معدة فارغة لذاكرة من حديد: الجوع يقوي الذاكرة!

أكدت دراسة علمية حديثة أن الجوع يقوّي الذاكرة ويساعد على استرجاع المعلومات‏، لا سيما أنّ هناك هرمون مُرتبط بالجوع يُسمى هرمون الغريلين Ghrelin ، والذي يُوقظ في داخلنا الرغبة الجامحة في التهام الطعام والتخلّص من الفراغ المعدي القاتل.

معدة فارغة لذاكرة من حديد: الجوع يقوي الذاكرة!
يقوم هذا الهرمون أيضًا بتحفيز مراكز المكافئة في الدماغ، والتي هي تشبه إلى حد كبير مراكز تعاطي المخدرات. لكن من جانب آخر - وهنا تكمن الفائدة - يقوم هرمون الغريلين المسمى هرمون الجوع أيضًا بتنشيط المراكز المسؤولة عن التذكّر.
وقد تم حقن بعض الأشخاص به، وتبيّن فيما بعد أنّهم أصبحوا أكثر قدرة على التذكر وبوضوح أكبر مما سبق.
يُعرّف الغريلين أيضًا باسم الهرمون المُحرّك للمجاعات كونه المسؤول الرئيسي عن الإحساس بالجوع، والناس الذين يُعطون حُقن ضخمة منه أو يعانون من ارتفاعه بشكل طبيعي غالبًا ما يكونون مُصابين بمتلازمة برادر ويلي Prader Willi Syndrome التي تقود للشعور بعدم شبع شبه مُطلق، وقد تتفاقم الحالة لدرجة أن تبدأ المعدة بأكل نفسها.
مِن ناحية أدق، فإنّ كيفية تحكّم هرمون الغريلين بالجوع لم تكن واضحة تمامًا، ففي الجسم العديد من الآليات التي يقوم بها بتنظيم الشهية إضافةً لهرمونات كثيرة أخرى تقوم بوظائف مختلفة في هذا الصدد. لكن ماذا يعني هذا بالضبط؟ يقول الباحث Michael Schwartz من جامعة واشنطن: صحيح أنّ الغريلين هرمون الجوع، لكن ماذا يعني هذا؟ ما هو الجوع بالضبط من حيث آلية عمله في المخ؟
لأجل ذلك تم تجنيد 20 متطوعًا صحيحي الأجسام وتم إعطائهم وجبات لأكلها، ثمّ عُرِضت عليهم بعد 3 ساعات من طعامهم صور لطعام آخر دون أن يكونوا حينها جائعين أو حتى مُمتلئي البطون، وذلك بعد أن تم حقن 12 من هؤلاء المتطوعين بجرعات من هرمون الغريلين.
داخل الدماغ
مِن خلال تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي، تم تتبّع مسارات التدفق الدموي في أدمغة المتطوعين عندما شاهدوا صور الطعام. وقد وجدَ الباحثون أنّ المتطوعين الـ 12 الذين تم حقنهم بالغريلين قبل التصوير الدماغي، حصلوا على مزيد من النشاط الدموي وبالتالي مزيد من الحيوية في عديد مِن مناطق الدماغ.
كما أنّ الجسم المخطط نالَ حظه من هذه التروية الدموية أيضًا، لا سيما أنّه المركز الذي يُعتبر مسؤولًا بشكل رئيس عن شعور المكافئة في الدماغ، كما أنّه يحتوي على مُستقبلات الناقل العصبي المُسمى دوبامينDopamine الذي يُعتبر منشطًا رئيسيًا لمشاعر الفرح والبهجة، كما أنّ للجسم المخطط أيضًا دورًا في إدمان المخدرات والتعوّد عليها.
أمّا بالنسبة للمتطوعين الذين حُقنوا بالغريلين فقد أظهروا نشاطًا واضحًا في المناطق المسؤولة عن معالجة الصور المرئية، وذلك مع منطقتين إضافيتين تقومان بمهمة الاستجابة والتحفيز من أجل تعزيز تخزين الذكريات المُرتبطة مع حصول حدث مُعيّن.
وبالتالي إن أكلت شيء ما وأصبحت مريضًا بسببه، فإنّك حتمًا لن تأكله مرة أخرى، لا سيما في حال وجود هذه المناطق الدماغية المسؤولة عن تخزين الذكريات المُحفَزة مِن قبل هرمون الجوع.
وكنتيجة أخيرة لما حدث مع المتطوعين، فإنّ أولئك الذين أخذوا الغريلين وحُقنوا به كانوا أكثر قدرةً من الآخرين على تذكّر صور الأطعمة التي عُرضت خلال التجربة.
ما يجب تذكّره
صحيح أنّ الغريلين له دور في عمليّة التذكّر إلّا أنّ السؤال الأهم، هل يؤثر على الذاكرة بشكل عام أم فقط على الذكريات الخاصة المُحدّدة؟! يبقى أمرًا غير معروف إلى الآن، وقد أجريت دراسات على فئران المختبرات فتبيّن من خلالها أنّ الذاكرة لديهم قد انخفضت في حالات الغياب الكامل لهرمون الجوع غريلين.
لذلك فإنّ ذاكرة الحيوانات مُرتبطة بشكل وثيق مع الطعام ومع الشعور بالجوع.
نفس الشيء قد يكون صحيحًا بالنسبة للبشر، فالصلة بين الجوع والذاكرة ذات معنى عميق جدًا عند أسلافنا البدائيين، لا سيما في حال قطع مسافات ضخمة بحثًا عن الطعام، فبزغت عندها الحاجة لذاكرة قويّة من أجل معرفة الطريق.
لكن الآن الأمر أصبح مُختلفًا خصوصًا مع توفّر تقنيات الإرشاد الحديثة، والتي بإمكانها أن تأخذنا لأي مكان نُريده، إلّا أنّها لم تتمكن من إيقاف هرمون الغريلين مِن تنفيذ مهمته العتيدة، المهمة التي كانت الشعور بالجوع من مرتبة أولى، وتحسين الذاكرة وصقلها من مرتبة ثانية.