مقال: لا تنتظر "شكراً" من أحد !

السلام عليكم زوار عالم تعلم .. بينما أواصل قراءتي لكتاب لا تحزن لعائض القرني أردت أن أشارككُم هذا المقال .. 
خلق الله العباد ليذكروه، و رزق الله الخليقة ليشكروه، فعبد الكثير غيره، و شكر الغالب سواه. لأن طبيعة الجحود و النكران و الجفاء و كفران النعم غالبة على النفوس، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، و أحرقوا إحسانك، و نسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء و رموك بمنجنيق الحقد الدفين، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم "و ما نقموا إلا أن أغناهم الله و رسوله من فضله".

لا تنتظر شكراً من أحد

و طالع سجل العالم المشهود فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه و غذاه و كساه و أطعمه و سقاه، و أدبه و علمه، سهر لينام، و جاع ليشبع، و تعب ليرتاح، فلما طرّ شارب هذا الابن و قوي ساعده، أصبح لوالده كالكلب العقور، استخفافا، ازدراء، مقتا عقوقا صارخا، عذابا وبيلا.

ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر، و محطمي الإرادات، و ليهنؤوا بعوض المثوبة عند من لا تنفد خزائنه.

إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل، و عدم الإحسان للآخرين، و إنما يوطنك على انتظار الجحود، و التنكر لهذا الجميل و الإحسان، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون.
اعمل الخير لوجه الله، لأنك الفائز على كل حال، ثم لا يضرك غَمْطُ من غَمَطَكَ، و لا جحود من جحدك، و احمد الله لأنك المحسن، و اليد العليا خير من اليد السفلى "إنما نطعمك لوجه الله لا نريد منكم جزاءً و لا شكورا".

و قد ذهل كثير من العقلاء من جبلّة الجحود عند الغوغاء، و كأنهم ما سمعوا الوحي الجليل و هو ينعي على هذا الصنف عتوه و تمرده "مَرَّ كأن لم يدعنا إلا ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون". لا تفاجأ إذا أهديت بليدا قلما فكتب به هجاءك، أو منحت جافيا عصا يتوكأ عليها و يهش بها على غنمه، فشج بها رأسك، هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها جلَّ في علاه، فكيف بها معي و معك؟ ! .

المصدر : كتاب لا تحزن لعائض القرني