كم عُمُر اللُّغة العربية ؟ .. وهل أصلُها في شبه الجزيرة العربية ؟!

اللغة هي المعبِّر الحقيقي للقوة التي تستند إليها أية حضارة تريد لنفسها البقاء. ومن هذا المنطلق، لا بد لنا أن نطور اللغة العربية التي نزل بها وكرمَّها القرآن الكريم، مع الاستفادة منها في نقل العلوم وتقبلها لتضفي الجديد المتجدد على لغتنا العربية الجميلة.


كما لا يمكن لأحد أن يتجاهل إحدى المسَلّمات الشائعة في علوم اللِّسانيات والمتعلقة بكون اللغة العربية هي من أكثر اللغات السامية المعروفة سعة في الانتشار، إذ تُحدثنا الإحصاءات أن هناك سبعمئة وواحدا وعشرين مليونا ممن يتحدثون العربية، ناهيك عن أن ما يقارب نصف هذا العدد يدرك اللغة ويتعبد بها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا اللغة العربية لغة مهمة دون غيرها من اللغات السامية الأخرى؟.

لعبت اللغة العربية دورا بارزاً حضاريا وثقافيا في العصور الوسطى من خلال نقلها إلى اللغات الأجنبية المعارف الإنسانية والعلوم الأساسية.

فهناك نظرية تستوحي أهمية اللغة العربية قبل أن تستلهم وجودها وأهميتها بنزول القرآن الكريم، إذ تقول إن أقدم الكتابات العربية قد تم اكتشافها في الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، إذ كانت مكتوبة بالخط المسندي .
لعلنا حين نتحدث عن اللغات وأصولها ومعطياتها ومؤثراتها نكون أكثر دقة إذا ما ناقشنا حوافرها وأساسياتها.
فاللغات السَّامية بأساسياتها الشرقية والجنوبية تعود بحسب النظريات التي وصلتنا إلى أنها نشأت في أفريقيا وانتقلت عبر الجزيرة العربية إلى الدول المحيطة غرب الدلتا والتي تعرف الآن بمنطقة الشرق الأوسط. 

وأيا يكن هذا، فالسامية التي انطلقت منها العربية مع اللغات الأخرى كالأمهرية والسريانية والمندائية وغيرها، لم تخرج من محيط الدول الحالية التي يقطنها العرب الآن، وانطلقت منهم مع الإسلام إلى شتى بقاع العالم لتنقل الحضارة والعلوم. فالتطور في اللغة بما لا يقبل الشك يطوِّر الأقوام وينتج ثقافات جديدة مبنية على المعطيات البيئية والاجتماعية المنعكسة على الواقع المعاش.

فقد تكون اللغة السامية أول لغة في منطقة وجودها ونشأتها، إلا أنها سرعان ما تطورت لتصبح لغات سامية وسطى وجنوبية وغربية وجنوبية شرقية وغربية شرقية وغيرها من المسميات. واقترنت بها لغات كثيرة عُرفت بها حضارات مهمة.

اللُّغة العربية

فعلى سبيل المثال، هناك اللغة السامية الشرقية التي اقترنت بها الأكدية والبابلية الآشورية والإيبلاوية. ونحن هنا لسنا بصدد تصنيف اللغات وعلاقتها باللغة السامية وأصولها بقدر ما وددنا أن نخترق أتون الفحص اللغوي، لنبين في نهاية المطاف ما للغة من أثر في التطور الحضاري والمعرفي. فكلما استجد الحال وتطور استجدت اللغة وتطورت وصارت تبحث عن سبل إيجاد معاني الكلمات وصورها التي دخلت على اللغة أو كانت موجودة ولكن غير مستخدمة مسبقا.

يمكننا أن نجمل حقيقة مفادها أن الكنعانيين كانوا يتحدثون بها منذ عصور كثيرة قبل الميلاد. وضمن التصنيف اللساني، تعتبر اللغة التي كان يتحدث بها الكنعانيون لغة تنتمي إلى السامية الشمالية الغربية التي تلتقي معها اللغة الآرامية بمفردات وقواسم مشتركة كبيرة.

فعلاوة على أنها لغة حية ولغة دين، فقد أنجبت من خلالها الآرامية الشرقية والآرامية المسيحية الشامية والآرامية الفلسطينية والسامرية والفينيقية والأدومية والعبرية وغيرها من اللغات التي اندثرت تاركة أثرا ثقافيا، وربما دينيا أو حضاريا. وعليه، فإن العلاقة بين ما وجد من أصول للغة العربية من طراز الخط المسندي وبين الكاذماتية، تبين أن أصولهما واحدة ولكن لكل منهما أثره في التطور الحضاري والعلمي والبشري.

إن التأكيد على الخط المسندي دون غيره لم يأتِ من فراغ، ففي القرن الثامن قبل الميلاد وجد المنقبون في كل من الجزيرة العربية والعراق وسيناء، نماذج من هذا الخط يعود للفترة ما بين القرن الميلادي الأول والقرن الرابع الميلادي، وهو امتداد جغرافي لانتقال اللغة من الجزيرة إلى سيناء وما يحيط بها أو العكس.

اللُّغة العربية

العربية وعلاقتها بالأكدية !

ولعل هذا الانتشار للغة السامية وفروعها كان له مردوده الأساسي المتولّد عن كونها اللغة الأولى التي استخدمت الأبجدية في كتاباتها ومنها انتقلت إلى اليونانية واللاتينية، ناهيك عن اللغات المشتقة منها والتي اقترن اسمها بحضارة تركت أثرا كان آخرها اكتشاف كتابات أكدية سامية تعود للألفية الثالثة قبل الميلاد، أي ما يقارب الخمسة آلاف سنة. وبهذا، تعتبر اللغة الأكدية السامية ذات العلاقة القوية باللغة العربية بمفرداتها ونصوصها من أقدم اللغات المكتوبة عالميا.

ولولا ديناميكية التطور اللغوي المتفاعلة مع الواقع ما كان للغة السامية أن تتطور وتبقى كل هذه العصور وتنتج الحضارات التي نعتقد أن أصولها عربية وليس العكس لأنها لو كانت غير عربية أصلا لاندثرت، وزال كل ما نتج منها.

العصر الذهبي للعربية في الحضارة الإسلامية :

برزت اللغة العربية بقوة إبان العهد الإسلامي واستوحي الغرب مختلف العلوم منها خاصة في القرون الوسطى كعلم الفلك والرياضيات والجبر والطب والفيزياء وغيرها ...
فواحد من العلوم التي شهدت تقدمًا كبيرًا خلال الحضارة الإسلامية هو علم الفلك. اكتشافات علماء الفلك صنعت عهدًا جديدًا، كما سجلت أول نظام النجوم خارج مجرتنا، ووضعت الأدوات التي كانت الأساس لعلم الفلك في العصر الحديث.

عندما ترجمت كتابات بطليموس للعربية في القرن التاسع الميلادي. أصبح الوصف العربي للنجوم شائع الاستخدام. ومع إضافات جديدة في العصر الذهبي، وترجمات لاتينية لاحقة حافظت على عادة تسمية النجوم بأسماء عربية. واليوم العديد من النجوم الساطعة لديها أسماء عربية أعطيت لها في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.

بالإضافة إلى أن العربية لغة الشِّعر: عادةً ما كان الشعر هو شكل قوي، وبليغ التعبير في التراث العربي. ومع الحركة العلمية في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية لم تتعارض العلوم الإنسانية مع العلوم الطبيعية. فقوة اللغة العربية كانت قادرة بكل سهولة على التكيف مع طرق جديدة لاستخدامها لصالح البشرية.

وبالتزامن مع إحياء العديد من العلوم في هذا الوقت. فقد ازدهرت أشكال جديدة من الشعر العربي. مع ظهور أشعار استخدمها العلماء في تعليم العلوم، مثل الفيزيائي الشهير ابن سينا، والبحار الشهير ابن ماجد. وفي هذه الأثناء تعامل الشعر العربي أيضًا مع نواحٍ عديدة: اجتماعية، وأخلاقية، وإنسانية للعلوم.

وهؤلاء بعض علماء المسلمين وأدبائهم في القرون الماضية : ابن سينا ، ابن الهيثم ، الخوازمي ،ابن النفيس ،يعقوب بن اسحاق الكِندي ،محمد الفازاري، حنين بن اسحاق، ابن ماسويه ،أبو كامل شجاع ، البطروجي ، المتنبي، وياقوت الحموي، وبديع الزمان، وابن حزم الأندلسي، وابن طفيل،ابن بطوطة الرحالة .. وغيرهم الكثير.

مصادر : 1001inventions / الجزيرة