هل كل إنسان عاقل هو واعٍ؟

رواد عالم تعلم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الإنسان هوَ مخلوقٌ مُكرّم، كرّمهُ الله على غيرهِ من المخلوقات الأخرى وأعطاهُ السيادةَ عليها وميزه بنعمة العقل التي تفرّدَ بها عن غيره، حيثُ سخّرَ لهُ كُلّ شيءٍ لخدمته، فكانَ بهذا العقل الذي منحهُ الله إيّاه هوَ المُستخلف في الأرض لإعمارها وتطويرها والاستفادة من خيراتها الكثيرة، ولولا العقل البشريّ لكانَت هناك أسرار كثيرة دفينةٌ دونَ معرفة حقيقتها وتسخيرها لنفع البشريّة بشكلٍ عامّ.


العقل والوعي

فالعقل في نظر العامة من الناس يعتبر بمثابة ملكة تميز الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى وذلك على مستوى السلوك و التفكير , وتختلف هذه الملكة من شخص لآخر, قال الله تعالى : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.

وعلى هذا الأساس يتم التمييز بين الإنسان العاقل و الفاقد للعقل أو مختلِّه أو ناقصه , ولقد نشأت على مدى العصور فلسفات كثيرة تناولت شأن العقل فمنها من قام بإعطائه السلطة المطلقة , ومنها ما عطَّل العقل في فهم الحياة , وجاء الإسلام الذي أعطى العقل أهمية واضحة , فهو الأساس في فهم النقل ولا تعارض بينه وبين العقل فلولا العقل لما فهمت النصوص , ولما استُنْبِطت الأحكام . 

ولنفهم معنى العقل لغةً نَرجِعُ إلى أهل اللغة حتى نفهم ما المقصود بالعقل أصلاً , فكم من متكلم بالعقل ولا يستطيع أن يخبرنا ما هو العقل لغة وماهيته ؟ .
فالعَقْلُ:هو العِلْمُ بِصفاتِ الأشْياءِ من حُسْنِها وقُبْحِها وكمَالِها ونُقْصانِها أو العِلْم ُبخَيْرِ الخَيْرَيْنِ وشَرِّ الشَّرَّيْنِ أو مُطْلَقٌ لأُمورٍ أو لقُوَّةٍ بها يكونُ التمييزُ بين القُبْحِ والحُسْنِ ولمَعانٍ مُجْتَمِعةٍ في الذِّهْنِ يكونُ بمُقَدِّماتٍ يَسْتَتِبُّ بها الأغْراضُ والمصالِحُ ولهَيْئَةٍ مَحْمودةٍ للإِنْسانِ في حَرَكاتِه وكَلامِه 

كل هذه الدلالات تحيل إلى معجم واحد أنه  وعي الإنسان بذاته وكيانه، فكما لا يخفى على أحد أن العقل يُعد ركيزة أساسية للإدراك والاستيعاب وبذلك التمييز بين الخطأ والصواب، الخير والشر، النافع والظاهر.

لكن، هل كل إنسان عاقل هو واعٍ؟ سؤال يطرح ذاته بشدة، ولا سيما في مجتمعاتنا العربية، فكيف لإنسان عاقل أن يقدم على اغتصاب براءة طفل؟ أو آخر يُفضل الانتحار ووضع حد لحياته عوض مواجهة عقبات الحياة القاسية؟ أين المنطق من كل هذا؟ إنها صور نمطية وشهادات صادمة من واقع مجتمعنا، تثير الاستغراب وتؤجج في النفس مشاعر الذهول والاستنكار.

مع الأسف، فعلى ما يبدو ليس كل فرد عاقل هو واعٍ، فالوعي ينبثق عن الشخص ذاته، شخص يحتكم إلى ضميره الأخلاقي، نعم، ذلك الصوت الخفي العميق الذي يُنبهك لهفواتك ويُؤنبك لكثرة أخطائك، إنه بمثابة الشرطي الذي يحرص على سلامتك وأمنك برسم حدود تحفظك حتى لا تقع في دوامة لا تكاد تفك طلاسمها.

إن ضميرنا الأخلاقي لم يسبق وجودنا، فلا شيء يأتي من فراغ، بل نحن من نسهر على تكوينه طوبة طوبة؛ إذ إنه نتاج لتراكم عدة مبادئ وقيم تلقاها الشخص في مختلف مراحل حياته، وهنا يكمن الفرق، فإما أن تسلك نهجاً سوياً يتوج بوعي إيجابي، يجعل منك فرداً فعالاً تسعى إلى الارتقاء والسمو وكذا تطوير كفاءته، معتبراً أن المصلحة الخاصة تذوب في خضم المصلحة العامة.. أو تسقط في مطبات الجهل فتتبنى وعياً سلبياً قد يقودك إلى ما لا تُحمد عقباه، مثل التطرف وإثارة الوخيمة على الفرد والمجتمع.


إن أمة لم ولن تتقدم حتى تنفض الغبار المتراكم عن فكرها وتحرره من التابعيات الواهية، فترسخ لدى أفرادها وعياً يَقيها من براثين الانحراف الفكري، فالوعي ثقافة تُرسخ ومبادئ تُكتسب، لتسمو بالفكر وتنور مدارك المرء وتمنع عنه تداعيات الجهل، فكما قال ديكارت: “لا يكفي أن يكون لك عقل جيد المهم أن تستخدمه بشكل جيد”.