ، واصحاب هذا الاتجاه يطلقون على البناء والغراس بالتبعية للارض فاذا انفصلا عن الارض فليس بعقار.
- الاتجاه الثاني : ان العقار يطلق على البناء والشجر ،كما يطلق على الاراضي  ، وهو مذهب المالكية والشافعية لانهم يجعلون العقار مالا يمكن نقله وتحويله مع بقاء هيئته وصوره ، وهذا يشمل البناء والاشجار اذ بنقلهما تتغير حالتهما وهيئتهما .
وعند النظر المجرد قد يقال انه خلاف بين الاتجاهين السابقين باعتبار ان أصحاب الاتجاه الاول يطلقون على الأبنية والاشجار عقار إذا اتصلت بالارض ، بذلك انهم يوافقون اصحاب الاتجاه الثاني  
ومما سبق فلعل الاتجاه المختار هو ما يوافق المالكية والشافعية خاصة انه موافق للمعنى اللغوي الذي يوسع معنى العقار كما سبق بيانه في التعريف اللغوي .
ثانيا – التعريف القانوني والفقهي للعقار:
1- التعريف القانوني للعقار: عرفت المادة 683 من القانون المدني الجزائري العقار على انه " كل شيئ مستقر بحيزه ثابت في مكانه ، ولا يمكن نقله من دون تلف وكل ماعدا ذلك من شيئ فهو منقول " من هاذا النص نلاحظ ان المشرع الجزائري قد عرف العقار في الفقرة الاولى من نص المادة المذكورة سابقا ، لكنه لم يعرف المنقول ذلك معناه انه اذا عرفنا العقار عرفنا العقار فكل الاشياء التي ليست داخلة في ذلك تعتبر من المنقولات  والاملاك العقارية بصفة عامة تنحصر في ثلاثة صور هي :
- ارض فضاء غير عامرة سواء كانت فلاحية ام لا 
- بناء مشيد بغرض السكن سواءا كانت مساكن فردية او جماعية (عمارات) او تلك المخصصة للاستعمال المهني او التجاري او الصناعي او الحرفي .
الاملاك الصناعية العمومية ، في تلك المنشات القاعدية الثابتة كالجسور والقناطر والطرق والمطارات .
فالعقار اذا هو الشيئ الثابت الغير قابل للنقل من مكان إلى أخر بدون تلف وهذا خلاف للمنقول الذي يعد بحكم طبيعته قابلا للنقل والحركة ،  لذا نجد ان المشرع الجزائري قد ميز في قانون الإجراءات المدنية والادارية  بين المنقول والعقار في الباب الخاص بالاختصاص القضائي ، فارجع ولاية النظر في القضايا المتعلقة بالعقارات والحقوق العينية الى محطمة موطن العقار ، اما في المواد المنقولة فالمحكمة التي يؤول اليها الاختصاص هي موطن المدعى عليه لان المنقول ليس له موقع "موطن" ثابت بحكم طبيعته التي تسمح بنقله من مكان الى اخر .
2- تعريف الفقه القانوني للعقار : لقد سار الفقه في تعريفه للعقار نفس النهج الذي سلكه المشرع من ذلك نجد انه عرف العقار بحكم طبيعته بانه كل شيئ له مستقر ثابت لا يمكن نقله بدون تلف ، فكل شيئ حائز لصفة الاستقرار سواء كان ذلك في أصل خلقته كالأرض ، او من صنع الإنسان كالبناء يعتبر عقارا بطبيعته ، أما إذا كان يمكن نقله دون تلف كالأكشاك فلا تعتبر عقارا وانما منقولا   ، كما يعرف المرحوم عبد الرزاق السنهوري في كتابه الوسيط بأنه اي العقار هو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه ، لا يمكن نقله من دون تلف . باستقرائنا لهذه التعاريف نجد أن الفقه القانوني لم يختلف في تعريفه للعقار عن التعريف الذي جاء به المشرع الجزائري . ونحن بدورنا نلاحظ ان التعريف القانوني جاء مناسبا للفظ العقار ويتماشى والتعريف اللغوي والاصطلاحي والذي سبق دراسته .