ما هي أسرار التعليم في اليابان ؟ .. حقائق مُذهلة عن الوجه الآخر للتعليم في ذلك الكوكب !

دائمًا ما نسمع عن دور اليابان الريادي في الكثير من العلوم والمجالات التكنولوجية الحديثة، وتأثيرها المستمر في تغيير العالم وجعله مكانًا أفضل، فما هو المسبب الرئيسي لهذه النهضة؟

التعليم في اليابان

حسنًا، إنه التعليم .. فيعد أحد أهم الركائز المؤثرة في نهضة اليابان، حيث يخلق للفرد شخصية متكاملة، متعلمة وصارمة، تقدر على تخطي أقوى العقبات كي تقتحم المنافسة العالمية في العديد من المجالات، وتثبت لنا جميعًا أثر التعليم والتربية، بتأثيرها على المجتمع الياباني، وبتأثيرها علينا أيضًا، إليكم نبذة عن نظام التعليم باليابان، والوجه الآخر له.

1- نبذة عن نظام التعليم باليابان

ينقسم نظام التعليم باليابان بشكلٍ أساسي إلى أربع مراحل رئيسية: أولها مرحلة التعليم الابتدائي والتي تتكون من 6 سنوات، بعد ذلك ينتقل الطالب إلى مرحلة التعليم المتوسط والتي تتكون من 3 سنوات، كي تليها مرحلة التعليم الثانوي المكونة من 3 سنوات، وأخيرًا تأتي مرحلة التعليم العالي، والتي تنقسم إلى التعليم الجامعي المكون من 4 سنوات، أو التعليم المتوسط المكون من سنتين.

يبدأ الطفل مسيرة الدراسة بشكلٍ إلزامي عندما يُتِم أعوامه الست الأولى، ويلتحق بإحدى المدارس الابتدائية كي يتم إعداده وتهيئته عن طريق تعليمه اللغة اليابانية، العلوم الاجتماعية، الرياضيات، العلوم، الموسيقى، الفنون، الحرف اليدوية، وصولًا إلى التدبير المنزلي والتربية البدنية. كما يقوم الطالب أيضًا بحضور صفٍ أسبوعي عن التربية الأخلاقية، والتي تعد جزءًا رئيسيًا من نظام التعليم باليابان الذي يهدف إلى إنتاج طالب متكامل من جميع الجوانب.

بعد ذلك ينتقل الطالب بشكل رئيسي إلى مرحلة التعليم المتوسط حيث يقوم بدراسة نفس التخصصات السابقة، لكن بشكل أكثر تطورًا، ومضافًا إليها اللغة الإنجليزية، الرّحلات الميدانية، والنوادي الصيفية. كي ينتقل بدوره إلى مرحلة التعليم الثانوي التي يتم إعداده فيها بشكل صارم وحاسم للذهاب إلى التعليم العالي سواء جامعي أو متوسط.

2- الوجه الآخر للتعليم باليابان

مع أن نظام التعليم الياباني متشابه إلى حدٍ كبير مع أنظمة التعليم العالمية، إلا أنه استطاع أن يحقق ترتيبًا عالميًا فريدًا من نوعه، حيث يمتلك وجهًا آخر يعد المسبب الرئيسي لتميزه، ومؤثرًا رئيسيًا يساعد في بناء طالب قوي يساهم في نهضة اليابان.


وقد استطاعت اليابان أن تحقق ذلك عن طريق إعتماد النقاط التالية:

1- الثقافة المدرسية

لا تتعجب إن قمنا بإخبارك أن المدارس اليابانية لا تحتوي على عمال نظافة وحراس، حيث يقوم الطلاب بتنظيف الطاولات، أرضيات الفصول، الممرات، قاعات الطعام، حتى غسل دورات المياه وجمع أوراق الشجر المتساقط والقمامة من فناء المدرسة. ولا تعتبر المدارس اليابانية ذلك الأمر إهانةً للطفل، حيث ينعكس عليه بشكل إيجابي، فيُنمي فيه روح العمل الجماعي وتحمل المسؤولية، كما يصبح أكثر محافظةً على مدرسته.

2- التعليم الشامل

لا يقوم المعلمون باليابان بتعليم الأطفال المواد الدراسية فقط، حيث يقومون أيضًا بالتركيز على تعليم الطفل طرق النظافة الشخصية، والتغذية الصحيحة، وصولًا إلى كيفية التحدث مع الكبار وتحية الزملاء. ويعد ذلك الأمر بالمؤثر الكبير على سلوك الطالب الياباني، حيث يبث فيه الأخلاق الحميدة والسلوك الحسن.

3- الصّرامة

إذا كنت تعتقد أن نظام التعليم باليابان مريح وسهل فعليك أن تعيد حساباتك! حيث إن السنة الدراسية باليابان نادرًا ما تحتوي على إجازات، فتبدأ الدراسة بشهر ابريل كي تنتهي بشهر مارس في السنة التالية، وتتراوح مدة الإجازة للطلاب بين 3 إلى 6 أسابيع على الأكثر.

4- الاجتهاد 

لا يركز اليابانيون على ذكاء الطفل بشكل أساسي، حيث إن الاجتهاد يعد بالشيء الأول والمقدس بالنسبة لهم، كما يُعتبر العامل الأساسي للنجاح. لذلك نجد أن المدارس وأولياء الأمور باليابان ينصحون أبنائهم بأهمية الاجتهاد في المرتبة الأولى، كما نجد أن معظم العبارات اليابانية تحتوي على كلمات تشجيعية للجد وليس للموهبة، وهو الأسلوب الصحيح لتربية الأبناء وإخبارهم بأهمية الاجتهاد كي يعتمدوا عليه ويصبحوا أكثر تحكمًا بتصرفاتهم وأفعالهم.

فالطلاب اليابانيون يتعلمون منذ الصغر أن السبيل الوحيد للحصول على وظيفةٍ مرموقة هو الاجتهاد وتحصيل المزيد والمزيد من العلوم المختلفة. ونتيجة لذلك، نجد تنافسًا قويًا بين طلاب المدارس اليابانية بهدف تحصيل أعلى الدرجات التي تؤهلهم إلى القبول بمدرسة ثانوية ممتازة، ومن ثم جامعة مرموقة. ولا يعد الأمر سهلًا، حيث يتطلب ذلك أعلى المستويات والدرجات كي تكون مؤهلًا لتخطي المقابلات واختبارات القبول.


5-شعبٌ أغلُه متعلم ومُثقف

فقط تخيل أنّ عدد الجامعات باليابان يتعدى 710 جامعة، حيث تصل نسبة طلاب الثانوية الذين يكملون تعلميهم بالجامعات العليا إلى 65 بالمئة وهي نسبة كبيرة جدًا مقارنة بباقي دول العالم، كما يكمل الطلاب الذين لم ينجحوا في الانضمام إلى الجامعات تعليمهم بكليات متوسطة مدتها سنتان فقط، كي تتخطى النسبة الإجمالية للخريجين المتعلمين بشهادات عليا ومتوسطة أكثر من 85 بالمئة من إجمالي الطلاب.

بالنظر إلى النقاط السابقة نجد في المجمل العام أن الشعب الياباني شعبٌ صارمٌ بطبيعته، محبٌ للعمل والاجتهاد وأغلبه متعلم ومثقف، كي ينعكس ذلك على الاقتصاد الياباني فينتج لنا تجربة من أنجح دول العالم اقتصاديًا وتعليميًا.

6- امتحان الجحيم !

التعليم في اليابان

من أبرز وأعقد الأمور في نظام التعليم الياباني هي إجراءات دخول الجامعة، فمرتب الإنسان ومستواه الاجتماعي يتحدد من خلال الجامعة والدراسة التي سيخوضها الطالب . لذا ، هناك ما يعرف بـ"امتحان القبول" في اليابان . وهو امتحان مشهور بصعوبة اجتيازه ، حتـى إنه يعرف هنــاك باسم "امتحان الجحيم" . فيقوم الطالب  في آخر سنة في المرحلة الثانوية باختيار الكلية التي يرغب بدخولها . ثم تقوم كل كلية بتحديد النسبة المسموح بها حتى يتم قبول الطالب عندها .
أمَّا إذا رسب الطالب في الامتحان ، فإنه يقضي عامًا آخر كاملًا في الاستعداد للامتحان! فتصور مدى الضغط!

لهذا السبب ، فالتجهيز لمثل هذه المرحلة في اليابان يبدأ منذ الصغر. فالطالب يجب أن يكون حريصًا على التفوق من المرحلة الابتدائية حتى يتمكن من دخول أفضل المدارس المتوسطة . والتي ستكون بوابة للقبول في أفضل المدارس الثانوية ، ومن ثم إعانة الطالب على تخطي "امتحان الموت" ! وهذه واحدة من أسباب أن أعلى معدلات الانتحار في العالم هي من نصيب اليابان!

7- لا لدروس التقوية والدعم!

يؤمن نظام التعليم الياباني إيمانًا عميقًا بـ"هُوية المجموعة" ، فالفصل كله سينجح ويتخرج معـًا ولا فصال في ذلك . كما أنه لا يقوم بما نطلق عليه "دروس التقوية " ، أو "الفصول الخاصة". وتفسير ذلك أن اليابانيين يرون في مثل هذه الأمور تمييزًا وفصلًا عنصريًا يرفضه نظـام التعليم .  ووجدوا أن مثل هذه التقنية المتبعة تدفع الطلبة لمزيد من الحرص على التفوق لرفع مستواهم الدراسي ومجاراة أقرانهم .

8- روح المثابرة والإصرار

فنظام التعليم في اليابان لا يعتمد إطلاقًا على المهارات الإدراكية ، التي تتعلق بمستوى الذكاء والقدرة على الحفظ كمعظم نظم التعليم الناجحة في العالم . ولكنها تعول أكثر على المهارات اللاإدراكية والتي تتضمن أمورًا مثل: المثابرة وضبط النفس والفضول والضمير الحي والثقة . فبعد عدة أبحاث تم إجراؤها ، تمكنوا من التوصل إلى أن الطفل الذي يملك روح المثابرة والإصرار على مذاكرة مادة الرياضيات لمدة عشر ساعات أسبوعيًا ، يحقق نتائج أفضل من الطفل حاد الذكاء الذي لا يهتم بالقيام بواجباته معولا على ذكائه .

تفوقت اليابان بهذه التقنيات وغيرها ، وإن ظهر بعضها غير منصف أو يفوق الطاقة البشرية ، فإن الرد المباشر من أعماق اليابان سيكون : "ومع هذا فنحن نحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم" ، لتتمكن بهذا الرد المفحم من إخماد أي احتجاج أو معارضة على نهجها وتقنياتها المتبعة في التعليم!


إليك بعض المعلومات .. ستُذهلك عن التعليم في اليابان

1- تطلب أغلب المدارس الإعدادية من التلاميذ أن يرتدوا الزي الرسمي (seifuku).
في المدارس الابتدائية والإعدادية العامة، يتم تقديم قائمة أساسية للغداء المدرسي (kyuushoku)، والذي يتم تناولها في الفصل. وبهذا الأسلوب، يُصيغ التلاميذ والمعلمين علاقات أفضل أثناء تناول الطعام معًا.

2- لا يتهرّب التلاميذ من الحصص الدراسية في اليابان، ولا يتأخرون في الوصول إلى المدرسة مثلما يحصل في العالم العربي.

3- يمتلك التلاميذ في اليابان حسّاً قويًا للانتماء لمدارسهم، فلا يشعرون كأنهم ضيوف أو منبوذين.

4- أقرّ حوالي 91% من التلاميذ اليابانيين بأنهم لم يقوموا قط، أو حتى في بعض الحصص، بتجاهل ما يقوم المعلم بشرحه.

5- لم يحتاج معلميهم إطلاقاً، أو حتى في بعض الدروس، بأن ينتظروا وقتًا طويلًا لكي يستعد التلاميذ للحصة.

6- يقضي التلاميذ حوالي 235 دقيقة لكل أسبوع في حصص الرياضيات الاعتيادية (ويبلغ ذلك حوالي 218 دقيقة بالنسبة إلى الدول الأخرى) ولكنهم يقضون وقتًا أقل في حصص اللغة والعلوم – حوالي 205 و165 دقيقة بالترتيب لكل أسبوع (ويبلغ ذلك حوالي 215 و200 دقيقة بالترتيب لكل أسبوع في الدول الأخرى). وتحضر نسبة كبيرة من التلاميذ اليابانيين الورش العملية بعد اليوم الدراسي والذي يمكنهم تعلّم المزيد من الأشياء فيها فضلًا عما يتعلموه في الحصص الدراسية، والبعض يقوم بتلك الورش العملية في المنزل أو في مكان آخر.

7- يعتبر تعليم رياض الأطفال (قبل الابتدائي) هو أهم شيء لليابان؛ حيث يُثبت البحث الدراسي أن التلاميذ الذين يحضرون تعليم رياض الأطفال يميلون إلى تقديم أداء أفضل في سن الـ 15 عام بالنسبة لأقرانهم. وبالتالي، ليس من المفاجئ أن 99% من الأطفال اليابانيين يحضرون بعض أنواع تعليم رياض الأطفال.

وأخيراً .. بعد إلقاء هذه النظرة على أهم ملامح نظام التعليم في اليابان نجد أن هذه المميزات التي شكلت هذا النظام التعليمي والذي يعجب به الجميع، تشكل عيبًا أيضًا في بعض النظريات التربوية مثل شدة المركزية والتركيز على المعرفة والحفظ وثقل الأعباء الدراسية وجحيم الاختبارات. وبالرغم من تحقيق المساواة في التعليم والمساواة في تكافؤ فرص التعليم، إلا أن جحيم الاختبارات والتنافس الشديد والإقبال الشديد على التعلم، أوجد فوارق بين المدارس إلى حد ما، واحتدت المنافسة أيضًا للالتحاق بالمدارس الثانوية المرموقة ومن ثم إلى الجامعات الكبرى المرموقة التي توفر فرصًا مرموقة للعمل. ولذلك فإن نظام التعليم الياباني يُعتبر مميزًا عن نظم التعليم الأخرى، ويعتبر ناجحًا بالطبع وقد أدى المطلوب منه في اليابان ولكن هذا كان على حساب قيم أو أهداف أخرى لم تتحقق، وهذا ما يعترف به اليابانيون أنفسهم تجاه نظامهم حيث يشعرون أن روح الجماعة مثلاً كانت على حساب الفردية والإبداع.


مصادر : 1 / 2 / 3 / 4 / 5