من بينها الخوف من الفشل.. إليك معيقات اتخاذ القرار

إن حياتنا اليومية مليئة بالقرارات التي تتعلق بكافة شئون الحياة، فما دامت هناك مسائل تحتمل الإجابة عليها بنعم أو لا، أو تختلف وجهات النظر في تصريفها أو معالجتها فإن الأمر يحتاج إلى اتخاذ قرار بشأنه.

من بينها الخوف من الفشل.. إليك معيقات اتخاذ القرار

عديد من الأشخاص يتملّكهم التردّد عند اتخاذ أي قرار سواء أكان مصيريا أم عاديا، وآخرون يطبع شخصيتهم عدم الثقة بالنفس؛ إذ يبدو عليهم التوتر والقلق بشأن هيأتهم أو قدرتهم على حسم أمورهم اليومية والعملية.

حيث أن الإنسان العادي يواجه في حياته اليومية مئات من المواقف والمشكلات التي تتطلب منها اتخاذ العديد من القرارات.

1- البرمجة السابقة

نجد كل إنسان مبرمجاً بطريقة معينة منذ الصغر ويكبر على هذه الطريقة، ويتصرف ويتكلم بناءً على هذه الطريقة ويأخذ القرارات من هذه البرمجة، فكيف نغير هذه البرمجة؟

هذه البرمجة تتم في المخ في مكان معين وتحدث بالحواس الخمسة فإذا حدث أي تغيير في هذه الحواس، فالمخ لن يعرفها. فحينما يغضب الإنسان - وإن لم يتمادَ في غضبه - فإن المخ يدرك ذلك، ومن ثم يفتح ملفاً عقلياً يحمل نفس العنوان الذي أوحيت إليه به: « أنا غاضب »، وكلما غضبت أدرجت نفس الأحاسيس والأفكار في ذلك الملف.. وبالتالي تتراكم الأحاسيس وتتزايد حدة مشاعر الغضب، ومع تقدم الإنسان في السن وتراكم الأحاسيس يصل الإنسان حين يثار بأتفه الأسباب إلى ذروة الغضب بسرعة..

ومن ثم نجد أشخاصاً - قد يكونون ماهرين في عملهم - حين يغضبون يفقدون توازنهم وقدرتهم على التحدث والتفاهم، وقد يتسبب ذلك في خسارتهم لأموالهم أو تسريحهم من عملهم أو قطيعتهم مع الآخرين، فهل سلوكهم  هذا يرضي ربهم أو يحقق أهدافهم أو تتحسن به صحتهم؟ بالطبع لا، إذن لماذا يفعلون ذلك؟

تتلخص الإجابة عن هذا السؤال في كلمتين: البرمجة السابقة، تلك البرمجة التي يكتسبها الفرد من الأسرة والمدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام والمحيط الاجتماعي ككل، فضلاً عما يضيفه هو إلى ذلك. إن الله - عز وجل - قد خلق العقل للإنسان ليكون خادمه لا مديره، فإن جعلته مديرك، فسوف يدير لك فقط الملفات العقلية التي برمجتها في الماضي..

تلك الملفات التي أشار باحثو جامعتي سان فرانسيسكو وهارفارد إلى أن 90% منها ذو تأثير سلبي؛ لأن الفرد يكتسبها من المحيط الاجتماعي دون أي إدراك أو تحكم منه، وبالتالي قد تكون غير مناسبة للفرد وطبيعة معيشته في الحياة.

على سبيل المثال قد يكون الوالدان من النمط العصبي سريع الانفعال، فيكتسب الطفل ذلك منهما دون وعي، مما قد يسبب له مشكلات أو تعسر في التعامل مع الآخرين حين يكبر، ومن ثم فعلى الفرد أن يعمل على تصحيح تلك البرمجة السابقة وتنقيحها ومراجعتها أولاً بأول؛ حتى تتحسن علاقته بالآخرين وحياته.

مثال على ذلك الفيلم المرعب الشيء الذي يخيفنا منه هو الصوت والصورة، فإذا كتمت الصوت فإن أحاسيسك ستتغير، أي أن الرعب سيقل، وإذا أخذنا نفس الفيلم وصغرنا الصورة جداً وأدخلنا موسيقى سعيدة على الفيلم وألبسنا البطل ملابس مضحكة أو جعلنا أذنه بشكل أذن أرنب، فهل سيكون لديك نفس الإحساس بالرعب؟ طبعاً ستتغير رغم أن الفيلم هو هو .. فيلم رعب .. لكن المحتوى والتركيبة تغيرتا فإذا تغيرت تركيبة أي تجربة فإن المخ سيلفظها. وانتبه معي لهذه القاعدة

لكل تجربة تركيبة مكونة بالحواس الخمس، توضع في مكان معين في المخ، وتسمى الملفات العقلية، وإذا حدث تغيير في التركيبة يحدث تغيير في التجربة.

ومعنى ذلك أنني إذا غيرت تركيبة أفكار تسببت في أحاسيس سلبية إلى أفكار ينتج عنها أحاسيس إيجابية تتغير التجربة، وعندما يعود إليها المخ مرة أخرى يجد أنها قد تحولت إلى مهارة ... تحولت إلى قدرات، وما دامت قد تحولت إلى مهارة فإن العقل العاطفي يرتاح وكذلك العقل التحليلي.

وأذكر هنا قصة امرأة كانت تخاف من الصراصير فقلت لها: لم تخافين منها؟ قالت: لأن لون الصرصور بني وهو لون سيء، وبالمصادفة كانت تلبس اللون البني، فقلت لها: لم تلبسين مثله إذن؟ فقالت السيدة: لأن اسمه كريه، فسألتها عن اسم شخص تحبه فقالت: خالد، فقلت لها: إذن سنسمي الصرصور بهذا الاسم، فكانت إذا ما رأت الصرصور ضحكت. فالإنسان في منتهى القوة لكن التركيبة هي التي تكون غير صحيحة ، فلا نجد طفلاً يولد محبطاً .. وخلاصة القول أن البرمجة السابقة قابلة للتغيير.     

2- التعميم السلبي

التعميم السلبي هو التركيز على شيء معين صغير ثم تعمم الأمر، مثلاً الشخص المتضايق من شيء يقول البلد كلها سيئة فإذا عمم الإنسان أمراً فلن يستطيع أن يتخذ قراراً فالشخص الذي يقول أنا مضطرب نفسياً عمم الأمر وضخمه فتكون أحاسيسه مضخمة أيضاً.. لذا على الشخص أن يعرف ما الذي يؤرقه فعلاً ويبدأ بمعالجته فيخرج بذلك من التعميم إلى التخصيص.

3- الخوف من الفشل

وهذا الأمر يتكون لدينا منذ سن صغيرة جداً .. فالطفل الصغير إذا ما حاول وضع يده على النار ستصرخ الأم بطفلها: لا تمسك النار، لكنها لم تقل له لماذا لا يمسها، فتلك الأم لم تفهم صغيرها ماذا سيحدث له إذا أمسك النار، وبالطبع لأن الطفل ليس لديه ما يخاف منه من مسك النار فسيحاول هذا الطفل أن يلمسها دون أن تراه أمه ووقتها سيلسع  الطفل، ويشعر بالفشل لأول مرة في حياته، فينشأ عنده الخوف من الفشل، ويخزن مخ هذا الطفل ذلك الخوف من الفشل وتلك التجربة المريرة، ويبني المخ على هذه التجربة بعد ذلك أموراً أخرى. فإذا كبر هذا الطفل وأراد أن يدخل في مشروع مثلاً نجده يتراجع ولا يستطيع أن يقبل على أمر كهذا لخوفه من الفشل، فعلينا أن نسأل أنفسنا مم نخاف؟ وما هي النتيجة التي ستترتب على فعل هذا الأمر ؟ وما هي أسوأ الأمور التي ستحدث لو أقبلت على هذا الأمر؟ وما هي أفضل النتائج لفعل ذلك الأمر؟ يجب أن نعلم أن 90 ? من قيم الإنسان العاطفية و 95 ? من قيمنا تتكون لدى الإنسان أثناء السبع سنوات الأولى من حياته.

وليس معنى ذلك أنه بعد سبع سنوات ليست هناك إمكانية للتغيير وذلك لأن البرمجة - كما أسلفنا - قابلة للتغيير.

وأخيراً أقول إنه ليس هناك فشل وإنما هناك خبرات وتجارب فأي شخص ناجح في حياته ستجد له الكثير من السقطات والزلات، فكلما ألقيت الكرة للأرض بقوة رجعت إليك بارتفاع أعلى وأسرع. في الواقع ليس هناك فشل فالشخص الفاشل ناجح في فشله، لأن العقل البشري يعينك بما تعطيه وتزوده من أفكار ، فإذا أوحيت إليه بأنك فاشل فإنه ينمي لك تلك الفكرة ويمدك بكل التدعيم الذي يؤكد ذلك ويبعث في الجسم المشاعر والأحاسيس المصاحبة للفشل فهذا نجاح عقلي في الفشل .

لقد دُمِّرَت اليابان في الحرب العالمية الثانية عن آخرها إلا أن الشعب الياباني كان يملك الثقة بالذات التي قادته إلى العمل لأن يكون أفضل شعوب العالم وأكثرها تقدماً.   

4- منطقة الأمان

هي شعور الإنسان بالأمان؛ وذلك لأن لديه الدخل الذي يجعله يعيش بشكل جيد، ولديه المنزل الذي يؤويه، والعمل الذي كان يسعى له، وحقق ما كان يطمح إليه.. ومنطقة الأمان هذه أنا أسميها منطقة الخطورة؛ لأن الإنسان إذا اطمأن بدرجة عالية فلن يستغل قدراته؛ لأنه لا يعرف لِمَ يستغلها .. فهو سعيد .. فلماذا يتعب نفسه إذن؟

وبالتالي سيدخل الروتين على حياته وتبدأ الإحباطات والأوجاع النفسية، ونجد الكثير من الأشخاص الذين لديهم كافة الوسائل التي تجعلهم سعداء في حياتهم لكنهم يكونون في الحقيقة تعساء ومرضى نفسانيين، يقولون لأنفسهم: « لماذا أقرر؟.. لماذا أتغير؟.. أنا سعيد هكذا... » لكنه داخلياً يشعر بالضيق، لأن الجميع حوله في حركة وتغير لكنه توقف عند نقطة معينة.

وأذكر هنا قصة صديق لي كان يمتلك مطعماً للأسماك الطازجة فقال لي مرة: أتدري.. هذا السمك بالفعل طازج لكنه ليس له طعم، فقلت له: اجلب سمكاً من نوع آخر يشاكس سمكك ويجري وراءه فيحرك سمكك داخل الماء، لأن سمكك يعيش في منطقة الأمان وليس لديه النشاط الذي يؤدي إلى تقوية العضلات وبالفعل بعد أن فعل ذلك تغير طعم السمك وأصبح ألذّ.

5- ضعف الثقة في الذات

إذا كان لدى شخص برمجة سابقة سلبية، وخوف من الفشل سلبي، وتعميم سلبي.. فأين الثقة في ذلك؟!

لابد أن يكون هناك خلل، وسيشعر هذا الشخص بعدم الثقة، فالثقة بداخلها التقدير الذاتي والصورة الذاتية والمثل الأعلى الذاتي.

6- الشعور والأحاسيس

الشعور والأحاسيس ربما تكون عائقاً أمام اتخاذ القرارات وصحة هذه القرارات، فلو بنى الإنسان قراراته على شعوره وأحاسيسه فقط لكانت القرارات خاطئة؛ لأن هذا الإنسان إذا كان سعيداً فسيعطي الجميع بإفراط وإذا كان غير سعيد فسيمنع ويمسك، وفي كلتا الحالتين القرار خطأ لأنه يجب الموازنة والاعتدال في اتخاذ القرارات. إنك إذا تحكمت في أحاسيسك تستطيع أن تتحكم في حياتك.. إذن معنى ذلك أن من واجبنا أن ندرب أحاسيسنا ونقرر بماذا نحس، وعلينا ألا نجعل العالم الخارجي يتحكم في أحاسيسنا.

من الممكن أن تخرج مع صديق لك لكي تقضيا وقتاً طيباً معاً، ولكن بعد ذهابكما اختلفتما في الرأي، فتركته وأنت متضايق منه؛ لأنه هو الذي تسبب في هذا الوقت الضائع، وأنت سائر تجد أن المخ يدعمك، فيلغي كل الأمور الطيبة فيه، ويعمم لك كل الأمور السيئة عنه، ويفتح كل الملفات العقلية عنه منذ الولادة إلى الآن بكل الأشياء السلبية فتصبح تريد قتله، ولكن بمجرد أن يتصل بك تلفونياً، ويقول لك: إننا صديقان، وهذا لا يصح، وإذا كنت أخطأت في حقك فأنا أتأسف لك، أنت تعلم كم أنا أحبك، فتقول له: عندك حق.. أنا المخطئ، فيلغي المخ كل سلبياته ويعمم الإيجابيات عنده. فتقول له: لابد أن أراك وعندما تذهب إليه يغضبك مرة أخرى فتقول: أنا السبب، كان يجب ألا أذهب إليه.. كل هذه أحاسيس. وفي النهاية إذا شعر الإنسان بأنه لا يستطيع أن يتخذ القرارات وخصوصاً إذا كانت تلك القرارات مصيرية فسيصل إلى ثلاثة أمور: التوتـــر – الغضــــب – القلـــق.

فعلى الإنسان الذي يريد أن يتخذ القرار أن يعلم أن كل شيء له حدود..

وأذكر هنا قصة سيدة أتت إلي قائلة إنها تريد الطلاق من زوجها لكنها مترددة ولا تستطيع أن تتخذ القرار، فقلت لها عليك أن تختاري وتدركي أمراً من أمرين إما الحياة مع زوجك وتعرفين كيف ستعيشين معه ويكون لديك المرونة في التفكير حتى تتمكني من استمرار الحياة معه من خلال قيمه هو وليست قيمك أنت وإما الخروج من حياته وعليك معرفة كيف ستكون الحياة بدونه، ثم بدأت أساعدها في اتخاذ القرار فسألتها هل زوجك يضربك؟ فقالت لا لا طبعاً، فسألتها هل هو ملتزم بالإنفاق عليك؟ قالت : نعم، فقلت لها: هل يعارض التنزه والخروج؟ قالت: لا نخرج معاً فسألتها: هل يعرف نساء غيرك؟ قالت : لا لا تقل ذلك، فقلت لها: إذن هو إنسان محترم، قالت: نعم، فقلت لها: إذن اتركيه سريعاً لأن هذا الرجل تنتظره 1000 امرأة بفارغ الصبر فقالت: نعم هو ليس سيئاً بالدرجة التي شعرت بها، ثم بدأت أعرف منها ما يضايقها منه ووجدته شيئاً واحداً فقط لكنها عممت الأمر وركزت على ما يضايقها منه فنشأ عندها التركيز المتكرر الذي نشأ عنه قانون التكرار الذي أدى إلى قانون العادات وهي برمجة عادة في المخ، لذا نقول إن التفكير يحدد المصير.

المصدر: فصل من كتاب "فن و أسرار اتخاذ القرار" للدكتور ابراهيم الفقي