هل صحيح أن الأفكار الإبداعية تأتينا أثناء الاستحمام ؟.. إليك بعض الدراسات التي تؤكد ذلك

السلام عليكم زوار عالم تعلم .. كثيرا ما ربما تتعرض لمشاكل لم تستطع إيجاد حلٍّ لها وأنت في مكتب عملك وأثناء تفكيرك بشكل جاد .. لكن عندما تذهب للإستحمام وتشعر بالاسترخاء والاستجمام، وتنغمس في أحلام اليقظة، تأتيك أفكار إبداعية وحلول لتلك المشاكل.. في الواقع علماء النفس يشرحون العلاقة بين الاستحمام والوصول لأفكار مبدعة، استنادًا إلى دراسات علمية، ويوضحون أفضل الأوقات للاستحمام للحصول على أفكار مميزة.

الأفكار الإبداعية تأتينا أثناء الاستحمام

لماذا تصلُنا الأفكار الإبداعية أثناء الاستحمام ؟!

دراسات وأبحاث علمية..

أجرى الدكتور سكوت باري كوفمن، عالم النفس المعرفي، دراسة تسلط الضوء على أهمية الاسترخاء في الوصول إلى أفكار إبداعية، وركّزت الدراسة بشكل أساسي على العلاقة بين الاستحمام والوصول لأفكار إبداعية، وأجريت الدراسة من خلال استطلاع رأي أربعة آلاف شخص تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 64 عامًا في ثماني دول مختلفة، هي: البرازيل، والصين، وجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا.

وأظهرت الدراسة أن نزول الماء على الجسد المصحوب بالهدوء والخلوة والانعزال أثناء الاستحمام، عوامل تساعد على الوصول لأفكار جديدة وإنعاش التفكير، ووصلت الدراسة لنتائج مذهلة، إذ كشفت الدراسة أن 72% من الأشخاص محل الدراسة يصلون لأفكار مبدعة أثناء الاستحمام، اللافت في نتائج الدراسة أيضًا أنها أظهرت كون 14% من الأشخاص محل الدراسة يذهبون للاستحمام لسبب واحد فقط يتمثل في الوصول لأفكار جديدة.

ويُعلق كوفمن على نتائج الدارسة ويقول: "إنه من المدهش والمستغرب أيضًا أن تعلم أن الناس يكونون أكثر إبداعًا أثناء الاستحمام، عنه أثناء العمل" لافتًا إلى أن نتائج الدراسة أكدت أهمية الاسترخاء في عملية التفكير الإبداعي، وأن الاسترخاء والوحدة أثناء الاستحمام تُساعد على التفكير الإبداعي، "من خلال السماح للعقل بأن يتساءل بحرية، وجعل الناس ينفتحون أكثر على تيار الوعي الداخلي وأحلام اليقظة"، على حد تعبير كوفمن، الذي ينصح بضرورة إيجاد مساحة من الوقت يوميًا للانعزال عن الانشغالات اليومية، من خلال تخصيص وقت للاستحمام أو التنزه، مما يُساعد على الخروج من مسار العمل اليومي، وإعادة تكوين الذهن.

أظهرت أبحاث علمية أن الأفكار الإبداعية عادة ما تأتي أثناء تأدية أنشطة رتيبة لا تحتاج إلى مجهود ذهني كبير أو تفكير طويل، مثل الاستحمام، أو صيد الأسماك، أو ممارسة بعض التمارين الرياضية، ويرجع السبب وراء ذلك إلى التحرر من التفكير الواعي، وإطلاق العنان للتفكير اللاواعي وأحلام اليقظة، مما يؤدي لإراحة الفص الجبهي الذي يُمثل مركز القيادة في الدماغ للقرارات والأهداف والسلوك، والانتقال إلى ما يُسمى بـ"شبكة الوضع الافتراضي"، تلك المنطقة الدماغية التي تظل نشطة عند عدم أداء نشاط يحتاج انشغالًا ذهنيًا وتفكيرًا واعيًا، مما يُتيح إمكانية الوصول إلى أفكار إبداعية جديدة، قد يهملها العقل الواعي في وضعه الطبيعي.

في الواقع، تختلف الأفكار التي تصل إليها أثناء الاستحمام، عن تلك التي تصل إليها أثناء العمل، وعند التفكير الجاد في مشكلة ما، يُعطَل نشاط شبكة الوضع الافتراضي، ويزيد من عمل "الفص الجبهي"، وهذا يُساعد على التركيز في ما تُفكر فيه، ولكنه في الوقت ذاته يُقلل من مستوى الإبداع، ويفرض الرقابة على بعض الحلول الإبداعية والأفكار التي تأتي خارج الصندوق.

ينتقل الدماغ إلى ما يُسمى بـ شبكة الوضع الافتراضي وهي المنطقة الدماغية التي تبقى نشطة في حال عدم القيام بمهمة، وهنا يمكنك أن تأتي ببعض الأفكار الإبداعية الجديدة، والتي قد يهملها العقل الواعي في وضعه الطبيعي. هذا هو السبب الذي يؤدي لاختلاف نوعية الأفكار التي تأتينا خلال الاستحمام عن تلك التي تتبادر إلى أذهاننا في مكتب العمل.

وخلصت دراسات أجرتها شيلي كارسون، المُحاضرة النفسية بجامعة هارفارد، إلى أن أكثر الأشخاص المبدعين "يتشاركون في سمة واحدة، تتمثل في التشتت بسهولة، وهو الجمال الكامن في الحمام الدافئ الذي يُشتت تفكيرك بعض الشيء، ويجعل عقلك يُفكر بطريقة مختلفة، مع تنشيط شبكة الوضع الافتراضي".

ويتمثل أحد محفزات الإبداع أثناء الاستحمام، في حالة الاسترخاء والراحة والتخلص من الضغوط المحيطة، تلك الحالة من الاسترخاء تجعل العقل يُفرز ما يسمى بهرمون الدوبامين المعروف بهرمون السعادة واللذة، وتنشيط موجات ألفا: "تلك الموجات التي تمثل نشاطاتٍ عقلية هادئة، وتظهر مع أحلام اليقظة ووقت التأمل والتنزه، وتعني أن الدماغ واعٍ ويدرك ما حوله، ولكنه غير نشيط"، وتساعد موجات ألفا وهرمون الدوبامين على الوصول لأفكار إبداعية.

وحول أنسب الأوقات للاستحمام، تُزكي شيلي الاستحمام في الصباح، وبالأخص عندما تزداد ضغوط العمل، ويكون الفرد تحت ضغط وطلب أن يكون مبدعًا، وتوضح شيلي "إذا كنت تريد حل مشكلة بإبداع وعملت على ذلك جاهدًا دون الوصول لحل، ضعها في الموقد الخلفي من عقلك، واسمح لها بأن تنضج هناك، حيث يصل تفكيرك اللاواعي للحل"، مُضيفة: "العمليات المعرفية تسترخي وتتجدد، ويُعاد بناؤها من جديد، وستجد الأفكار والحلول تأتي إليك بسهولة".

الأفكار الإبداعية تأتينا أثناء الاستحمام

التفكير الجاد .. لا يفيد !

التفكير الجاد في مشكلة ما يعطّل نشاط شبكة الوضع الافتراضي، ويزيد من عمل قشرة الفص الجبهي، هذا ليس سيئًا، فهو يساعدك على التركيز بما تفكر به، لكن من شأنه أن يقلل من مستوى الإبداع، لأنك تركز على مهمة واحدة، فيعمل دماغك على فرض رقابة على بعض الحلول الإبداعية.

فتبيّن أن دماغك لا يكون نشطًا عند التركيز بمهمة واحدة فقط. حيث وجدت دراسة لجامعة هارفارد بأن أكثر الأشخاص المبدعين يتشاركون في سمة واحدة، التشتت بسهولة، وهو الجمال الكامن في الحمام الدافئ. فتشتت تركيزك بعض الشيء، يجعل دماغك يفكر بطريقة مختلفة، كما ينشّط شبكة الوضع الافتراضي.

خلاصة .. لماذا تأتينا أفضل الأفكار في الحمام ..؟

الحمام مكان آمن ومغلق وصغير، وأنت تشعر بالراحة الكافية داخله، وهو فرصتك لتتخلص من كل الضغوط التي واجهتها في الخارج. وحين تكون مسترخيًا يقوم دماغك بإفراز الدوبامين أو كما يُعرف هرمون السعادة واللذة، والذي يحفّز الإبداع. كما تنشط موجات ألفا في الدماغ، وهي ذات الموجات التي تظهر خلال التأمل أو وقت النزهات، تتشارك تلك الموجات مع شبكة الوضع الافتراضي ما يحفّز التفكير الإبداعي.

وبحسب مجلة "Thinking and Reasoning" فإن الاستحمام صباحًا هو وقت ذروة الإبداع، حيث تضعف رقابة الدماغ، وهو ما يمنعك عن حجب بعض الأفكار الغريبة أو الجديدة، والتي تشكّل فرصة للتفكير الإبداعي.

وفي السياق نفسه، تؤكد مجلة "التفكير والمنطق" في تقرير لها أيضًا، أن الصباح هو الوقت الأمثل للاستحمام والوصول لأفكار مُبدعة، وترى المجلة أن الاستحمام صباحًا هو وقت ذروة الإبداع، إذ يضعف رقابة الدماغ على الأفكار غير العادية، مما يحول دون حجب بعض الأفكار الجديدة أو الغريبة والتي تفتح الطريق للتفكير الإبداعي، وتُزيد من إمكانية الوصول لأفكار بديعة.

مصادر : 1 / 2 / 3 / 4