ماذا لو كان الإيمان في القلب.. لماذا نصلي ؟!

لماذا نصلي؟.. سؤال غير مطروح، على الأقل ليس بصوت عال، فقد تعودنا أن نعد ما هو بديهي لا يناقش، و لو لغرض ترسيخه، و هكذا،و لأن الصلاة فرض مكتوب، و لأنها عمود الدين، و لأنها الخط الفاصل بين الكفر و الإيمان، و لأنه قد رسخ في أذهاننا أن من أقامها فقد أقام الدين، و من هدمها فقد هدم الدين، فإننا نستبعد السؤال، و نحاول تكريس الأمر و ترسيخه في نفوسنا و نفوس أولادنا، و نفوس من حولنا.. دونما محاولة البحث عن أسئلة لذلك.. فالصلاة (فرض) و هذا يكفي.. 

ماذا لو كان الإيمان في القلب.. لماذا نصلي ؟

و عموما، فإن الناس صارت تعد "الصلاة" بمنزلة هوية، لكون الشخص المصلي ملتزما بأداء بعض ما افترضه إسلامه عليه، كدائرة أخص من دائرة الإسلام العام الذي يدخله المرء بمجرد أداء الشهادة.. و أداء الصلاة، هو ذلك الباب العالي الذي يجتازه المرء ليحظى بفرصة في الفوز و النجاة الأخروي.. 

يختلف الناس حتما في أداء صلاتهم.. و أيضا في تقييمهم لها.. و في توقعاتهم منها، هناك فئة ليست غالبة حتما بمقاييس الكثرة، تحرص على أدائها في وقتها، و ربما على أدائها جماعة، و ربما على محاولة استحضار الخشوع في أثناء أدائها جماعة، و ربما على محاولة استحضار الخشوع في أثناء أدائها،و هناك فئة أوسع قليلا من سابقتها تحاول على الأقل واحدة من هذه الأمور (الوقت- الجماعة – الخشوع)، فتنجح مرة و تخفق مرات، و هناك فئة أوسع حتما من الفئتين السابقتين، و هي التي يكون أداؤها للصلاة سيئا، حتى حسب تقييمها لنفسها، فالصلاة قد تؤخر إلى وقت الصلاة التالية، و قد تؤدى كنقرات سريعة، و قد يختفي التركيز تماما، فلا يعرف ما الذي قرأه في صلاته.. 

و هناك فئة أوسع من كل هذه، تؤدي الصلاة (أحيانا) - و تتركها لفترات مختلفة، ثم تعود إلى الصلاة، و ربما تود لو أنها تستمر، لكنها تنقطع مجددا.. و هكذا.. 
و هناك طبعا، فئة لا تصلي البتة.. ليس بسبب موقف مسبق ينكر الصلاة أو ينكر كونها فريضة، فقد يكون الكسل واحدا من الأسباب، و ليس كلها.. و هناك الإهمال.. هناك عدم الاكتراث.. و هناك (اللاشيء) الذي يجعل بعضهم لا يلتفتون للصلاة.. 

كل هذه الفئات موجودة، و ربما تكون موجودة بأكثر مما يطيب لنا أن نعرف، ربما يمر بها الواحد منا في مراحل حياته المختلفة، و حقيقتها الإحصائية – اجتماعيا – تمثل أن الكثيرين مثلنا، قد يمرون بذلك في حياتهم أيضا.. 

للصلاة مقاصد عديدة، و قد كتب فيها المصنفون ما لا يمكن تجاوزه، خاصة ما صنفه سلطان العلماء (العز بن عبد السلام)..

و هذه المقاصد ترتبط فيها الدنيا بالآخرة، في زواج لا فكاك منه، و لا طلاق فيه.. فالفصل بين الدنيا و الآخرة لا وجود حقيقيا له في شريعة تعتبر أن "الدنيا هي مزرعة الآخرة"،و هي موضع الامتحان الذي ستعرف نتائجه في الآخرة، أي أنهما مرتبطان مثل ارتباط أداء الطلاب في قاعة الامتحان، بإعلان النتائج لاحقا.. و لا مجال لأي نوع من الفصل بينهما.. و هكذا فإن أي حديث عن (مقاصد)، هو حديث عن مقاصد دنيوية أولا،تؤدي إلى مقاصد أخروية كتحصيل حاصل وكنتيجة مرتبطة بالدنيا.. و لا يمكن الحديث عن هدف أخروي دون ارتباطه بعمل دنيوي، بإنجاز يحصل في الدنيا.. و يؤدي إلى هذا الهدف الأخروي..

على الرغم من ذلك، و على الرغم من أن الحديث عن مقاصد الصلاة ليس جديدا البتة إلا أن معظم ما ننشأ عليه يجرد صلاتنا من جانبها الدنيوي، و يركز على الجزاء الأخروي لها، فيجعل الثمرة بمعزل عن الجذر، و يجتزئ نصوصا من سياقها الكبير، فيجعل من أداء الصلاة بمعزل عن دورها الاجتماعي(أي الدنيوي)، كما لو كنا نؤديها لمجرد الأداء - كما لو أن الهدف المطلوب من الصلاة، هو أن نؤديها فقط، أي أن نقف في تلك الأوقات المحددة، و نقول ما نقول، و نؤدي تلك الحركات.. و ينتهي الأمر هنا..

المصدر: كتاب المهمة غير المستحيلة - سلسلة كيمياء الصلاة لأحمد خيري العمري