“ التعلم أثناء النوم” ، هل يستند ذلك على أي دليل واقعي؟

رواد عالم تعلم ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، في كل يوم يكشف العلماء حقائق جديدة عن أسرار النوم، وربما يكون أهم اكتشاف في هذا المجال أن العلماء وجدوا نشاطاً كبيراً للدماغ أثناء النوم، وأنه يمكن للإنسان الاستفادة من وقته وهو نائم في تعلم أشياء جديدة وهذا الأمر ربما يكون مهماً بالنسبة للطلاب والباحثين والمبدعين.


آخر الدراسات حول النوم

يعكف العلماء اليوم في معهد ماكس بلانك بألمانيا على تحرّي الذكريات وطرق تخزينها وآلية عمل الذاكرة. وقد فوجئوا عندما وجدوا أن النوم يمثل معجزة عظيمة في التذكر والتعلم! والنتائج التي نشرت في مجلة (Nature Neuroscience, November 2006) تمثل قفزة في معرفة كيفية التعلم والتذكر لدى الإنسان، حيث وجدوا أن قشرة الدماغ تنشط أثناء النوم!!!


وقد تبين بنتيجة هذه الدراسات أن المعلومات تخزن في منطقة عميقة من الدماغ تدعى hippocampus لفترة قصيرة ثم تتحرك خلال عدة أيام وبخاصة أثناء النوم العميق إلى قشرة الدماغ في منطقة تدعى neocortex لتصبح في مجال الذاكرة الطويلة الأمد. فقد أكد العلماء Thomas Hahn, Mayank Mehta, Bert Sakmann على أهمية النوم في عملية التعلم والتذكر حيث لاحظوا نشاطاً كبيراً للخلايا العصبية أثناء النوم.


تدعي مقالات لا تحصى اليوم بأنه يمكنك أن تتعلم فعلا بالموسيقى، وشحذ مهارات اللغة الأجنبية، أو تثبيت المعلومات لامتحان الرياضيات في الغد أثناء النوم. وهناك صناعة بأكملها قائمة على هذه الفكرة. فأشرطة الرسالة المموهة، التي اخترعت من قبل توني روبنز، تعد بمساعدتك على الإقلاع عن التدخين، وفقدان الوزن، بل وحتى شحذ مهارات ممارسة الغولف والعثور على الحب.

إن الترويج لفكرة “التعلم أثناء النوم” أمر مغرٍ، فإلى أي حد سيكون رائعًا أن تكون منتجًا بينما تغط في النوم كجثة هامدة. لكن هل يستند ذلك على أي دليل واقعي؟

ما تقوله البحوث

إن فكرة أنه يمكنك معرفة الحقائق والأرقام أثناء الاستماع إلى تسجيل أثناء النوم، ثبتت في تجربة بسيطة أجريت في الخمسينيات. حيث ربط الباحثان تشارلز سايمون وويليام إيمونز أقطابًا كهربية إلى فروة رأس متطوعين لمراقبتهم أثناء النوم وبعد الاستيقاظ. أثناء نومهم، شغل سيمون وإيمونز تسجيلًا لشخص يعدد 96 حقيقة عن التاريخ، والعلوم، والرياضة، وغيرها من الموضوعات. وقد طرح على المشاركين أسئلة تافهة بعد الاستيقاظ، ولكن لم يكن هناك دليل على أنهم قد حفظوا أيًّا من المعلومات التي بثت إليهم. وخلص الباحثون إلى أن التعلم أثناء النوم “غير عملي، وربما مستحيل”.


وقد ارتبطت المزيد من البحوث التي أجريت مؤخرًا مع فكرة إيفان بافلوف حول الإشراط الكلاسيكي، فكرة أننا نرد على معلومات جديدة عندما يجري إرفاقها مع محفزات تسبب استجابة فطرية. في عام 2010، نشرت سوزان ديكلمان وزملاؤها في ألمانيا دراسة عُرضت فيها على المشاركين أنماط معينة من الكائنات قبل النوم في المختبر. أثناء الدراسة، تعرض كل مشارك لرائحة خفية في الغرفة، وقد جرى رشها ثانية في وقت لاحق أثناء نوم المشاركين ودخولهم ما يسمى نوم الموجة البطيئة. وقد تذكر المشاركون 84٪ من أماكن الكائنات عندما تم إقران ذكرياتهم مع رائحة أثناء النوم.

ثم ذكرت دراسة نشرت في عام 2012 من قبل مجموعة في الولايات المتحدة أن المشاركين كانوا أكثر ميلًا للعب لحن في لعبة فيديو موسيقية (على غرار غيتار هيرو) بشكل صحيح إذا كان قد جرى تشغيل اللحن لهم خلال مرحلة الموجة البطيئة لمدة 90 دقيقة. ويرى الباحثون أنه يمكن أن يجري التعلم بشكل لا شعوري أثناء النوم.

الدماغ يسترجع الذكريات أثناء النوم

يؤكد الباحثون من جامعة شيكاغو أن الحقائق التي ينساها الناس خلال يوم حافل بالعمل ربما يمكن استرجاعها إذا أعقب ذلك النوم بشكل جيد. وطلب الباحثون من متطوعين تذكر كلمات بسيطة، ووجد كثيرون أن ذاكرتهم تخذلهم في نهاية اليوم لكن في صباح اليوم التالي استطاع أولئك الذين ناموا نوماً مريحاًً استرجاع المعلومات بشكل أفضل بكثير.


وهذا يعني أن المخ يمكن أن يسترجع خلال الليل الذكريات التي كادت أن تنسى. وعندما يطلب من المخ تذكر شيئاً لأول مرة تكون هذه المعلومة في حالة غير مستقرة وهو ما يعني أنها ربما تكون قد نسيت. وفي مرحلة ما يضع المخ المعلومات المهمة في حالة أكثر استقراراً وثباتاً. لكن الباحثين يرون أنه من الممكن أن تعود الذاكرة المستقرة إلى حالة عدم الاستقرار مرة أخرى عندما يتم استرجاعها. ويعني ذلك أن الذكريات يمكن تعديلها وحفظها مرة أخرى عند مواجهة تجارب جديدة. إن هذه القضية بالفعل تحير العقول، فهل الطبيعة هي التي صممت هذا النظام الدقيق للنوم؟ وهل المصادفة العمياء هي التي جعلت الكائنات الحية تنام، وهي تعلم أن النوم مفيد لها؟ ولا نملك إلا أن نقول سبحان الله القائل: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21].


التعلم أثناء النوم .. أو التعلم لأنك نائم؟

اقترحت دراسة نشرت العام الماضي من قبل باحثين سويسريين أن النوم يعزز قدرتنا على تعلم كلمات اللغة الأجنبية. عُرض على المشاركين سلسلة من أزواج الكلمات من الهولندية إلى الألمانية في 10:00 مساءً، ثم استمعوا الى تسجيل صوتي لهذه الأزواج حتى 02:00 فجرًا. إلا أنه سُمح لنصف المجموعة بالنوم خلال هذه الفترة. وعند إعادة تقييمهم، وجد الباحثون أن أولئك الذين ناموا ذكروا كلمات أكثر بكثير من أولئك الذين لم يناموا.

إن تعلم لغة جديدة أثناء النوم يجعل قصة الصبي البولندي هكسلي تبدو أمرًا ممكنًا. ولكن هل هناك أشخاص يتعلمون فعلا من التسجيلات الصوتية أثناء نومهم؟ أو، بدلاً من ذلك، هل تحسنت ذاكرتهم ببساطة لأنهم نيام؟


في الواقع، لقد جرى الاعتراف بالموجة البطيئة أو النوم العميق بوصفه عنصر حاسم لتعزيز الذاكرة، وتحقيق الاستقرار في الذاكرة على المدى القصير والطويل. أثناء نوم الموجة البطيئة، الذي يميل إلى أن يحدث خلال النصف الأول من الليل، يتزامن بشكل كبير عمل خلايا الدماغ. عندما نقيس النوم باستخدام أقطاب كهربائية مثبتة على فروة الرأس، يبدو نوم الموجة البطيئة بطيئًا مثل التذبذبات العالية السعة.

تنشأ هذه “الموجات البطيئة” في القشرة المخية الحديثة وتنشأ دائرة محصنة، وهي بنية الدماغ التي تشفر الذكريات الجديدة. ويعتقد العلماء أن هذا الربط يسمح بتفعيل المعلومات المكتسبة حديثًا بشكل متكرر مع كل تذبذب. وقد تبين أن المرضى الذين يعانون من الأرق، الذين يميلون بدرجة أقل نحو نوم الموجة البطيئة عن غيرهم، يظهرون ضعفًا في الذاكرة.

أفضل رهان 

لذلك، بلى، يمكننا أن نتعلم أثناء النوم. ولكن هذا محدود في الغالب بتنشيط اللاوعي، مثل اقتران الروائح بالصور. وهذا ليس عمليًا تمامًا في العالم الحقيقي، ولن يؤدي إلى تخزين الذاكرة طويلة الأمد.


ومن أجل تعلم مزيد من الأمور المعقدة، مثل إحصاءات البيسبول أو مفردات اللغة الأجنبية، فإن النوم على الأرجح سيساعد على ترسيخ ما تعلمناه بالفعل، لكن لن يعالج بفعالية الإشارات الجديدة الواردة.

بدلاً من ارتداء سماعات الرأس أو رش وسادتك برائحة الخزامى الذي استخدمته أثناء دراستك لاختبار اللغة الإسبانية، ربما يكون من الأفضل أن نتوقف عن محاولة “اختراق” نومك. فقد وضعت أدمغتنا آلية ذكية جدًا لمساعدتنا على تعلم معلومات جديدة. كن رحيمًا بدماغك وخذ ما يكفي من النوم للاستفادة منه.

النوم ينمي المواهب والمهارات

يقول الباحثون: إن النوم المريح والمترافق بمواصلة الممارسة واستمرارها، يمكن أن ينمي ويطور المهارات الفردية الخاصة والمواهب الشخصية، وخصوصا ما يتعلق بتنشيط الذاكرة وتنشيط استذكار ما حدث في الماضي، واستذكار التصورات.


يقول الدكتور ستيفان فيشر الذي ترأس هذه الدراسة: إن النوم مفيد بل ضروري لتحقيق مستوى أفضل من المهارات، ويقول رئيس جمعية النوم البريطانية نيل ستاندلي: إن الدراسة الجديدة تؤكد من جديد على أهمية النوم في حياة الإنسان وأنه من الخطأ أن يتصور البعض أن النوم مجرد مضيعة للوقت وبلا فائدة.

يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) [الفرقان: 47]. إن هذه الآية تؤكد أهمية النوم، وقد نزلت في عصر كان يُنظر فيه إلى النوم على أنه مجرد عادة ولا فائدة منه، ولكن القرآن حدثنا عن معجزة وآية عظيمة هي النوم، وهذا من إعجاز القرآن.

المصدر : theguardian.com

إذا أعجبك الموضوع لا تنس مشاركته مع زملائك لتعم الفائدة