هل كان العرب يتحدثون العربية قبل الإسلام؟

قبل أن تسود اللغة العربية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيما يعرف الآن بالعالم العربي، لم يكن العرب يتحدثون لغة واحدة، حتى عرب شبه الجزيرة العربية، إذ اختلفت لغاتهم ولهجاتهم.

هل كان العرب يتحدثون العربية قبل الإسلام

فيما يلي نستعرض اللغات التي تحدثها العرب قبل الإسلام:

لغات متعددة في شبه الجزيرة العربية

ثمودية

قال "الطّبري" في تفسيره: " كانت العرب وإن جمع جميعُها اسمٌ أنّهم عرب، إنهم مختلفو الألسُن بالبيان متباينو المنطق والكلام". وأنّ ألسنتهم كانت كثيرةً كثرة يعُجز عن إحصائها. وقد ذكر غيره مثل ذلك، ذكر أنّ لغات العرب كانت متباينة، وأن بعضها كانت بعيدة بعُداً كبيراً عن عربيتنا، كالألسنة العربية الجنوبية ومنها الحميرية.

وأصبح اليوم من الأمورِ المعروفَة أنّ أهل العربية الجنوبية كانوا يتكلّمون بلهجات تختلف عن لهجة القرآن الكريم، بدليل هذه النصوص الجاهلية التي ضرّ عليها في تلك الأرضين، وهي بلسان مباين لعربيتنا، حيث تبين من دراستها وفحصها أنها كتبت بعربية تختلف عن عربية الشعر الجاهلي، وبقواعد تختلف عن قواعد هذه اللغة. وهي لو قرئت على عربي من عرب هذا اليوم، حتى إن كان من العربية الجنوبية، فإنه لن يفم منها شيئاً، لأنها كتبت بعربية بعيدة عن عربية هذا اليوم، وقد ماتت تلك العربية، بسبب تغلب عربية القرآن عليها.

وقد عُثر في جزيرة العرب على نصوصٍ معينية ولحيانية وثمودية، وعُثر على أكثرها في محافظة شبوة بجنوب اليمن والحجاز، وشمال شبه الجزيرة العربية، وتختلف كل هذه اللغات بعضها عن بعض، كما تختلف عن اللغة العربية.

والآن، ورغم أن اللغة العربية صارت لغة أهل الجزيرة العرب، فإن بعض القبائل لا تزال تحتفظ بلهجاتها القديمة، ولا يزال أهل بعض القرى والأرياف البعيدة عن الحضارة في اليمن ونجد وغيرها يتحدثون بلهجاتٍ متفرعة من اللهجات الجاهلية القديمة؛ مثل: اللغة المهرية واللغة الشحرية، وهي لهجات متأثرة بالعربية الجنوبية الجاهلية واللغات الإفريقية.

اللغة القبطية في مصر

اللغة القبطية

كانت اللغة القبطية هي لغة المصريين 3 قرون سبقت الفتح العربي الإسلامي، وظلّت اللغة القبطية منذ ظهورها هي لغة الكلام والعبادة بالمسيحية، وهي في بعض الآراء تطور للغة المصرية القديمة.

وكانت المحاولات الأولى للكتابة باللغة القبطية قد تمت على يد الجماعات الوثنية بمصر، لكن الكنيسة لاحقاً لعبت دوراً كبيراً في تعميم استخدامها.

ولم يكن الفتح الإسلامي بداية التعارف بين المصريين واللغة العربية، فقد كان لها وجود في مصر قبل الإسلام وربما قبل المسيحية، بسبب احتكاك المصريين بالتجار من شبه الجزيرة العربية الذين قدموا إليها في التجارة البرية والبحرية. إلى جانب هجرة بعض القبائل العربية إلى مصر قبل الفتح الإسلامي، لتستوطن مناطق مختلفة منها.

مع ذلك، فقد كان الفتح الإسلامي بداية الصراع بين اللّغتين القبطية والعربية، وهو صراعٌ استمر قروناً منذ الفتح الإسلامي عام 20هـ وحتى عام 87هـ/706م حين أصدر عبد الله بن عبد الملك والي، مصر وقتها، أوامر بإحلال العربية بدلاً من القبطية واليونانية.

وبعد الفتح الإسلامي، كانت اللغة القبطية في موقفٍ، إذ كانت العربية لغة الحضارة الإسلامية التي كانت تزدهر بمرور السنوات، فضلاً عن وقوع القبطية قبل ذلك فريسة للغة اليونانية التي أصبحت لغة الكتابة.

وكان انتشار اللغة العربية مرتبطاً بانتشار الإسلام في الأقطار، وقد ظلت اللغة القبطية حية في المناطق النائية والتي لم ينتشر الإسلام بها، فترة أطول.

وحسم الصراعَ في النهاية زيادةُ عدد من دخلوا في الإسلام، وازدياد حركة التعريب بالدولة.

وواصلت الكنيسة دورها في الحفاظ على هذه اللغة فوضعت قواميس للكلمات القبطية وقامت بترجمتها إلى العربية، كما قامت بإصلاح اللغة القبطية وفقاً لمقتضيات اللسان العربي، بعد أن دخلت عليها حروفٌ جديدة مثل الضاد والظاء، ما تسبب في تغيير نطق بعض الكلمات القبطية.

جدير بالذكر أن قرية الزينية بمحافظة الأقصر هي المكان الوحيد الذي لا يزال تستخدم فيه اللغة القبطية بين عامة الناس؛ نظراً لأن الأغلبية العظمى من سكانها مسيحيو الديانة، وعكوف الكنيسة هناك على تعليم القبطية لأهل القرية.

الأمازيغية في المغرب العربي

الأمازيغية

كان أهل المغرب العربي يتحدثون اللغة الأمازيغية قبل الفتح الإسلامي، وهي إحدى اللغات القديمة التي تنتمي إلى عائلة اللغات الأفروآسيوية، بينما كانت اللاتينية هي لغة الكتابة، وقد قاومت الأمازيغية الهيمنة الرومانية عدَّة قرون، وظلّت لغة الثقافة في المغرب.

وبعد الفتح الإسلامي وبسبب عدم وجود لغة موحدة للثقافة، انتشرت اللغة العربية بسهولة، وإن احتفظت الأمازيغية بمكانتها في التواصل اليومي، وتأثيرها على لهجة أهل المغرب.

يتحدث الأمازيغ منذ القدم بلسان غير متجانس يضم سبع لهجات كبرى تنتشر في شمال إفريقيا هي -إلى جانب (تشَلحيت)- (تاريفت( و(تمازيغت) في المغرب، (القبَايْليَّة) و(الشاويَّة) و(المزابيَّة) في الجزائر، و(التراكيَّة) بالصحراء الكبرى من موريتانيا إلى السودان.

واليوم، يُعتبر المغرب أول بلد يعتمد اللغة الأمازيغية لغةً رسميةً إلى جانب اللغة العربية في نص دستور عام 2011، واعتمدتها الجزائر في يناير/كانون الثاني عام 2016. وتعتبر اللغة الأمازيغية لغة وطنية في مالي والنيجر أيضاً.

الآرامية في العراق وبلاد الشام

الآرامية

كانت اللغة الآرامية هي لغة بلاد الشام ولغة الثقافة بين العراقيين حتى القرن السابع الميلادي حين دخل الإسلام، وتمثل هذه اللغة مزيجاً بين اللغتين الأكدية العراقية والكنعانية السورية، ورغم سيادة الإمبراطورية الفارسية على المنطقة ومحاولات الفرس فرض لغتهم وديانتهم فقد ظلت اللغة الفارسية لغة البلاط ورجال الدين المجوس هناك فقط، وحافظ العراقيون على لغتهم وديانتهم.

ولم يكن الوضع مختلفاً في بلاد الشام، فقد انتشرت المسيحية انتشاراً واسعاً في القرون الأولى للميلاد بأنحاء سورية القديمة كلها. واستُخدمت اللغة الآرامية في الدعوة إلى الدين الجديد، وكُتبت بها النصوص الدينية فساهم ذلك في توطيد مكانتها.

وسرعان ما أصبحت العربية بعد الفتح الإسلامي لغة أهل الشام والعراقيين، بسبب التقارب الكبير بين اللغة الآرامية واللغة العربية؛ إذ تنتميان إلى عائلة اللغة السامية، فضلاً عن التقارب الكبير بين عرب الجزيرة والعراقيين؛ بسبب الاتصالات السكانية والحضارية.

وشارك العراقيون بصورة فعالة في صنع الحضارة الإسلامية، بل إنهم حافظوا على اللغة العربية ووضعوا أسس النحو والبلاغة، والتنقيط والحركات التي ورثوها عن اللغة الآرامية، وقد نشطت في ذلك مدينتا الكوفة والبصرة.

ولا تزال اللغة الآرامية تُستخدم بالكنائس المسيحية العراقية، وفي سوريا يتحدث سكان منطقة معلولا الآرامية الحديثة، بالإضافة إلى قريتين مجاورتين لها شمال دمشق.

المصادر: archive / huffpostarabi / mandaeannetwork / aljazeera / wikipedia