أقوى رقم في التاريخ .. قصة "الصفر" !

كان مفهوم الصفر موجوداً منذ أقدم العصور، فقد ظهر في نقوش البابليين وحضارات المايا، حين كان يُستخدم لحساب تعاقب الفصول.
يذكر أن الصفر استخدم لأول مرة في وادي الرافدين قبل نحو 5 آلاف عام، وأعطي الصفر رمزا في الكتابة من قبل البابليين في القرن الثالث قبل الميلاد.


الصفر

واستخدمه العلماء القدامى باعتباره رمزاً للتعبير عن غياب الرقم، بالطريقة نفسها التي نستخدم بها الصفر في 101 أو 102 لنبيّن أنه لا يوجد أي أرقام في خانة العشرات. وكان شكله عند البابليين مثل سهمين -دارتس- صغيرين متجاورين يرقدان على جنبيهما.

استغرق الصفر 2000 عام حتى يأخذ مكانه باعتباره رقماً صحيحاً، على الرغم من عبقريته الحسابية. وحدث هذا في الهند.

سُميً هذا الرمز "شَنّيا"، وما زالت تستخدم هذه الكلمة حتى الآن، للتعبير عن اللاشيء باعتباره مفهوماً، أو عن الصفر باعتباره رقماً.

نعود للهند مرة أخرى، حيث كان عالم الفلك براهماجوبتا القوة الدافعة لأن يسلك الصفر طريقه نحو المجد، وذلك خلال القرن السابع. في الرياضيات، لم يكن "شنّيا" يُستخدم فقط لحفظ الخانة أو لتوضيح أن هذا المكان فارغ، ولكنه كان يُستخدم أيضاً في العمليات الحسابية مثل أي رقم آخر. فيمكنك جمعه وطرحه وضربه. غير أن قسمته تبقى أمراً صعباً بعض الشيء. لكن هذا التحدي الخاص، حفّز ظهور فرع جديد كامل ورائع من الرياضيات، كما سنرى بعد ذلك.

وبمجرد أن ثبّت الصفر قدميه في جنوب آسيا، عبر بعدها إلى الشرق الأوسط، حيث نصره علماء المسلمين، وشكّل جزءاً من نظام الترقيم العربي الذي نستخدمه اليوم. (يقول بعض المؤرخين إن الأصل الهندي للصفر مُحِيَ من سجلات التاريخ بشكل ظالم، وإننا يجب أن نسميه نظام الترقيم الهندي-العربي).

على الرغم من هذه البداية الروحانية والفكرية الرائعة، واجه الصفر نضالاً حقيقياً. فقد عبر أوروبا خلال فترة الحملات الصليبية ضد الإسلام، وكانت أفكار العرب آنذاك -حتى في الرياضيات- تُواجَه بالكثير من التشكيك وعدم الثقة.

في عام 1299، حُظر الصفر بفلورنسا، هو وكل الأرقام العربية، إذ قالوا إنها تشجع على الغش، لأن الصفر يمكن أن يتحول بكل سهولة إلى رقم تسعة، وما الذي يمنعك من إضافة القليل من الأصفار في نهاية الفاتورة لتضخم السعر؟

فضلاً عن أن الصفر كان يُنظر له باعتباره سابقة خطيرة، لأنه كان باباً للأرقام السالبة. والأرقام السالبة قضت بتقنين الاستدانة والاقتراض.

عصر النهضة

استمرت تلك الحالة فترة كبيرة حتى القرن الخامس عشر، عندئذ بدأ قبول الصفر وبقية الأرقام العربية أخيراً. ولكي نضع هذا الحدث في سياقه، كانت جامعة أكسفورد قائمة في بريطانيا منذ قرون، ولم يمر كثيراً على ظهور آلة الطباعة وتشغيلها.

وقد ساعد كلاهما -بلا شك- على ازدهار فكرة الصفر في الرياضيات. شكّل الصفر قاعدة بعض الوسائل العلمية والتقنية الهائلة التي نستخدمها اليوم. قبل القرن السابع عشر، ظهر الصفر ظافراً ليشكل أساس نظام إحداثي ديكارتي (محور السينات والصادات الذي قابلته في المدرسة) الذي اخترعه الفيلسوف الفرنسي ديكارت. وما زال نظامه يُستخدم في كل شيء من الهندسة وحتى رسومات الحاسوب.

فقد استمد عصر النهضة شرارته من قدوم النظام العربي للترقيم، متضمناً الصفر. وعندما حدث ذلك، تحول علم الحساب فجأة من الأبيض والأسود إلى عالم عظيم وملون".

ومع ذلك، صار الصفر قوياً خلال عصر النهضة وجعل الحماسة تشتعل مرة أخرى. ذكرت مشكلة القسمة على الصفر فيما سبق، إذ تعد فكرة قسمة الصفر على صفر -الأصعب كثيراً- أساس أحد فروع الرياضيات المفضلة لديّ، وهي حساب التفاضل والتكامل. ويدور حساب التفاضل والتكامل في فلك حساب التغيرات، والذي يمنحك بعض الخدع اللطيفة التي قد تمكنك من توقع ما قد يحدث في المستقبل، بدءاً من انتشار مرض الإيبولا وحتى حركة سوق البورصة. إنه أداة قوية بالطبع.



المصدر : هنــا